صحيفة المثقف

التفاعل التخاطبي بين الحوار وبين المماحكة؟

.حميد طولستفاجأني حفيدي هذا الصباح كعادته بسؤال غريب حول الفرق بين النقاش وبين المماحكة، وقلت في ردي: إن الفرق بينهما كبير جدا فرغم أنهما - يا عزيزي -يلتقيان في كونهما يدخلان في باب المحادثة والحوار الذي هو النموذج المثالي للتواصل المؤدي إلى توسيع نطاق الفهم والوعي وتبادل الآراء بين طرفين متحاورين، إلا أن طبيعة التفاعل الإنساني مع وجهات النظر المختلفة حول موضوع النقاش تفرق بين الممارستين وتخلق التميّز والخصوصية التي ينفرد بها كل من الحوار والمماحكة في المجال التخاطبي، حيث نجد أن الحوار أو النقاش هو ممارسة المحادثة الموضوعية والهادئة بين أفرد أو جماعات، للتعبير عن الرأي واستجلاء النواظم المعرفية والفكرية التي ينهض عليها، اعتمادا على منطق الأخد والعطاء واحترام الاختلاف -الذي لا يفسد للود قضية، كما يقال- وغيرها من شروط المحاورة وآدابها التي لخصتها المقولة الشهيرة: "رأيي صَوابٌ يَحتَمِلُ الخَطأ، ورأيُ غَيري خَطأ يَحتَمِلُ الصَّوابَ " القاعِدة الذهبية نحت بها المماحكة -التي هي الأخرى نوع من أنواع الحوار والمحادثة بين طرفين - منحى اللدد في الخصومة والعناد في التمسك بالرأي، الذي لا يستهدف شرحًا لفكر، ولا توضيحًا لأفكار، ولا دعمًا لحق أو حقيقة، مدفوعة بالتعصب المقيت لمسائل خلافية اجتهادية لا تعترف بحق الغير في الاختلاف والتعبير عنه في كافة المسائل،المعقدة منها والبسيطة،و حتى تلك التي لا ترقى لأن تكون فرعية - اجتماعيا وسياسيا وعقائديا- لكنها قادرة على خلق الجمود وقتل التطوّر وتقعيد الشعوب عن التكيّف مع الظروف والمستجدّات، والتي تضرب سُنة الاختلاف والتنازعٌ التي سنها الله سبحانه وتعالى للبشرية، والتي أتبثت أنه من المستحيل أن يعيش الناس على مبدأ الاتّفاق الكامل، دون أن يكونَ هناكَ اختلاف وتنازعٌ بين النّاس، بدليل قوله تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ".[٢].[٣]، السنة التي شوه طوفان هوجة الأسلمة المبتدعة روحها وصورتها، بما يسيطر على مدعي الدافعين من أفكار صهر المسلمين في قوالب متشابهة، لغاية خلق صورة واحدة للمسلم السلبي، شكلا و مضمونا، ملامح بلا جوهر،  كلام بلا فعل، يطبق الطقوس بلا فهم ولا تدبر، يتخلي عن أفكاره وتوجهاته وقيمه ومبادئه الوطنية والإنسانية والمعتقدية، ويعتنق مفاهيم وأيديولوجيات غير منطقية، تجعل الدين مجرد لحية وجلباب قصير، وتلخّصه في خدمة جماعات صناع الوهم وتجار الحروب والأزمات بدعوى الاتفاق والاتحاد والتماسك الإسلامي  ـ

منطقيا لست ضد حرية أحد في اختيار العقيدة الأيديولوجية التي تروق له، شريطة ألا يصادر حق غيره في العيش الآمن والحياة الكريمة، وألا يرغم مخالفيه في الرأي والمعتقد على أن يكون صورة مستنسخة منه، فأهم ما نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى، ليس هو نمطية صورة المتدين ولا قياس مدى انتشار التدين، بل إن ما نجن في أشد الحاجة إليه، هو مدى صدقية التدين وتأثير المتدين في تغيير الأوضاع العامة لمجتمعة نحو الحضارة والمدنية والتحضر والمسؤولية المجتمعية والإنسانية والأخلاقية، المحرك الفعال نحو تطور ونماء وازدهار الأوطان ..

 

حميد طولست

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم