قضايا

علي أسعد وطفة: أوهام ثورية: أحقاً ثورة أم تلفيق ثوري؟ .. قراءة جديدة في ماض ملتبس

مقدمة: يفيض مفهوم الثورة بمعانيه السياسية، ويتدفق برمزيته الأخلاقية في صيغة رفض شامل لكل أشكال الظلم والإذلال والعبودية والقهر التي تقع على المواطنين من أبناء الأمة أو الشعب. فالثورة غالبا ما تكون ثورة المظلوم ضد الظالم، والمغلوب ضد الغالب، والمقهور ضد القاهر، طلبا للعدالة الاجتماعية، وصونا للحقوق الإنسانية، ورفضا لكل أشكال التعنت والتغلّب والقهر. وإذا كان التاريخ الإنساني كما يرى ماركس وأتباعه هو تاريخ الصراع بين الطبقات الغالبة والمغلوبة، أو تاريخ الصراع بين الظالمين والمظلومين كما يرى ماركوز، فإن الثورة بمعانيها المختلفة، ودلالاتها المتنوعة، كانت وما زالت سبيل الشعوب المظلومة إلى الحرية والكرامة نبذا لكل أشكال الظلم ورفضا لكل تجليات العبودية والقهر.

 والثورة، كما يعلمنا التاريخ، كانت دائما وأبدا السبيل الأوحد لخروج المظلومين من دائرة العبودية والقهر إلى فناءات الحرية والعدالة. وما التاريخ الإنساني في أكثر صوره تشويقا وإثارة إلا تاريخ الثورات المترامية بين تضاريس الزمان وأطراف المكان. ونظرا لأهمية الثورة وسحرها المبين في حياة الشعوب يعدّ مفهوم الثورة من أكثر المفاهيم السياسية والاجتماعية استخداما وتواترا وحضورا وأهمية وتشويقا في الفكر السياسي والاجتماعي في تاريخ المجتمعات الإنسانية.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه المقاربة الثورية هو: هل يتطابق الحراك الاجتماعي الذي شهدناه في بعض البلدان العربية مع مفهوم الثورة بمعناه الإنساني الأخلاقي بوصفه قوة لتحرير الإنسان؟ أم أن هذا الحراك قد جاء ليشكل قوة جديدة في استلاب الإنسان العربي وتدمير مقومات وجوده؟

في هذه المقالة يجري التركيز بصورة واضحة على الحراك الدموي الذي شهدته سوريا خلال السنوات الماضية مع أن كثيرا من المعطيات الواردة في هذا المقال تنطبق على دول عربية أخرى.

ثورة أم تلفيق ثوري؟

إذا كانت كلمة "الثورة" من الكلمات المألوفة في مختلف وسائل الاعلام المعاصرة فإنا كلمة "ثورتنا" بضمير التملك الجمعي هي أكثر الكلمات شيوعا واستخداما وتواترا في وسائل الاتصال الاجتماعي ولا سيما في "الفيس بوك". وأغلب الكتاب (الثوريين طبعا) يستخدمون هذه الكلمة لوصف تأييدهم للحراك السياسي والعسكري الدموي الذي شهدناها في عدد من الدول العربية. وبعد مضي سبع سنوات عجاف دمر فيها الشجر والحجر والإنسان ما زال "مثقفنا" وأشدد على المزدوجتين يتحدث عن ثورته بضمير الملكية الجمعية ويكرس كتاباتها في تأييدها.

وإنني في هذا المقام أعلن بأننا في بداية الحراك الجماهيري المقاوم وقع في أيدينا أن ما نراه يمثل تباشير "ثورة " ضد الظلم والقهر ولم نستطع أن نقاوم هذا الحلم الذي يراودنا بالثورة وبالتغيير الثوري في آن واحد. وها نحن اليوم وبعد مرور سبعة أعوام مريرة فتكت باليابس والأخضر وحولتنا إلى ركام وحطام نكتشف أننا أمام مخادعة ثورية رُسمت ملامحها في كواليس الدول الكبرى الطامعة ورسمت خيوطها في أحضان المنظمات الصهيونية والماسونية المعادية للعرب والعروبة والإسلام، وقد تكشف لنا بعد حين بأن ما نراه لا يعدو أن يكون مؤامرة كبرى رهيبة استهدفت وجودنا وحياتنا في العالم العربي، مؤامرة استهدفت إسقاط ما تبقى من أمل عربي في بناء الحياة والحضارة والإنسان. وبعد مروز سبع سنوات عجاف حان "للمثقف المخدوع " أن يتأمل بروح ثقافية في أبعاد هذه "الثورة" المزعومة " وأن يراجع أبعادها ومآلاتها وأن يدرس في ماهيتها ويتأمل في نتائجها من أجل بناء تصور أكثر موضوعية عن مجريات الأحداث والعوامل المؤثرة فيها.

كتبنا في مآلات هذه الثورة وابتهجنا لها فرحا وعلي أن اعترف بأن كثيرا من المثقفين وكنت واحدا منهم إلى حين قد خدعوا ولم يستطيعوا الإبصار والاستبصار في دائرة النار والدخان الذي انبعث في المعارك الطاحنة بين الأنظمة السياسية وجيوشها وبين جماعات التطرف المسلحة بالنار والحديد. وكان من حقنا أن نخطئ ولكن ليس من حقنا أن نتمادى في الخطأ ونقصي القدرة على الاستبصار تحت وهج الأحلام بمجتمع ديمقراطي تعلو فيه كرامة الإنسان وتسمو حقوقه الإنسانية.

ولكن ألا يجب على المثقف الحقيقي أن يأخذ موقف المراجعة النقدية بصورة مستمرة وأن يتبصر في مآلات الأمور وطبيعة الأحداث وفي نسق المتغيرات الجارية في الساحة السياسية والعسكرية في المستويات الدولية والإقليمية والمحلية. ومن هذا المنطلق يمكن أن نقف موقف نقديا وألا نخجل في الاعتراف بأننا لم نكن قادرين على التبصر السياسي والأيديولوجي في الاستراتيجيات الدولية التي حكمت هذه " الثورة" كما اصطلحنا نحن المتعلمين على تسميتها.

لا أنكر بأن كبار المثقفين الذين كان يعوّل عليهم قد ضلوا الطريق ووقعوا في فخ الأوهام الثورية، ومما لاشك فيه أن ثمة عوامل حكمت هؤلاء المثقفين الحالمين فبعضهم حمل أحلام الدور السياسي الذي يمكن أن يؤدوه في هذه المرحلة وبعضهم الآخر حركتهم المطامع السياسية وآخرين تحركوا ضمن مسارات الإغراءات المالية والسياسية التي قدمت لهم، وبعضهم تحرك ضمن دائرة الانتقام من النظام السياسي الذي مارس دوره في قمعهم. وهناك شريحة منهم تحركت ضمن إطار أيديولوجي طائفي عقيم، وكثرة أخذت بوعي ساذج حول طبيعة الحراك الاجتماعي معتقدين ومؤمنين حتى العظم بأنها ثورة حقيقة ضد الظلم والاضطهاد. وأغلبهم ينظر إلى ما يجري بمنظور ضيق للأحداث لا يتعدى البعد المحلي الضيق والمحدود.

وإنني لا أشك اليوم بأن كثيرا من المثقفين الثوار لم يتأملوا خلال السنوات السبع الماضية في مفهوم الثورة ودلالته المعرفية ولم بتأملوا في الأبعاد الأيديولوجية البعيدة المدى للعملية الثورية في بلداننا. وذلك مع أن كل ما يجري يجري بوضوح في مسارات التدمير الظلامي لمجتمعاتنا ودولنا. ويمكن لأي إنسان تجرد من الأيديولوجيات العمياء والمنغلقة أن يرى بوضوح أن هذه "الثورات" المزعومة لم تكن أكثر من أدوات تدمير لشعوبنا ومقدرات بلداننا وتحويل الحياة إلى جحيم لا يطاق.

وفي كل الأحوال هناك قاعدة برغماتية رسخها جون ديوي ووليم جيمس وهي تشكل المبدأ الأساسي في الفلسفة البراغماتية ويقول هذا المبدأ أن النتائج هي التي تقرر الحقيقة وأن الحقيقة تكمن في نتائجها. وعندما نطبق هذه القاعدة على "ثورتنا " سنجد بأن هذه الثورة قد أسفرت عن مقتل عشرات الألوف من البشر وملايين المشردين ومئات الألوف من الجرحى واللاجئين. وتركت لنا اقتصاديات مدمرة ومدنا من الركام والحطام، وأدت إلى يقظة مخيفة للنزعات الطائفية والمذهبية ... قتل وفتك وتشريد ... انهيار في الثقافة وتدمير لسيكولوجية الإنسان والإنسانية ... تفاقم الظلم والاستبداد .... تقسيم البلاد والعباد. وكل هذه النتائج تدل بكل المقاييس والمعايير على أن المستفيد من هذا الدمار الشامل في البيئة والوطن والإنسان هو إسرائيل والصهيونية العالمية والماسونية والدول الاستعمارية الطامحة في تحويل الوطن العربي إلى حطام ومواد أولية ونفايات رأسمالية.

ومن جهة أخرى عندما نتأمل في مفهوم الثورة -، وجلّنا لم يتأمل – سنجد أن ما يجري في بلداننا لا يمكن أن يوصف بالثورة في ضوء التعريفات العلمية وفي ضوء المفهوم التاريخي للثورة كما عرفناها في كثير من المحطات التاريخية في مختلف أنحاء العالم القديم والحديث. وفي كل الأحوال كان وما زال يتوجب على "المثقف" أن يقرأ ويبحث في معنى الثورة ودلالاتها وأن يخوض في معطياتها، ولاسيما بعد هذا الانشغال الثوري على مدى سبع سنوات ونيّف. على المثقف وهذا واحب ثقافي أن يقرأ في تاريخ الثورات وفي تعريفاتها وفي تكويناتها النظرية وأبعادها الفكرية، وأن يستفيد من هذه المعطيات الفكرية في فهم الثورة الموهومة التي عشناها والتي أدت إلى مقتل أحلامنا وآمالنا وتدمير كل معالم الحياة والوجود في بلادنا حتى أصبحنا اشلاء متناثرة في أطراف الزمان والمكان بدون وزن أو كرامة أو إحساس بالوجود وهذا ينسحب على مناصري الثورة المزعومة والنظام السياسي الجائر. وإذا ما نظرنا بعين الاعتبار إلى مفهوم الثورة عبر التاريخ فإننا سنجد بأن الثورة، أي ثورة قامت في التاريخ، لها أركان ومضامين وتصورات واستراتيجيات ومقومات وأهداف واضحة. لكل ثورة نظرية فكرية ثورة متجانسة ولكل ثورة استراتيجية ثورية واضحة ولكل ثورة منظرون ومفكرون وقادة، ولكل ثورة قيادة واحدة تحكمها ولكل ثورة غايات وأهداف معلنة وواضحة. وهذا يتناقض كليا مع الحراك الدموي الذي شهدناه في بلادنا.

في مفهوم الثورة:

يعود استخدام كلمة ثورة (Revolution) في الثقافة الغربية إلى نيكولاس كوبرنيكوس (Nicolaus Copernicus) (1473-1543) الذي استخدمه في عنوان كتابه المشهور (ثورة الأجرام الفلكية) (De revolutionibus orbium coelestium) . وللثورة تعريف أساسي تقليدي قديم ظهر مع انطلاق الثورة الفرنسية ويأخذ صورة انتفاضة يقوم بها الشعب تحت قيادة من النخب السياسية المثقفة لتغيير نظام الحكم بالقوة. وفي هذا السياق يعرف أيرك هوبزباوم الثورة في ضوء الأوضاع الأوروبية بين زمني الثورة الفرنسية عام 1789 وكومونة باريس 1484 بالقول "إنها تحول كبير في بنية المجتمع. ومن أهم التعريفات التي قدمت للثورة ما ورد في الميثاق المصري عن الثورة: "إن الثورة عمل تقدمي شعبي، أي: حركة الشعب بأسره، يستجمع قواه ليقوم باقتحام جميع العوائق والموانع التي تعترض طريقه لتجاوز التخلف الاقتصادي والاجتماعي وصولاً لتحقيق غايات كبرى تريدها الأجيال القادمة. ولم تكن الثورة نتاج فرد أو فئة واحدة وإلا كانت تصادماً مع الأغلبية. وتتمثل قيمة الثورة الحقيقية بمدى شعبيتها، وبمدى ما تعبر عن الجماهير الواسعة ومدى ما تعبئه من قوى هذه الجماهير لإعادة صنع المستقبل وفرض إرادتها" ويتضمن هذا التعريف طابع الشمولية والعمق للثورة بوصفها شاملة جذرية تتجاوب مع تطلعات الجماهير وطموحاتهم في التغيير والتطور نحو الأفضل.

ويتحدد " مفهوم الثورة يتحدد بمستويات ثلاثة، تبدأ بتحديد الغايات والأهداف كنقطة انطلاق يتفق عليها أرباب الثورة، ثم تتخذ هذه الأهداف مرجعية يحتكم إليها عند الاختلاف، ثم تحديد الوسائل الممكنة لتحقيق الغايات، وتنتهي هذه الخطوات بعملية خلق السبل الكفيلة بحماية مكتسبات الثورة والمحافظة على كيانها وهويتها وغالبا ما يربط المفكرون والفلاسفة الكبار بين الثورة والحرية وهذا هو حال كوندورسيه الذي يقول: "إن كلمة ثورة لا تنطبق إلا على الثورات التي يكون هدفها الحرية". وتلك هي الغاية التي تعلنها حنة أرندت للثورة إذ تقول: إن القضية التي تشكل حقيقة السياسة هي قضية الحرية في مواجهة الاستبداد " وهي تريد بذلك أن تقول بذلك إن الثورة هي الحرية" .

والثورة، على خلاف الانقلاب، هدفها إحداث تغيير جذري في النظم والأوضاع القائمة على نحو شامل جذري شامل عميق ومتكامل في جوهره. ويُفرِّق الباحثون بين الثورة، وبين الانقلاب على أساس أن الثورة تهدف إلى إحداث تغييرات جوهرية في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، في حين يهدف الانقلاب إلى إعادة توزيع السلطة السياسية بين هيئات الحكم المختلفة أو الأشخاص القائمين به.

تطرف أم ثورة؟

ونستنتج من هذه التعريفات أن للثورة خصائص أساسية هي أن تكون وطنية جماهيرية وأن تحمل أيديولوجيا تمثل طموحات الشعب وأن تكون لها قيادة ونظرية ثورية ونخب مثقفة تقودها وأن تكون ثورة من أجل الحرية والكرامة. والسؤال هل يأخذ الحراك الدموي الذي نشهده صورة مفهوم الثورة؟ وإلى أي حدّ يمثلها؟ والسؤال هنا أين هي "ثورتنا" هذه من مفهوم الثورة وأركانها؟ أين هي نظريتها؟ من قادمتها؟ ما هي فلسفتها؟ ما هي استراتيجيتها؟ من هم منظروها؟ وما هي الغايات الاستراتيجية التي تقود إليها؟

مع الأسف الشديد أن أيا من هذه الأركان المشار إليها ليست متوفرة ولا في واحدة منها في هذا الحراك الذي شهدناه في "ثورتنا" العامرة: ليس هناك أي نظرية، وليس هناك أي استراتيجية أو فلسفة أو قادة أو منظرون. وأخطر ما تواجهه هذه الثورة أنها خارجية بالمال والسلاح والسياسية والدعم الأيديولوجي الخارجي. وسأقولها وأتوكل على الله: كل من تلقى درهما من دول خارجية هو خائن؟ كل مثقف سكن في الفنادق على حساب دول أجنبية هو خائن لوطنه؟ كل من حمل السلاح بدعم خارجي خائن لوطنه؟ كل مؤسسة أو هيئة سياسية مدعومة من مؤسسات خارجية هي مؤسسات وأفراد خونة لوطنهم؟ كل من رفع راية دولة خارجية خائن لوطنه؟ لأن الدول الخارجية لا تقدم لأحد عونا بالمجان بل تستهدف أوطاننا وبلداننا وشعوبنا.

فالثورة في واقعنا الثوري المأساوي تتمثل في جماعات عسكرية طائفية مدعومة وممولة من الخارج متطرفة دموية جدا متطاحنة فيما بينها مضادة للحياة والإنسان تحمل أيديولوجيات الإبادة والتطهير ... جماعات متطرفة دموية متفرقة بتمويل خارجي تمولها دول خارجية عرفت بأيديولوجيات متطرفة وبأنظمة غير ديمقراطية. هذا هو أول ركن من أركان ثورتنا.

ومنظرو ثورتنا مع الأسف هم رجال متطرفون يقدمون لنها تصورات متقدمة في فن الإبادة والقتل والدم والتطهير. رجال يتقاضون أجورا مالية خيالية في عملية بث الحقد والكراهية والتحريض على القتل والدم والتطهير الجماعي ضد الإنسان والإنسانية.

ممولو ثورتنا دول مريبة ترسل الأموال والسلاح بالأطنان وهي دول لم تعرف الديمقراطية أبدا في مناهج حياتها ووجودها. وبعضها دول يحمل مطامع كبيرة في أرضنا وفي خيرات بلادنا .وهي أطماع تاريخية لا يجهلها أبسط المواطنين في بلادنا. ولا ريب في أن إسرائيل تقود وتوجه هذا الحراك لتدمير وطننا والقضاء على كل مقومات وجودنا.

قادة الثورة يتلقون أوامرهم وأموالهم من دول خارجية ويعيشون في أحضان أكثر الأنظمة السياسية استبدادا ودموية.

والحراك الثوري كان حراكا دمويا وظف الدبابات والمدرعات والصواريخ وأحدث الأسلحة في عالم التقدم التكنولوجي. فمن أين للثوار هذه الأسلحة؟ كيف صنعوها؟ ومن الذي زودهم بها؟ لم يحدث في التاريخ الإنساني أن قامت ثورة على الدبابات والطائرات المستوردة.

الثورة المزعومة انطلقت في المدن المكتظة بالسكان وفي الأحياء المأهولة بالأطفال والبشر وقد أدت إلى تدميرها وإفناء ساكنيها؟ أية ثورة هذه وعهدنا بالثورات تنطلق في الأرياف والأماكن البعيدة عن السكان حرصا على حياة البشر وأمنهم.

ثوارنا قدموا من مختلف البلدان طامحون إلى الثراء والسلطة والنساء وقد جندتهم الأيادي المضرجة بالجريمة بالدماء، وأغلبهم من شذاذ الآفاق الذين تدفقوا من كل مكان للسبي والنهب والسلب، وعهدنا أن الثوار يكونون من أبناء البلد الثائر حصرا ! فأي ثورة هذه وأي ثوار؟!.

 كل الثورات الخلاقة التي عرفها التاريخ ثورات انطلقت لتحقيق العدالة والكرامة والمحبة وتوفير الأمن للسكان المواطنين الأبرياء. أما ثورتنا فكانت دما ونارا وجحيما على مناصريها وعلى أعدائها في الآن الواحد .

كل الثورات جاءت بأيديولوجيات إنسانية شاملة أما ثورتنا فقد جاءت بكل أشكال الكراهية الطائفية والحقد الطائفي والقتل على الهوية ذبحا وشنقا وحرقا وإعداما بالرصاص.

لا يمكن لأي حراك أن يكون ثورة وطنية ويكون الولاء فيه للأجنبي وتتم فيه الأحداث وفق أجندات خارجية كما هو حال حراكنا أو ثورتنا.

"مثقفو" الثورة وأشدد دائما على المزدوجتين ما زالوا يسكنون في الفنادق الشامخة ويتقاضون رواتبهم من دول أجنبية معادية لكل أشكال الحياة الديمقراطية ويتشدقون باسم الثورة وأفكار الثورة. فأي نوع من الثورة تلك هي هذه الثورة؟

وباختصار لا يمكن للثورة أن تكون ثورة تقوم على تدفق الأموال الخارجية والأجندات الخارجية فكل ما هو خارجي يعني خيانة للوطن والإنسان.

خاتمة: ثورة مضادة للإنسان !

الثورة كما علمنا التاريخ تكون حراكا جماهيريا يسعى إلى تحرير الإنسان وعلمنا التاريخ أن الشعارات التي رقعتها الثورات العالمية كانت تتمثل في قيم العدالة والحرية والكرامة والأنسنة. كانت شعاراتها حماية الإنسان من الظلم والقهر والمعاناة. وعلى خلاق ذلك إذا كانت الثورة تحمل في جعبتها كل مظاهر التدمير والإفناء فإنه حري بنا أن نطلق عليها – إذا كنا مصرين على استخدام مفهوم الثورة – ثورة ضد الإنسان ضد الحرية والكرامة. إن ما شهدناها في حراكنا هو كابوس ثوري تم تنظيمه وترتيبه من دول خارجية تهدف إلى تدمير الحياة والإنسان في مجتمعاتنا. لقد حملت ثورتنا هذه أطنانا من الشعارات والأيديولوجيات التي تدعو إلى القتل والتطهير العرقي والسلب والنهب إنها ثورة سفك الدماء وقتل المواطنين الأبرياء. ثورة قادتها ارتموا في أحضان الأجنبي وارتهنوا حتى الثمالة بأيديولوجياته العدوانية، ومجدوا قيم الخيانة ولا استثني إلا قلة من الصادقين المؤمنين بقيم الثورة. وباختصار تتسم قيادة "ثورتنا" هذه بطابع العمالة مع الأجنبي، تحمل أيديولوجيا مضادة للإنسان: طائفية مذهبية عرقية، باختصار إنها ثورة دموية مضادة للإنسان لا تحمل في ذاتها أي قيمة إنسانية أو أخلاقية.

هذه الثورة مع الأسف أدت إلى التدمير وترسيخ الطائفية والعنصرية وأيديولوجيا الدم واستباحت الأعراض والكرامات والإنسان. إنها بالنتيجة صورة ضد الإنسان والكرامة والإنسانية ضد العدل والحق والمساواة والكرامة الإنسانية.

وقد آن الأوان لنعيد النظر في مفهومنا للثورة في ضوء العقلانية الإنسانية وأن ننظر إليها في بعدها الإنساني. وعلى المثقفين الحقيقيين أن يعيدوا النظر في مفهومهم للثورة وأن يبدؤوا مسارهم الجديد في نضال ثقافي سلمي مستمر وطويل ضد أنظمة التسلط والاستبداد في أي مكان وزمان.

***

بقلم: علي أسعد وطفة

كلية التربية - جامعة الكويت

في المثقف اليوم