صحيفة المثقف

من أجل فلسفة للأطفال في الجزائر

عمرون علي "إن تحسين العالم، وخاصة محاربة التعصب، يمر عبر تربية الأطفال ،من خلال إيقاظ ذكائهم وضميرهم الأخلاقي، وقدرتهم على إدارة عواطفهم وتنمية الوضوح والصفاء الداخلي، ليكونوا أحرارًا"

فريديريك لينوار


مدخل عام

التفلسف تجربة إنسانية مفعمة بالحياة بالحب والغيرية، لذلك كان تاريخ الفلسفة في البدء هو تاريخ الإنسان الطبيعي الباحث عن الحقيقة والحامل لها، وتاريخ الإنسان المدني الثوري الرافض لكل ما هو سطحي وتافه في الحياة،ان هذا المدخل في اعتقادي يسمح لنا بالحديث عن إمكانية تعليم فلسفة للأطفال أو الحق في التأسيس لمشروع من أجل فلسفة للأطفال في الجزائر،هناك حيث تتعدد الازمات وتتنوع فنحن اليوم نعيش أزمة سياسية واقتصادية ونفتقر الى ثقافة العيش المشترك، و نعيش أيضا أزمة فكرية و ضعفا في جودة التعليم الجامعي ليس فقط في اقسام الفلسفة بل وفي كل التخصصات وكان من تجليات هذه الازمة تهافت الدرس الفلسفي على مستوى التعليم الثانوي شكلا ومضمونا وهنا تستوقفني ملاحظة سبق وان سجلها ماثيو ليبمان Matthew Lipman منذ اكثر من نصف قرن عندما تحدث عن تعليم الفلسفة في أمريكا وهو بالمناسبة الشخصية المحورية في مشروع تعليم الفلسفة للأطفال كتب قائلا: " في أواخر الستينيات، أصبحت أستاذاً للفلسفة في جامعة كولومبيا بنيويورك. وجدت أن طلابي يفتقرون إلى قوة التفكير وقوة الحكم الخالص، وأدركت انه قد فات الأوان لتقوية قوة تفكيرهم كان يمكن ان يتم ذلك عندما كانوا أطفالا"

الفلسفة والطفل

عندما نتحدث عن الطفولة فنحن نتحدث من زاوية علم النفس عن «باراكوزم/ عوالم خيالية مفصلة» حيث التحرر من كل ماهو واقعي ومنطقي، لصالح ماهو خيالي وعفوي لذلك يميل الأطفال وبعفوية الى اللعب ليس فقط بالأشياء بل وبالكلمات، حيث يغدو المستحيل ممكنا والكذب حقيقة إن خلق ما يسمى «باراكوزم/ عوالم خيالية مفصلة» في نظر مارجوري تايلور، المتخصصة في علم النفس في جامعة أوريجون، أمر لا يدعو للقلق على الإطلاق. إنه أمر إيجابي مرتبط بالإبداع والبراعة في سرد القصص يعكس رغبة متأصلة في الطبيعة البشرية اعني الرغبة في خلق فلسفة للحياة. واشير هنا الى اننا قد نسيئ فهم عبارة فريدريك نيتشه في "داخل كل رجل طفل يريد أن يلعب" ونتساءل: كيف يمكن للطفل، الذي هو غير منطقي، غير عقلاني، عفوي، غير متوقع، مزاجي، متقلب، غير مؤكد، جاهل، مرح وبدون جدية، أن يكون فيلسوفًا؟ ونجيب على لسان الدكتور لون: "نحن لا نعلم الأطفال الفلسفة". "نحن نعلمهم فعل التفلسف بأنفسهم." هم فلاسفة بالفطرة، و دافعهم للتساؤل غالبًا ما يثبطه الكبار الذين لا يرتاحون للحديث عن أمور - مثل الموت ومعنى الحياة . وإذا كانت الفلسفة، ليست مسألة مضمون بقدر ما هي أسلوب للحياة أي ليست معرفة بل مشروع من اجل تحطيم وهم المعرفة وامتلاك الحقيقة،فإنها في اعتقادي تفرض نفسها هنا على الأصغر سناً. وإذا كانت الفلسفة كما كان يقول ارسطو وليدة الدهشة فإنها ستفرض نفسها هنا أيضا على الأطفال أكثر من البالغين.

هناك دوافع كثيرة تجعل من هذا المشروع في الجزائر بل وفي العالم العربي أولوية فنحن اليوم نعيش أزمة مواطنة وعزوفا عن المطالعة وتراجعا في منسوب القراءة والكتابة وأطفالنا اليوم يتحركون في عالم افتراضي يسوق لثقافة العنف ويعيشون في حالة من العزل الاجباري في ظل تفاقم وباء كوفيد 19-كما نشهد تراجعا مخيفا لدور الاسرة ووسائل الاعلام في أداء وظائفهم المنوطة بهم . لذلك يجب ان نتقن فن الاصغاء للأطفال والاعتراف بهم كذوات إنسانية من حقها ان تتفلسف وذلك بفتح ابواب التفكير الموصدة في وجوههم وتشجيعهم على طرح الأسئلة.

اننا نشتغل هنا في مشروع من اجل فلسفة للأطفال في الجزائر على تنمية ملكة التخيل الإبداعي،والتقليل من قيمة التلقين والحفظ فهو مهارة فكرية منخفضة القيمة ومنخفضة المستوى كما كان يقول جون ديوي ؛هذا المشروع يستهدف بالأساس تعليم الأطفال كيفية بناء التصورات ووضع المفاهيم وكيفية إصدار الاحكام وبناء الاستدلالات ومعرفة حقائق الأشياء والتمييز بين الصدق والكذب، وفق أسس منطقية أي الاشتغال على تطوير مهارة التفكير النقدي، لان الناس لا يصبحون بالضرورة أكثر حكمة مع تقدمهم في العمر .وانما قد تؤخذ الحكمة من افواه الأطفال ولن يحدث ذلك الا عندما يأخذهم الكبار على محمل الجد، ويشاركونهم في محادثات هادفة، ويلهمون خيالهم ويطرحون عليهم أسئلة تدفعهم إلى ممارسة حقهم الطبيعي في التفكير.

اننا هنا لا نتحدث عن مصطلح الفلسفة في بعده المعرفي ولا عن مفاهيم ومذاهب فلسفية بل نتحدث مهارات تنتج عن فعل التفلسف ؛ مهارات التفكير التحليلي والنقدي والإبداعي لقد أ صيب الفيلسوف الإنجليزي جاريث ماثيوز بخيبة أمل في طلابه في احدى الندوات الفلسفية، لأنهم كرروا ما قرأوه مرة واحدة فقط ولم يتمكنوا من إنتاج أفكار خاصة بهم حول الأسئلة الأساسية في الحياة. لذلك أدرجت إيلين جالينسكي، مؤلفة كتاب "العقل في طور التكوين"، التفكير النقدي في قائمة مهارات الحياة الأساسية السبع التي يحتاجها كل طفل حيث أكدت أنه في عالم اليوم المتغير بسرعة، يحتاج الأطفال إلى أن يكونوا قادرين على القيام بأكثر من تكرار قائمة من الحقائق ؛ يحتاجون إلى أن يكونوا مفكرين نقديين يمكنهم فهم المعلومات وتحليلها ومقارنتها وتباينها وعمل الاستنتاجات .

من الولايات المتحدة كانت بداية المشروع

فلسفة الأطفال، والفلسفة مع الأطفال، والفلسفة والأطفال هي أسماء قد تختلف في المدلول لكنها في النهاية هي اسم لمشروع تعمل حاليا عليه أكثر من 120 دولة. مشروع ارتبط تاريخيا بالبروفيسور ماثيو ليبمان Matthew Lipman والذي حصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة كولومبيا عام 1954. وعمل أستاذا للفلسفة في تلك الجامعة لمدة 18 عاما. ثم ذهب إلى جامعة ولاية مونتكلير، حيث أسس معهد تطوير الفلسفة للأطفال والنهوض بها حصل برنامجه، فلسفة للأطفال، على جائزة الجمعية الفلسفية الأمريكية لعام 2001 لإنجازه المتميز. البرنامج معترف به من قبل اليونسكو وجمعية معلمي الفلسفة الأمريكية. نشأ مفهوم "التفلسف مع الأطفال" - كما أفاد ديتليف هورستر - بشكل خيري وغير نقدي - من الولايات المتحدة الأمريكية. كان هناك أن بدأ ماثيو ليبمان الادعاء الفلسفي الجديد في السبعينيات بعد أن لوحظ نقص عام في الفكر وهياكل الجدل بين التلاميذ والطلاب.

وقد تم إنشاء كرسي اليونسكو «تطبيقات الفلسفة مع الأطفال: قاعدة تعليمية للحوار بين الثقافات والتحول الاجتماعي»، في شهر سبتمبر من عام 2015، برعاية ميشيل سير.ويهدف الكرسي، الذي يتناول تطبيق الفلسفة مع الأطفال (الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و18عامًا)، إلى المساعدة في تنمية تطبيقات المواطنة من خلال البحث، والتدريب، وإتاحة مواد تعليمية في المدارس، والحوار بين الجهات الفاعلة والأطفال في جميع أنحاء العالم

ماذا عن هذا المشروع في الجزائر؟

لاوجود لهذا المشروع على مستوى الواقع العملي والممارسة في الجزائر، ولا يلتفت اليه على مستوى البحث والتنظير ذلك ان تجربة البحث الفلسفي عندنا فقيرة من حيث المحتوى والمضمون ولعل السبب في ذلك اننا في الجزائر لانطرح الأسئلة الجوهرية بل وتفتقر الى الجرأة الى درجة ان الدكتور الأخضر قويدري من جامعة الأغواط (الجزائر)، في مقاله من أجل درس فلسفي للأطفال يقترح ان يُطلَق على مادّة الفلسفة اسم التربيّة العقليّة أو التربيّة الفكريّة بدلا من اسم الفلسفة وجاء هذا الاقتراح عندما طالب بتوسيع نطاق الدرس الفلسفي في الجزائر أكثر، ليشمل مرحلتي التعليم الابتدائي والمتوسط معا ومبرر ذلك في نظره انه لا يجب ان تثير التسميّة أي توجّس لدى التلاميذ وأولياء أمورهم ؟! 

يمكن بدل ذلك ان نبحث عن الاهتمام بفلسفة للأطفال في الجزائر ضمن ادب الطفل مثلا او مسرح الأطفال حيث تشير الدراسات الى ان تطور الحركة الأدبية في الجزائر بدأ بتأسيس الحركة الإصلاحية ومع جمعية العلماء المسلمين والمدارس الحرة فكتب أحمد سحنون في جريدة البصائر العدد الثامن قصيدة (إلى التلميذ) جاء فيها :" لك في كل حشا نبع وداد يارجاء الضاد ياذخر البلاد،شعبك الموثق لم يبق له من عتاد فلتكن له خير عتاد" ونظم محمد العيد آل خليفة أول مسرحية شعرية سماها (بلال بن رباح) خصيصا لأطفال المدارس، ونشرتها المطبعة العربية بالجزائر سنة 1938م ومثلت أول مرة بمدينة باتنة بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سنة 1958م وهي ذات مضامين فلسفية تحررية، ويمكن أيضا وفق سياق استقصائي ان نبحث عن هذا المسعى من خلال الصحف الموجه للأطفال مثل مجلة الشاطر او مجلة أمقيدش وهي موجهة للاعمار من 7 الى 15 سنة او من خلال القصيدة المدرسية والتعليمية او القصص بأشكالها قصص الحيوانات القصص الشعبية والاجتماعية .

ومع ذلك يجب ان ننبه الى ان هذه المحاولات لا يمكن توصيفها بالتجربة الفلسفية من حيث انها جاءت متعالية حيث تمت المراهنة على تقمص دور الواعظ والوصي المتسلط والمراهنة على التشويق لغرس القيم الأخلاقية والجمالية في عقول هؤلاء الأطفال من هنا جاءت دعوة الدكتور العيد جلولي أستاذ الأدب العربي للكتاب إلى الابتعاد عن هذا النهج في الكتابة،مركزا على ان ذكاء الطفل -الذي لم يعد ساذجا –لايتقبل الأسلوب الوعظي الممجوج، مضيفا انه بإمكان الكاتب أن يسرب القيم الجميلة، والاخلاق الرفيعة، دون السقوط في الأسلوب الوعظي، واجترار الموضوعات، المكرورة المبتذلة" وفي ظل غياب مشروع حقيقي يأخذ الأطفال الى عالم التفلسف يمكن المراهنة على المكتبات العمومية في خلق ورشات لفلسفة الأطفال حيث تحتوي معظم مكتبات المطالعة العمومية بالجزائر على أقسام وقاعات مخصصة للأطفال او تكوين جمعيات تهتم بهذا المشروع من خلال دور الثقافة المتواجدة بأغلب التراب الوطني لاسيما وان وزيرة الثقافة الجزائرية السيدة مليكة بن دودة، هي في الأصل أستاذة فلسفة. او من خلال فتح ورش عمل في بعض المدارس الابتدائية والترويج لتعليم الفلسفة للأطفال بالتنسيق مع الأساتذة المكونين في التعليم الثانوي او أساتذة الجامعة "بوصفهم فلاسفة زائرين"

وسنلاحظ ان ممارسة فعل التفلسف لدى الأطفال سيؤدي الى :

01-حسن نمو الأطفال في الرياضيات والقراءة.

02- تعزيز الثقة بالنفس خاص لدى الأطفال المنحدرين من خلفيات محرومة

03- تحفيز التفكير النقدي والإبداع والتعاون منذ الصغر. مثلا استخدمت مجموعة فلسفية مماثلة للأطفال في تركيا نسخة حديثة من قصة حورية الإنذار في ملحمة هوميروس لاستكشاف ما يعنيه أن تكون حراً.

04-التفكير في الأسئلة الكبيرة يمكّن الأطفال من الشعور بمزيد من الثقة بشأن قيمة أفكارهم. كتب لوكا، طالب بالصف السابع: "سؤالي الفلسفي المفضل هو" ما هو التناقض؟ "،" يمكن أن تكون المفارقة شيئًا يستمر إلى الأبد [...] إنه مثل اللانهاية. اللانهاية هي شيء محير لا يمكن للبشر أن يلتفوا حوله.

04- التدرب على الإبداع الخيالي والتعاطف ومقاومة الأشكال المختلفة للتلقي يقول فريديريك لينوار : "عليك أن تتعلم كيف تتفلسف لكي تعرف كيف تكون وتعيش معًا. الهدف هو أن يتعلم الأطفال كيفية إدارة عواطفهم بشكل أفضل، ومعرفة أنفسهم، والاستماع إلى الآخرين، والمشاركة، والمناقشة بالحجج، دون التقيد بصراع المعتقدات والآراء.

كيف يمكن إدارة حلقة لتدريس الفلسفة للأطفال؟

من العوائق الى الحلول

تذكرنا جوانا هوكين في كتابها " شرح فلسفة الأطفال للآباء" لم يدافع الفلاسفة الكلاسيكيون أبدًا عن هذه المبادرة،من ناحية لأنهم افترضوا مسبقًا أن تخصصهم يتطلب المعرفة والخبرة والنضج؛ ومن ناحية أخرى لأن الطفولة لا يتم التعامل معها وتقديرها على هذا النحو.وهكذا أشار ديكارت إلى الأخطاء الطفولية في الإدراك والحكم، ورأى أفلاطون في القوة الممنوحة للشباب خطر انقلاب القيم والاستبداد. و هناك اعتراض آخر طرحه الفلاسفة الكلاسيكيون يتمحور حول أن المفاهيم الفلسفية شديدة التعقيد لا ينبغي تدريسها للأطفال، ويعتقدون أن كرامة الفلسفة لا تسمح بالترجمة إلى لغة عامة الناس. فالفلسفة في هذه الحالة تفقد معناها الأصلي وتصبح سطحية. كما ترتكز هذه الدعوة على فرض صاغه بعض علماء النفس فحواه ان محاولة إخراج الأطفال من حالتهم الطبيعة في وقت مبكر من الحياة وتعريفهم بمجموعة من المفاهيم المجردة غير الضرورية محاولة لا تؤذيهم فحسب، بل تعرض صحتهم العقلية أيضًا للخطر.

لكن الى أي مدى يمكن الاخذ بهذا الطرح؟ يجيبنا جون جاك روسو بان التعلم يجب أن يأتي من تجربة الأشياء وليس من المعرفة بالكلمات. حيث يتعلم الطفل من تجربته الخاصة مع الأشياء. لهذا السبب لا يجب مواجهتها بالخطاب النظري أو الخطاب الأخلاقي. من وجهة نظر روسو، يتمثل دور المربي بشكل أساسي في حماية تلميذه من أفعال المجتمع السيئة، ومن التأثيرات الضارة للثقافة التي تتعارض مع طبيعة الانسان وما يصاحبها من فساد وتحيز. يجب أن يقوم التعليم على مراقبة الطفل وربطه بنظرية عامة عن الطبيعة البشرية ؛فهناك طبيعة خاصة بالروح الطفولية.ويجب أن نميز بين المراحل المتعاقبة للتطور الطبيعي ؛فالتعلم صالح فقط إلى المدى الذي يحشد فيه دافع الطفل ؛ إن أنظمتنا التعليمية كما لاحظ صاحب مقال( روسو، النظرية التربوية التعليم والتعلم) تخضع لضغط الفكر النفعي النابع من الليبرالية الجديدة، فهي مهووسة بالأداء والسرعة (عليك إنهاء حياتك المهنية في المدرسة في الوقت المحدد). كما أنهم يتحكمون عن كثب في المحتوى المراد تعلمه يمكن تجاوز هذه العوائق داخل ورش تعليم الفلسفة للأطفال من خلال تبادل الأسئلة والأفكار والنكات والصمت مع مجموعة الأطفال الذين نتفلسف معهم وسنلاحظ كيف ان الأطفال يمنحوننا الابتسامة والرغبة في العناق.

 

تجري جلسة الفلسفة مع الأطفال كالتالي: يقرأ الأطفال بصوت عالٍ قصة قصيرة أو تجربة فكرية او مشاهدة مقاطع فيديو (لنأخذ مثالًا عن طاقية الاخفاء من خلال مشاهدة مقطعا من فيلم سر طاقية الإخفاء فيلم كوميدي مصري من إنتاج عام 1959. بطولة عبد المنعم إبراهيم، زهرة العلا وإخراج نيازي مصطفى، يحكي عن صحفي يمتلك طاقية الإخفاء وهنا نتساءل(هل يحتاج الأشخاص لتحقيق رغباتهم؟)، هنا ينخرط الأطفال في حوار فلسفي حول الرغبة وطرق تحقيقها ، يمكن العودة هنا الى دراسة Clyde Evans التي دعى من خلالها وعبر مدرسة بالولايات المتحدة كي يعمل مع الأطفال في مسائل تتعلق بالقيم والأخلاقيات والمسئولية وصنع القرار. وقد اختار الباحث أحد الفصول بالمدرسة حيث كان عدد الأطفال 25 طفلاً،إذ جلس الأطفال على الأرض ليعرض أمامهم فيلماً سينمائياً يتناول قصة الملاهي وهى قصة عن أب وعد ابنته الصغيرة بالذهاب إلى مدينة الملاهي و ذلك بمناسبة عيد ميلادها السابع ووعد بالسماح لها باختيار خمس ألعاب من التي تعرض في مدينة الملاهي. ولما ذهب الأب وابنته و وقف عند الباب، اكتشف أنه نسي حافظة نقوده ولا يتوفر إلاّ على القليل في جيبه. والأكثر من ذلك لقد كان ذلك اليوم هو آخر يوم للملاهي في تلك المدينة لترحل لمدينة أخرى بعيدة جداً عن البيت. فلا يستطيع أن يعود إلى المنزل ليحضر الحافظة أمام هذا الوضع توجه الأب نحو ابنته وقال لها: إما أن ندخل نرى العروض دون الاشتراك فيها أو يلجأ إلى الكذب، فتقول عند البوابة أن عمرها الحقيقي ستة سنوات و ليست سبعة وهنا يمكننا الدخول بأجر منخفض ليتبقى معها نصف ثمن التذكرة. وبعد العرض أخذ يناقش مع الأطفال في القصة وخرج الباحث بالنتائج التالية:

- أنّ الأطفال قد تزودوا بمهارات التفكير السليم. وقد أجادوا مهارات التحليل والتصنيف والبرهنة والتقويم.

- استطاع الأطفال أن يكوِّنوا وجهة نظرٍ معيّنة حول المسائل الأخلاقية.

- استدلوا على كثير من المعاني وكثير من المسائل الحياتية التي تدور في حياتهم كل يوم (الكذب مثلا)، وذلك اثبت الباحث مناسبة تدريس الفلسفة للأطفال كما وضح من تجربته.

10 - نصائح لقيادة ورشة عمل الفلسفة للأطفال

1- اخلق مساحة تشجع النقاش بين الأطفال: رتبهم في دائرة، على سبيل المثال، حتى يتمكنوا من النظر إلى بعضهم البعض عندما يتحدثون.

2- اسأل الأطفال عما يدور في أذهانهم عند ذكر كلمة "فلسفة".

3- اعرض القواعد بوضوح على الأطفال قبل البدء: الشخص الذي يقود ورشة العمل ليس في وضع المعلم، نرفع يدنا لطلب الأرضية، ونتجنب تقديم حجة تم تقديمها بالفعل، يستمع المرء باهتمام للآخرين دون الحكم أو السخرية، إلخ.

4- اختر بعناية نقطة البداية للمناقشة: يمكن أن تكون مقتطفًا من كتاب أو فيلم أو اقتباس أو كلمة واحدة ("حب" أو "صداقة") أو سؤال ("هل يجب أن يكون لديك دائمًا المزيد لتكون سعيدًا؟").

5- حافظ على الحياد أثناء تحديد مفاهيم معينة: يجب أن نتجنب إبداء رأينا الخاص، حتى لو طلب منا الأطفال ذلك. من ناحية أخرى، من الضروري جعل الأطفال يدركون الفرق بين عاطفة، قصيرة، وشعور يتم تسجيله في مدته.

6- استخدم استجابات الأطفال لإعادة إطلاق النقاش: حتى لو تخيلنا، كميسر، معالم لمناقشتنا، فمن الجيد التفكير في أسئلة الأطفال.

7- أعد صياغة المناقشة بإحسان عندما تترك الموضوع أو تغرق في التفاصيل: بدلاً من مضاعفة الأمثلة، يجب دعوة الأطفال للتعمق في السؤال الذي تتم معالجته.

8- إشراك الجميع: لا تتردد في إعطاء الكلمة للأطفال الذين لا يطلبونها.

9- تجميع الردود وإعادة صياغتها: هذا يسمح لك بحفظ ما تم التفكير به بشكل جماعي بشكل أفضل.

10- احتفظ بسجل مكتوب للمناقشة: يمكننا، على سبيل المثال، تشجيع الطفل على الاحتفاظ بمفكرة "الفلسفة" حتى لا ينسى، من جلسة إلى أخرى، مساهمات المناقشة.

التجربة التونسية نموذجا

عندما نتحدث عن التجربة التونسية نتحدث بالضرورة عن سمر سمير المزغني من مواليد1988 أصغر كاتبة في العالم سنة 2000 والأكثر خصوبة في الكتابة والتأليف في العالم سنة 2002. وقد كتبت أكثر من مائة قصة قصيرة للأطفال ونشرت 14 كتابًا. وقد تم اختيارها كأحد أهم القادة الشباب في المنطقة العربية في عام 2012 وواحدة من أكثر النساء العربيات نفوذاً في عام 2013. تحصلت مؤخراً الطالبة سمر سمير المزغني على الدكتوراه من جامعة كامبردج.هذا النموذج هو نتاج طفولة مسكونة بسؤال المعرفة.

في مقال بعنوان نحو سقراط صغير.. فلسفة موجهة للطفل في تونس أشار بدر الدين الوهيبي أنه في تونس يتم اختيار محور النقاش في الورشة الفلسفية إثر مداولات مع الإطار التربوي للمؤسسة الراعية، وعادة ما تكون المواضيع المطروحة وفية للأيام العالمية التي تحييها جل دول العالم مثل اليوم العالمي لإلغاء العبودية، واليوم العالمي للسلام، إضافة إلى مواضيع أخرى ربما تفرضها الأحداث الوطنية والمحلية، مثل الاختلاف والعنف والفقر، وهي تتيح في جلها مساحات حرة للتساؤل والتعبير. وتولي ورشات الفلسفة الموجهة للطفل أهمية كبرى لمسألة عرض وتقديم محاور النقاش للأطفال، لذلك فهي تعتمد غالبا على القصص المرسومة، وأشرطة الفيديو القصيرة أو الإضاءات الحائطية في شكل رسائل قصيرة تعرض تباعا، ويمكن للطفل المتابع لها استيعاب مضامينها. ان هذه التجربة وغيرها من التجارب تستند الى مسلمة ان الطفل هو أب الرجل، ولا نقصد بذلك المنظور اللاشعوري بل فعل الوعي الذي يمكن التأسيس له والاشتغال عليه لبناء فرد متفلسف يعشق الفلسفة منذ طفولته.

 

الأستاذ :عمرون علي

أستاذ الفلسفة المسيلة- الجزائر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم