صحيفة المثقف

جسَدُكِ غابةٌ وحشيةٌ

عامر كامل السامرائيللشاعر اليوناني: يانيس ريتسوس

ترجمها عن المجريَّة: عامر كامل السامرّائي


أردتُ أن أصف جسَدَكِ. جسَدُكِ - بلا نهاية.

جسَدُكِ

بتلةُ وردٍ رقيقةٍ في كأسِ ماءٍ عذبٍ.

جسَدُكِ

غابةٌ وحشيةٌ، بأربعين فحّاماً أسود. جسَدكِ أوديةٌ عميقةٌ نديةٌ،

قُبيل شروق الشمس. جسدكِ ليلتين، ودقات ناقوس، وشُهب، وقطارات خرجت عن مسارها.

جسدكِ

حانة شبه معتمة، ببحارة سكارى، ومهربي تبغ، يخشخشون بالنرد،

ويهشمون الأقداح، يبصقون، ويشتمون.

جسدكِ،

اسطولٌ بحريٌّ بأكملهِ - غواصاتٌ، وبوارج مدمرة، وزوارق حربية؛ تَرفعُ المِرْساة بقعقعةٍ؛ ويَغمر الماء ظهورها؛ بحارٌ يقفز من أعلى الصّارية على رأسه في البحر. جسدكِ

صمتٌ متعدد الألحان، خمسُ سكاكينَ، وثلاثُ حرباتٍ، وطعنة سيف واحد. جسدكِ

بحيرةٌ شفّافةٌ - تُرى في أعماقِها، المدينةُ البيضاءُ الغريقةُ.

جسدكِ،

أخطبوطٌ عملاقٌ، قابعٌ في حوض القمر الزجاجي، بمجساتٍ دامية،

فوق الشوارع المضاءة، حين الغسق، حيث تَمُرُّ بوقارٍ تامٍ جنازة آخر القياصرة. الكثير من الأزهار المُداسَة فوق الإسفلت المبلَّل بالبنزين. جسدكِ

ماخورٌ قديمٌ في أطراف المدينة، بغانياتٍ عجائز، على وجوههن طلاء سميك ورخيص، يضعن أهداباً زائفةً، وهناك بينهن عاهرةٌ شابةٌ أيضاً- تُمتّعُ نفسها مع كل زبون، تنسى عد نقودها المتروكة على الطاولةِ اللّيليةِ. جسدكِ

صبيةٌ ورديةُ الوجه، تجلس أسفَلَ شجرةِ التفاحِ، تقضمُ رغيفَ خبزٍ طازجٍ، مع بندورة مملحة، وتغرز بين حينٍ وآخر وردة تفاح بين نهديها. جسدكِ

جندبٌ يُغني منفرداً في أُذُنِ شهر قطاف الكروم - مختوماً بظلٍ بنفسجيٍّ على قفاه الذي لوَّحتهُ الشمس، أغنيةً لم تستطع كل عناقيد الكروم ترديدها سويةً. جسدكِ

بيدرٌ مهيّأٌ فوق تل فسيح - أحدَ عشَرَ حصاناً أبيض يدرس عرانيس الكتاب المقدس؛ قشٌ ذهبي

مرايا صغيرة شَبكت في شَعرِكِ، وتألقت الأنهار الثلاثة، على شواطئها أبقارٌ سوداء كبيرة، تحني رؤوسها المكللة بالألماس، لتشرب الماء وتبكي. جسدُكِ لا يُختَصَر.

لا يُوصف. لكني أريدُ وصفه -

لكي أجعله أكثر قرباً من جسدي، حتى أحتويه، ويحتويني.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم