صحيفة المثقف

الحلم الهارب في ديوان خطى الذئب للشاعر نور الدين بازين

عواطف الغالي يشكل ديوان "خطى الذئب" تجربة إنسانية غنية، إذ يدرك القارئ أن الشاعر يمزج في شعره عددا من الأفكار التي يوظفها بجرأة الشاعر الذي ينبثق الشعر من همّه الذاتي إلى الهم العام، فيلح في قصائده على حرمان  نفسه من الرغبات التي يتعين أن تتوحد في العام في تجربته الشعرية؛ يقول في أول قصيدة بعنوان "بيت العزلة": لا أريد أن تكون لي طائرة من ورق أحمر ولا بيتا من الشوكولاتة .. ومن يتعمق في هذه البداية القصائدية يدرك أنه يعمل منذ أول قصيدة على تطوير مضامين شعره ليرقى بها إلى مستوى فني، وتقديم آليات فنية ذات معاني تفاعلية.

وتقارب هذه القراءة ديوانه الشعري هذا بما يُمثله من نضج تجربته الشعرية وتطورها. فالديوان يقع في(89) صفحة من الحجم المتوسط، ويضم(31) قصيدة، تتراوح بين الطول والقصر، وقد صدر  عن المطبعة الوطنية ضمن منشورات مركز الحمراء للثقافة والفكر في طبعة أنيقة.

ويضم هذا الديوان قصائد عديدة ومتنوعة في موضوعاتها، منها ما يلامس حدة الألم الاجتماعي، ومنها ما يغوص في العاطفة الحزينة، ومنها ما يحوم حول الانتكاس ومنها ما طرق القصائد العامة، بيد أن الرؤية العامة في هذا الديوان تتألف من بعدين أساسيين هما: البعد الاجتماعي والبعد النفسي، وهما يمتزجان معاً امتزاجاً عضوياً بارعاً؛ الأمر الذي سما بهما  إلى درجة عالية من النضج والعمق والتكامل في سبك القصائد.

انشغل الشاعر بعدد من الهموم انشغالاً كبيراً، بقدر ما نجم عن ذلك من ضياع  الحلم، حتى في فترات الأمل يعود ويتحسر بغيض، يقول مثلا: فاتني أن أخبر أمي أني جاهز للفرح حين أقبلها؛ ثم يستطرد: تجاوزنا الزمن وأصبحنا مثل أشجار الصنوبر شاخت ولم تسقط. والأمثلة كثيرة تعج في ما بين دفتي الديوان. وكل هذه المضامين أقضّت مضاجع الشاعر، فانعكست في تجربته الشعرية، فأضحى يرى أحلام الناس ويرى الواقع مختلفا عما يراه وكما ابتغاه. يقول: وتراءت لي أحلام الناس في الشارع ثم يقول في قصيدة أخرى أصبحت الأمور غريبة جدا.. فقد تضاعف لدى الشاعر الانشغال بالأحداث اليومية المريرة، وما يترتب عنها من مشاكل إنسانية.

1557 نور الدين بازين لقد شكل المضامين المتنوعة بلغة فنية شاعرية أكثر تأثيرا في القارئ، وهي منهجية تنم عن عمق المادة الشعرية لديه، وعن وعيه بأهمية الخطاب الشعري، حين يختطف الأحداث ويرنو بها إلى الجمال اللغوي والمعرفي والتصويري، وهو ما يؤكد فلسفته الشعرية خاصة وأنه يعاين بروحه الواقع المعاش، فينهمر بالإبداع الشعري في حلل جديدة من الإبداع في الصياغة الشعرية. ففي قصائده ما يدهش القارئ من معازيف فنية متكاملة، وعذوبة في الإيقاع الشعري، وسلاسة وتوازن في الحركات التي يتوسطها الشاعر بتأمل في الواقع، بعيدا عن كل تعقيد وعن المساحيق اللغوية. لأن الشاعر يبني مواقف إنسانية باستخلاص عناصر فلسفته وفكره ووجدانه، ليتفوق في اللغة الشعرية ويبصم بسمات مائزة البنيات الداخلية لقصائده. إنه يشكل تصورا عميقا ممتدا في العوالم الإبداعية ليقابل الحس الاجتماعي بنبض قصائده، بمضمون فلسفي وببساطة في التركيب، وباختيار المفردات الملائمة، ومراعاة قدر من الملاءمة والتناسب. فالشاعر يستهدف الاستعارة التي تتجاوز ثقافة النمط العادي إلى بلاغة شعرية بتأكيد مباشر وقيمة فنية. فالحمولة الفنية في هذا الديوان ناتجة أساسا عن تنوع المادة المصدرية وأشكال الإيقاع في شعره، إذ تمتاز قصائده بإيقاع توليفي بين الصيغ الدلالية والأشكال التناغمية، فضلا عن انتقاء كلمات محورية ذات إيقاع داخلي مميز، ووضعها في مكانها الدلالي الملائم لإيقاع القصيدة، لتعكس جماليتها الشعرية، في نهج جديد يرمز إلى الوضعيات المعرفية، وينمذجها في مفاهيم ذات أهمية شعرية، يقارب بها الخطاب الشعري بالمادة الفنية، معتمدا على مجموعة من الأساليب التصويرية وعلى عدد من المفردات، وعلى نظام من المعاني التي تستهدف الجانب النفسي والاجتماعي وعدد من التيمات، مما يمنح أعماله القصائدية بذخا شعريا، بقدر ما يطرحه من تصوّرات مغايرة ذات بعد حداثي تعيد قراءة الشعر برصد يترجم أحاسيس الشاعر ووجدانه باعتباره يستند إلى الأبعاد الدلالية للنظم بمفهومه الحديث، وذلك تبعا لـحركة المعنى وفعاليته في تنظيم الوقائع داخل الخطاب الشعري. فالشاعر يحدد خطابه في هذا الديوان ويبني القصائد في ضوء الخيارات الأسلوبية والفنية بتنظيم دوال القصائد وقيمها حيث لم يغب البعد الاستيطيقي عن كيان القصائد. وهو ما يحيل إلى اعتبار الجانب الحداثي في شعره تمثلا آخر يدعم تجربة الشاعر الغنية. وهو ما يؤكد بأن الشاعر نور الدين بازين يُقيم في ذاته الفعل النقدي المستند على المعارف النظرية والتصورية، وهي خاصية إضافية في قصائده الشعرية. ولذلك فكل قصائده التي يحتويها هذا الديوان تتبدى في عمومها مبلورة لرؤاه ومواقفه، تفصح عن تجربته التي تنم عن معنوياته الداخلية الجياشة في نسج مختلف التعابير الشعرية التي تتحرك في نطاق متنوع من التيمات والتصورات التي تنتج المعاني والأفكار، بل وتحمل مجموعة من القيم في إطار معرفي يحافظ على وحدة الدال وتعدد المدلول، ويروم وحدة البناء، وعلى خاصيته التنظيمية في الخطاب، ويحافط كذلك على البناء والتوازي النصي. فقصائده  كلها في هذا الديوان تحمل دلالات وأبعاد اجتماعية ونفسية وقيمية، ضمن منظومة النص الشعري العربي الحديث وثقافته الجديدة. يإدراك قوي للرسالة الفكرية والتأثيرية التي يحملها الشاعر ويؤكدها في شعره.

 

دة. عواطف الغالي

جامعة ابن طفيل القنيطرة - المغرب

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم