أقلام حرة

محمد سعد: المريءُ سِلعةٌ في أَسواقِ الِاستهلاكِ..!

من المُحتملِ أن يُؤثر السُّلوك الِاستهلاكِي على كُل وجُوهِ حياتنَا، فالكلُّ اليوم يعِيش تحت ضغطِ أن نستهلِك أَكثر، رغم جُنون الأسعار وبِذلِكَ صرنَا سِلعًا في أَسواقِ الِاستهلَاكِ.

ومع انتشار شبكاتِ التواصلِ الِاجتماعِي وسهُولةِ نَشر الإِعلاناتِ حيثُ يتعرضُ المرءُ لِقصفٍ مُتواصلٍ منْ الإِعلَاناتِ حتى يقتنعُوا بِحاجتهِم الحتميةِ لهذهِ السِّلع المُعلنِ عنهَا، ولِشِراءِ مَا يظُنونَ أنهُم يحتاجُونهُ فإِنهُم أمام خِيارَينِ- أولًا:- الهجرةُ خارج الوطنِ أَو يعملُونَ لِساعاتٍ أطول لِكسبِ مزيدٍ من المالِ، ولِكونهِم بعيدِينَ عن أُسرهِم لِسنواتٍ أَو كانُوا دَاخل المُجتمع لِتِلْكَ الساعات المُمتدةِ فإِنهُم يُعوضُونَ غِيابهُم هذا بِهدايا ثمِينةٍ تُكلفُ عِبئًا ومزيدٌ من المالِ، وهُو مَا أسماهُ أحدُ العُلماءِ (بِ تَمدِينهِ الحُب) أي جَعلِ الحُب ماديًّا.،،، إِن هَذَا الِانفِصالَ العاطفِي والغياب الجسدِي عن المنزلِ يَجعل أَفراد الأُسرةِ الواحدةِ غيرَ قادِرِينَ على تحمُّل حتى الخلَافاتِ التافِهةِ،، مما لَا يحتملُهُ العيشُ تحت سَقْفٍ واحِدٍ، لقد أَدى الِانشغَال بِالحُصولِ على مزِيدٍ مِنْ المالِ لِشِراءِ مَا يظنُّ أنهُ ضرُورِي لِتحقِيقِ السعادةِ إِلى عدمِ وجُودِ وقتٍ لِلحوَار والتفاهُم والمُشاركةِ والتعاطُفِ.

إِذنْ فسيادةُ المُجتمع الِاستهلَاكِي قد أَدى إِلى أَمرَينِ: أَولهُما ذُبُولُ التكافُلِ الإِنسانِي في المُجتمعاتِ مدنِية ورِيفِية، والثَّانِي:- اضْمحلَال قِيم التراحُم والتشارُك في الأُسرة فالعولمة الِاستهلَاكِية أَصبحتْ تحديًا أخلَاقِيًّا. فَبعد غِيابٍ طويل مِن رَبِّ الأُسرة، وعودتُهُ يحدثُ خِلافٌ لِأن الأَبَ كانَ عِبَارةً عن آلَةٍ ماديةٍ لِسعادةِ الأُسرةِ فقطْ فيحدثُ انفِصال بين الزَّوجِ والزَّوجَةِ بعد هذا العُمر الطوِيلِ وقد أَشار إِلى ذَلِكَ [عالمُ الِاجتِمَاعِ البُولندِي زيجمُونت باومان] في كِتابةِ (الأَخلَاقِ فِي عَصرِ الحدَاثةِ السَّائلةِ \"حيثُ إِن مفهُوم المسؤُوليةِ الذي كان في الماضي مُرتبطًا بِالوَاجِبِ الأخلاقِي والِاهتِمام بِالآخر، ارتبط اليوم  بِتحقِيقِ الذاتِ، فأَصبحَ الِاستِثمار في الذاتِ هُو مشرُوع الفردِ الوحِيدِ. هُنا قامت السُّوقُ الِاستهلَاكِية بِتجريدِ مفهُوم التكاتُف الِاجتِماعِي الذي يُعززُهُ الوُجود المُشترك مِنْ قِيمتهِ. وإِذا كان العُلماء فِي الماضِي يروْنَ أَن المُجتمع بِدعةٌ اختُرِعتْ لِجعلِ الِاجتماعِ الإِنسانِي المُسالِم مُمكِنًا لِكائِناتٍ أنانِيةٍ بِالوِلادةِ، فإِنَّ الحدَاثةَ السائِلَةَ جُعِلت منْ المُجتمعِ حِيلةً لِجَعلِ الحيَاةِ الأنانِيةِ قابِلَةً لِلتحقِيقِ لكائِناتٍ أَخلاقِيةٍ بِالوِلَادةِ، وذلِكَ بِالحدِّ منْ المسئُولياتِ تجاهَ الآخرِين.

أَصبحنَا نعِيشُ فِي مُجتمع ماديٍّ مُجردٍ مِنْ الأخلاقِ.

*** 

محمد سعد عبد اللطيف - مِصر

في المثقف اليوم