صحيفة المثقف

سمو الإيديولوجية الإسلاموية على الوطنية !

حميد طولستما أغرب فرح بعض الجماعات المتأسلمة بسقوط اليميني "ترامب"، وأغرب بتفاؤل الكثير منها - وعلى رأسها "الإخوان المسلمون" - بصعود اليساري أو الليبرالي جوزيف "بايدن"، ظنا منهم، أو خداعا لذواتهم، بأنّ سياسة الولايات المتحدة تتغير بتغير رؤسائها، وأن "بايدن" سيناصرهم في عدائهم لأهاليهم من أبناء أوطانهم العربية المسلمة التي يرغبون في الهيمنة عليها والسيطرة على خيراتها، التي لا يتورعون في اقتراف كل أنواع الجرائم الكفيلة بضمان تلك الهيمنة، واستعمال جميع الأسلحة لإدامتها ؛ وهم يعلمون أنّ للسياسة الأمريكية قواعد راسخة لا تتغير، سمتها الغالبة - منذ قرن من الزمان على أقل تقدير - هي الانحياز السافر لإسرائيل ومعاداة الحقوق العربيّة، وأن الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة لم تحد قط عن تلك الثوابت والقواعد المتحكمة فيها -والتي تبدو في ظاهرها مثالية ومشبعة بـ"القيم الأخلاقية" خاصة فيما يتعلق منها بأمن العالم وسلامه وديمقراطيته- والمرتكزة على المصلحة الأمريكية، والهيمنة الاقتصادية، والنفوذ، والسيطرة، التي تجعل الفارق بين سياسات رؤساء الولايات المتحدة ومن بينهم "بايدن وترامب"، طفيفا جدا ومنحصرا في الأداء أو طريقة تحقيق الهدف الأساسي الذي لا يخرج،عندهم وجميع الشعب الأمريكي، عن حماية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في كل العالم وتقديمه على كل الاعتبارات الأخرى،إلا مصلحة إسرائيل،الذي لا يختلف حول جوهره أي رئيس ديموقراطيا كان أو جمهوريا،  

بخلاف أهداف التيارات والأنظمة والجماعات الإسلاموية، التي لا يهتم رجالاتها -المتنكّرين في مسوح المخلصين المصلحين المدافعين عن الدين وقيمه الإنسانية - بما ينمي أوطانهم أو يرقي شعوبها ويعزيز قيمة إنسانية مواطنيها، ولا يهمهم إلا الوصول للهيمنة على السلطة التي لا يتورعون - إذا ما حال بينهم وبينها حائل، -في التحالف مع الشيطان والإستقواء بالأجنبي لقتل المخالفين من أهاليهم وأبناء أوطانهم المسلمةالتي يدّعون الانتماء لها، كما هو حالهم رئيس أمريكا الجديد"بايدن"، الذي هم يوقنون أنه لن يحيد قيد أنملة عن الانحياز لإسرائيل، بدليل ما سبق وأعلن عنه بوضوح في خطاب ترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2007 حيث قال:"أنا صهيوني"، وقوله أيضا : " لو لم تكن إسرائيل موجودة لقمنا باختراعها"، دون أن ننسى قولته الشهيرة :" ليس على المرء أن يكون يهوديا ليكون صهيونيا". 

الأمر الذي لا يجعل من تفاؤلهم بمن يعتبرونهم كفرة وملاحدة فعلا مثيرا للدهشة والغرابة فقط، بل يجعله أمرا صادما وأكثر سخفاً وسفاهةً وأعظم ومخالفة لقوله سبحانه وتعالى:" ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون" [المائدة:80، 81]. الذي ينطبق عليهم تمام الانطباق ..

 

حميد طولست

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم