صحيفة المثقف

المصورون الايرانيون كانوا رحالة في العالم الاسلامي

كاظم شمهودكتب الناقد والمؤرخ الانكليزي هربرت ريد يقول: (اصبح الفرس في الحقيقة شعبا من الفنانين المأجورين والرحل، وكان الحكام يشجعون فيهم الحس الجمالي،  وان كان في الاغلب لا يتمتعون هم انفسهم بهذا الحس الجمالي، وارسل الفنانون الفارسيون  الى كل جزء من  المستعمرات العربية، فمن حدود الهند في الشرق الى اسبانيا غربا الى افريقيا في الجنوب، وحيثما حلوا كانوا يحملون معهم  تقاليدهم ومغالاتهم الشديدة في التعبير عن  حركات  الحيوانات ومزخرفاتهم الخشبية (الارابسك) ومنسوجاتهم المزخرفة بالورود، وحيثما غرسوا تلك التقاليد، نما فن محلي وطني يستقي الهامه من الدين المحلي او من  القومية، ثم يمتزج هذا الفن  معهم  او يمتزجون هم معه، فهذا الفن الذي ندعوه فارسيا اذن، هو اكثر الفنون انتشارا في كل مكان، فقد تسرب تأثيره الى العالم المتمدن كله …)

ولهذا نجد الفن الفارسي اكثر انتشارا من غيره فقد تسربت تأثيراته الى جميع انحاء الامبراطورية الاسلامية واتخذ طابعاً دولياً وكان الفنانون الفارسيون هم فنانون ينتمون الى جنس واحد هو (الآري) وانهم عثروا على منابع  فنهم في اواسط اسيا الغامضة وفي اثناء تجوالهم وعلى امتداد نفوذهم جعلوا منه اسلوباً عالمياً مؤثراً على معظم الفنون الاخرى في ذلك الوقت .

1976 رسم 1

مدرسة تبريز

1976 رسم 2وظهرت في زمن الصفويين مدرسة تبريز أبهة وعظمة البلاط والقصور الجميلة وكان الشاه طهماسب 1524 م رساماً بارعاً تعلم الرسم على يد المصور  المشهور  سلطان محمود، وقد  أسس مجمعاً فنيا في البلاط يشرف عليه المصور المعروف جلال الدين  بهزاد وقد تجمع فيه كبار وخيرة المصورين من كافة انحاء الامبراطورية، وكان المصورون يقلدون مصوري البلاط في تبريز وقزوين .  ويعتبر عصر طهماسب عصر الثقافة والفن والتنوير، وقد ارتفع شأن المصورين والمزوقين والخطاطين في عهده فغدت القصور والحدائق والعمائر مشرقة وابهة وجمال، وتزين الناس بالملابس الفاخرة وعمت مجالس الطرب والشرب ، كما اصبح بعض المصورين اصدقاء وندماء للسلطان . وكانت الصور تمتاز بالدقة والالوان الزاهية والهدوء وتوزيع الاشكال بعناية فائقة وذوق راقي .

واشتهر في هذه الفترة من المصورين: آغا ميرك، سلطان محمد، مظفر علي، محمدي، سيد مير نقاش، شاه محمد، دوست محمد، وشاه قولي التبريزي . ويعتبر آغا ميرك من افضل المصورين بعد بهزاد . وكان مخطوط – المنظومات الخمسة – للشاعر نظامي الذي عمل للسلطان طهماسب بين اعوام 1534 و1539 قد اشترك في تزويقه عدد كبير من المصورين الايرانيين منهم الذين ذكرناهم سابقا، وتعتبر صور هذا المخطوط من اروع ما انتجته المدرسة الصفوية في الفن، وقد برز بعد بهزاد ايضا سلطان محمد وكان قد شغل رئيس مجمع الفنون الجميلة في تبريز، كما برع في تصميم الاشكال الحيوانية والنباتية على الاقمشة والسجاد والقاشاني، ويذكر ان اجمل صور سلطان محمد هو ما وجد في مخطوط من ديوان حافظ، تمثل مشهد طرب ورقص وشرب وسكر .

ويذكر ان بعض المخطوطات التي صورت في مدينة هراة استمر المصورون في تزويقها عندما انتقلوا الى العاصمة الجديدة تبريز، وظهر ذلك في مخطوط مير علي شيرواني والذي كتب في هراة عام 1527 وهو اليوم محفوظ في مكتبة باريس. وامتازت الرسوم الصفوية بوجود العمائم التي تخرج منها قطعة حمراء مثل العصا واصبحت علامة وميزة تشير الى المدرسة الصفوية .

1976 رسم 3

وفي زمن الاسرة الصفوية كانت هناك حرية في رسم الاشخاص وزخم في الزخرفة والالوان وتنوع في درجاتها وكانت هذه الزخارف من القوة ظلت هي الدافع المسيطر على مشاعر واحاسيس الفنان الذي لم يكن مغرورا اًوانانياً كما كان  موجوداً عند الفنان الغربي فقد كان صائغاً لاشياء نافعة من الفخاريات والمنسوجات او الكتب المصورة، ويقول  المفكر والناقد الانكليزي هربرث ريد: (ان أعمال الفرس هي من اكثر الشعوب عرفها العالم من ناحية الحساسية والثقافة).

1976 رسم 4

وبذلك يعتبر الفن الفارسي دون منازع، الفن البارز والاول في الفن الاسلامي خاصة في القرن السادس عشر ميلادي حيث وصل الى قمة جماله وجودته على يد المصور كمال الدين بهزاد في مدينة هراة ثم تبريز في زمن الدولة الصفوية .

 

د. كاظم شمهود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم