صحيفة المثقف

حديث عن مجد الأسلاف

عامر كامل السامرائيللشاعر اليوناني: يانيس ريتسوس

ترجمها عن المجرية: عامر كامل السامرّائي


مثلما ينحط الإنسان الآن هنا،

ينحط الفكر، تنحط الكلمة:

من ذا الذي يهتم بالأمجاد السالفة أو الطارفة، بِسِيَرِ أريستيدس1؟

وحين يشرع أحدنا بالحديث عن الثلاثمائة2 أو المائتين3،

يقطع الآخرون كلمته بازدراء

أو بالشك على الأقل.

لكن، أحياناً، كما هو الحال الآن، تأتي ساعات،

يتكَشف فيها الزمن أمامك مرة أخرى.

يوم الأحد، جالساً على كرسي تحت شجرة يوكاليبتوس

في هذا الضوء الشديد - يتأجج فيك حنين خفيّ للأمجاد السالفة-

وإن استخفوا بي: "ما عاد يهمني "

حيث ينطلق الموكب عند الفجر:

نافخوا الأبواق في المقدمة، وبعدهم العربات المحملة بالآس والأكاليل،

ثم الثور الأسود، خلفه الشبان، في أيديهم أباريق مليئة بالنبيذ والحليب:

يقدمونها نذورا للموتى، وقوارير مليئة بالزيت والطيب -

ولكن الأمر الأكثر إثارة للإعجاب، في آخر الموكب، مرتدياً سترة أرجوانية، صاحب سمو الدولة الأعظم4، والذي يُحَرَّم عليه طيلة العام لمس الحديد أو ارتداء لون آخر غير الأبيض الناصع،

يلتفع الآن باللون الأرجواني، وعلي جَنْبهِ سيف طويل، يقطع المدينة بهدوء مهيب،

ممسكاً بإبريق من الخزانة5، يسير به نحو مقبرة الأبطال.

وبعدما يغسل اعمدة القبور والقرابين الغنية،

يرفع الكأس ويهرق الخمر على القبور.

ثم يخاطب الشعب:

"أقدم هذا الكأس إلى أشجع الرجال الذين ماتوا من أجل حرية الإغريق".

سرت حول المكان رعشة خفقت لها أوراق أشجار الغار كُلها

تلك الرعشة نفسها لازالت تسري عبر أشجار اليوكاليبتوس حتى اليوم

وتخفق في الثياب المزركشة التي تتدلى على حبل الغسيل.

***

 

........................

هوامش المُترجِم:

1- أريستيدس: سياسي وقائد عسكري أثيني، اشتهر بدوره في الحرب ضد الفرس، ولُقبَ بالعادل.

2- الثلاثمائة: يقصد أبطال معركة الثيرموبيلاي التي دارت بين الفرس والإغريق.

3- المائتين: يقصد أعضاء الحزب الشيوعي الذين أُعدموا في الأول من آيار عام 1943.

4- صاحب سمو الدولة: يقصد به الأرخون: وهو أعلى منصب مدني في المدينة الإغريقية.

5- الخزانة: يقصد بها خزينة الدولة أو ما نسميه نحن بيت المال.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم