صحيفة المثقف

اربع قرون من تاريخ العراق الحديث

كاظم شمهودمن الكتب التاريخية النادرة والمعتبرة جدا والتي تحدثت عن تاريخ العراق السياسي والاجتماعي في الفترة العثمانية المظلمة هو كتاب –اربع قرون من تاريخ العراق الحديث – للكاتب الانكليزي المستر استيفن هجسلي لونكريك والذي كتبه عام 1925، ثم ترجم الى العربية عام 1941 من قبل الدكتور جعفر خياط، وكان لونكريك قد شغل مناصب متعددة في الحكومة العراقية في بداية العهد الملكي . وكان يفكر في الكتابة عن احوال العراق في القرون العثمانية المظلمة غير انه وجد صعوبات كثيرة جدا تعوق عمله وذلك لفقدان المدونات والكتابات عن العراق وكأنه غير موجودأ . وقد اعتمد على عدد من الاشخاص في ترجمة واعداد المخطوطات التركية القديمة، ومكث المؤلف عدة سنوات يحضر لهذا الكتاب .

وكان الكتاب يتناول الاوضاع الاجتماعية والسياسية والفتن والحروب بين الدولة العثمانية والصفوية وثورات وتمرد العشائر العربية ضد الدولة العثمانية والتي لا تهدأ ولا تكل ولا تمل طيلة حكم العثمانيين في العراق، كما تتطرق الى وصف جغرافية العراق واهله ومدنهم واحوالهم المعيشة . ولكن الملاحظ انه لم يعرج الى حركة الثقافة والادب والفن بشكل واضح وربما يعود ذلك الى انها غير موجودة او ليس لديه مصادر تتحدث عن ذلك .

1958 التقاليد العراقية

وحسب كتابات لونكريك ان العراق عاش فراغا غامضا ومجهولا خالي من المدونات والكتابات التاريخية خلال فترة ما بعد سقوط بغداد على يد هولاكو عام 1258 واحتلال الدولة العثماني العراق عام 1534 والذي امتد حتى عام 1918، مما دعى علماء الآثار والتاريخ الى الاهتمام بهذه الفترة المظلمة والتي يعتبرها البعض حلقة مفقودة من تاريخ العراق لندرة المصادر وحصرها في قصور السلاطين العثمانيين ومكتباتهم الخاصة مثل مكتبة طوب قابي . وكانت هذه الارض قد مرت عليها اقوام عديدة متقاتلة ومتناحرة، كما شهدت امجاد الاسلام والعرب، وسجل الاغريق والرومان حضورا مميزا وتركوا ثقافاتهم وتقاليدهم على اهل هذه البلاد . ولكن تلك العصور المضيئة التي عاشها العراق لم تلبث طويلا حتى تحولت الى فوضى وظلام بعد دخول هولاكو بغداد، فانطفت انوار الحضارة الذهبية بامتداداتها التاريخية منذ زمن السومريين ومرورا بقوانين حمورابي والعصر الذهبي لبداية الدولة العباسية ..

1959 طاق كسرى

ولم يتطرق احد بانصاف وموضوعية للكتابة عن تلك الفترة التاريخية الغامضة والتي اجتاحت فيها جيوش المغول والتتر والتركمان ثم الصراع المرير بين الدولة الصفوية والعثمانيون على العراق، واصبحت دراسة هذه الفترة الغامضة ضرورية وذات اهداف واعماق تتعلق بمصير الهوية العراقية وحركتها الثقافية والفنية، وهي فترة نادرة المدونات والدخول الى ساحتها يعد نوع من المخاطرة والسقوط في الشبهات، مما دعى المؤرخين والكتاب اصحاب الشأن يلجأون الى البحث عن المعلومات في بطون الكتب المتفرقة من ادبية وشعرية ودينية وكتابات الرحالة والمستشرقين الاجانب وما سجله المصورون الاوربيون الذين اموا البلدان العربية .

ولم يذكر او يدون عن تاريخ واحوال القبائل العربية بشكل كافي سواء في الشمال او الجنوب، ولم نجد انارة كافية على اوضاعها وحركاتها الثورية والتمرد ضد الدولة العثمانية او عن النزاعات العشائرية والطائفية .

وبقت البلاد تجتاحها النزاعات العشائرية والطائفية يضاف لها الكوارث الطبيعية من فياضانات وامراض واهمال متعمد من قبل السلطات العثمانية التي لم تهتم على الاطلاق بالالتفات الى تحسين معبشة الناس وتمدنها .

وكانت حوادث هذه الفترة منسية ومهمولة ومطمورة تحت التراب مما اضعف الامة فكريا ومعنويا ومعاشيا واصبحت خاوية ومتعبة لا حياة فيها، او كأنها غير موجودة على الخارطة الجغرافية واصبحت في عداد الاساطير . وكان هذا الضعف والخراب من الاسباب التي جعلت انظار الغرب تتجه اليها والتفكير بالسيطرة عليها، لانهم يعلمون جيدا ما يملكه العراق من عمق تاريخي وثروة طبيعة نادرة .

1960 كربلاء

في هذا الوقت كانت اوربا منشغلة في الثورة الصناعية ورحلة كولومبس (كولون) واكتشافه القارتين الامريكيتين . وفي نفس الوقت دخلت اليهم اسلحة البارود وبدأت اوربا بانشاء جيوش جديدة مسلحة باسلحة حديثة من مدافع وبنادق ومسدسات ومواد متفجرة وغيرها، ويذكر ان المسلمين اول من استخدم هذه الاسلحة في الدفاع عن غرناطة، ثم لما سقطت بيد النصارى اخذوا هذه الاسلحة وتعلموها . وبدأت عندهم فكرة الاستعمار والسيطرة على الشعوب وبلدانها وثرواتها . واصبحت الاساطيل البرتعالية والاسبانية تمخر عباب البحار فوصلت الى الهند مصدر التوابل والاقمشة الحريرية المزركشة، واسس البرتغاليون قلعة في مضيق هرمز عام 1507 لمراقبة السفن التجارية وحراستها .

1961 نهر دجلة

وذكر لونكريك ان الطرق البرية كانت عامرة بحركتها التجارية وقد فضلها الايطاليون على رحلات السفن البحرية وكانت قوافلهم التجارية تمر عبر صحراء بلاد الشام وبغداد والبصرة وصولا الى الهند، او تتجه شمالا سالكة الطريق الحريري الذي يمر على عدد من الدول الآسيوية حتى يصل الى الصين . وكان العراق في ذلك الوقت خاوي القوى فقيرا متخلفا وارضه قفراء قاحلة وموحشة يجد فيها المسافر مشاق كثيرة وصعبة . وكانت الطرق التجارية البرية تسيطر عليها القبائل العربية والبدوية وكانوا يأخذون من القوافل التي تمر على اراضيهم ضريبة مرور لحمايتها وحراستها من اللصوص .

1962 سور بغداد

وكانت غالبية بيوت الناس مشيدة من الطين والقصب والبردي واللبن والخيام خاصة في الجنوب كما كانت الاهوار تغمر مياهها مساحات واسعة من اراضي وسط وجنوب العراق خاصة ايام الفياضانات التي تؤدي احيانا الى اغراق المدن والمزارع وموت وتهجير آلاف الناس . وفي هذه الفترة توزعت القوميات على المدن والقرى والنواحي العراقية  فالهنود والعبيد استوطنوا البصرة والصابئة مناطق العمارة والقرى الواقعة على الانهار وكذلك مناطق الشمال واستوطن الايرانيون المدن المقدسة مثل النجف وكربلاء والكاظمية، والاكراد والاتراك المنطق الشمالية، اما اليهود فاكثر سكناهم كانت الموصل وبغداد وكانوا معروفين بحرفة صناعة وبيع الذهب والربا . واستوطن النصارى في الموصل وخاصة في منطقة سنجار، والتركمان في تلعفر وكركوك . اما العرب فقد سكنوا في كل مناطق العراق خاصة في الو سط والجنوب والمناطق الغربية . واكثرها قبائل وعشائر وبدو رحل تعود اصولها الى الجزيرة العربية .

وكان العراق في اصوله يعود الى الاقوام السومرية والبابلية والآشورية بالاضافة الى الاقوام الاجنبية التي حلت به واستوطنته عدة قرون مثل قبائل المغول والفرس والاتراك وغيرها . ولم يكن العراق في فجره عربيا، وانما جاءت موجة العرب الاخيرة اثناء الفتوحات الاسلامية في القرن السابع ميلادي، ولهذا لم نجد تناسقا في الجنس، وبالتالي يعتبر العراق في حقيقته وارثا لتلك الامم والشعوب القديمة المختلفة الجذور والثقافات .

 

د. كاظم شمهود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم