صحيفة المثقف

جعجعة رواية الشعراء؟

حيدر عبدالرضاتمر علينا عبر مستحدثات الخطاب الثقافي والأدبي، ثمة حالات غريبة من القصور المعرفي أو هشاشة الوعي في فهم فنون الأجناس والأنواع الاسلوبية التي تحولت إلى مجال من مجالات مزاجية طائشة وغير مسؤولة ثقافيا تماما . كل ما أريد قوله حصرا هنا، أن معاير فنون الأدب أصبحت في متناول لعبة الأدباء والشعراء، وذلك عندما تتحول التجربة الروائية الكبيرة إلى محض ممارسة مزاجية ونفسانية يحكمها الطيش والرعونة والمجازفة الأدبية الكبرى. الكل يعرف خصائص الفن الروائي، وما يترتب على هذا الفن السردي من أبعاد تكوينية وأسلوبية وتقانية خاصة، وأهمها الموهبة وحصانة الأسلوب السردي في تنصيصات النص الروائي . مع ذلك وجدنا في ساحة أوساطنا الثقافية العراقية والعربية من هو مستخفا بقواعد وفنون وأدوات هذا الفن الكبير، حيث البعض منهم يعرفه على أساس مجموعة أدوات بسيطة (سرد / حكاية / حزمة من الصفحات الكبيرة) هكذا عرفها أغلب ممن صار يطلق على نفسه هذه الديباجة المؤدلجة بـ (روائي) أو أن يحيا مع نفسه الشقية ذلك الحلم بمرأى أسمه الموقر مكتوبا أعلى صفحة مزينة من خلال لوحة تشكيلية، قد تكون غير مستوفية في حقيقتها مع مؤشرات وشرائط ومضمون الثيمة الروائية أصلا، والأدهى من ذلك هو أن يطالب هذا الشاعر بعد طبع روايته المهجنة، إلى أصدقائه النقاد بالكتابة عنها والسعي إلى إكتشاف غور أفكارها الميتارواية ؟! طبعا هذا السيد (الشعروائي؟!) هو ممن لا يحسن كتابة القصيدة النثرية في أغلب أعوامه المجيدة كأحد شعراء عقد الثمانينات، والمشكلة أن لديه من الانتاج الشعري ما يقارب خمسة عشر عملا شعريا، ولكن من دون أن يذكر يوما في دراسة نقدية ما، على أنه من التجارب الحاذقة والملفتة للشعر لحظة واحدة . وما أثار حافزية هذا الشاعر وممن يدور في فلكه من الشعراء إلى عوالم فن الرواية، هو التفوق الابداعي وكفاءة هذا الجنس الأدبي في مبيعات دور النشر، لذا نجده هو وعصبة ممن لا تتوفر لديهم أدنى الملامح الشعرية الجادة، يدبجون آخر خطواتهم نحو سلم اقتناء وقراءة الروايات العراقية والعربية والمترجمة لفترة وجيزة من الزمن، وعلى حين غفلة تتسارع الأخبار الواردة من مقهى تجمع الأدباء ومبنى إتحاد الأدباء، تقر باليقين بأن ذلك الشاعر يقوم بكتابة رواية تجمع رؤى وأساليب وأنماط كل المراحل الأدبية في الرواية، غير إننا وبعد طبع وصدور ذلك العمل الروائي العظيم، ترانا لا نجد فيه لأدنى أثر من آثار خرابيش الرواية الجادة ؟ بل إننا لم نعثر في قراءتنا لروايته، سوى على تلك الكلمة المكتوبة أسفل غلاف المطبوع تدليلا (رواية) كنت أود القول في مقالنا هذا من المعيب جدا، بل ومن المهين على فئة الشعراء خاصة، والواحد منهم قد سلخ ثلاث عقود من تجربته الشعرية الشائعة في المحافل والأوساط، ليظهر على أنه علامة روائية لم يستشعرها بذاته سابقا، ولا يعلم هذا الشاعر البائس حقيقة كونه زج ذاته وهويته بخطاطة مهجنة لا هي من جهة قريبة بالشعر،و لا من جهة معروفة كرواية، بل إنها أكذوبة (جعجعة رواية الشعراء) التي تتكون من حكاية شعبية غاطسة في الأسماء والأفعال المنتمية إلى زمان البرك والمستنقعات، تتوزعها مقاطع حوارية دارجة من اللغة الشعبية والفصيحة . هكذا وجدنا رواية الشعراء أما أن تكون قصيدة نثرية مطولة بلا حقيقة شعرية، أو هي مجرد نكتة حكواتية لا تتحلى حتى بروح وحكمة الأمثال الشعبية المعتقة لدى أجدادنا في حكايتهم الشتوية الليلية الجميلة، يا للخيبة ؟! .

 

حيدر عبد الرضا

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم