صحيفة المثقف

دولة جلال الدين محمد أكبر

عادل بن خليفة بالكحلة(1555-1605م.غ):

دولة ناجحة وتسامحية توحّد الهند لأوّل مرة


1- الهند تحاول التعرف على النبي محمد والإسلام/ تماثل بين البرْهَميّة والإسلام:

إذا كان بإمكاننا أن نرفض ادعاء «رَتَن» الهندي الصحبة لرسول الله وأنه ذو 600 سنة؛ وإذا كان بإمكاننا أن نرفض ادعاء الملك الهندي «سَرْبَاتك» الصحبة وهو في القرن الثامن الهجري؛ فإنّ ما رواهُ أحمد بن حنبل عن أبي سعيد الخُدْري من أن ملكا من ملوك الهند أهدى إلى الرسول «جرّة فيها زنجبيل، فأطعم أصحابه قطعة قطعة»[1]. قال الحاكم: «ولم أحفظ في أكل رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، الزنجبيل سواه». وهذا ربما من أمارات صحة الخبر.

في صَلاَلة، بظَفار، أي بدولة عُمان الراهنة، ضريح تنسبه الذاكرة العمانية إلى ملك من ملوك مَلِيبار (شِيرْمَان فَرْمال)، سمع بالدعوة المحمدية، فزار النبي، ثم رجع باتجاه بلاده، ولكنه توفي بطريق الرجوع. ولعل ما يقوّي مُدّعَى الذاكرة العُمانية، أن الذاكرة المَلِيبارية تدّعي نَحْو ذلك مُبْتَنِيَة مَسْجدا باسمه عام 622م،غ في كَدَنْغلور في مليبار[2]. وفي الحقيقة فإن لمَلِيبار علاقات تجارية قديمة بالأقطار العربية- الجزيرية.

وما يَهمّ، حتى في الأخبار التي وقع استبعادها، أن الهند طالِبةٌ الصحبةَ مع رسول الإسلام، وطالبةٌ لِعَراقة في الإسلام، رافضة لبداية إسلامها بقهر أموي أو بتدمير سَبُكْتُكِينيّ-غَزْنَوي.. وذلك الطلب الهندي غير الواعي إنما يعود إلى تماثل كبير بن اللاهوت البَرْهَمِي واللاهوت الإسلامي- المحمدي. وهو سابق على الفكر الأموي والغزنوي.

فمؤسس اللاهوت البرهمي هو بْرَهْمَا أو «إبراهيم» (والتشابه اللفظي واضح بين الكلمتين) وزوجته «سَارَاسَفاتي» (غير بعيد عن :«سَارَّة» كان لها ولدان، أحدهما تعرّض لامتحان إلهي تمثّل في طلب الله منه ذبح ابنه، ففداهُ لما أطاعاه بـ﴿ذَبْحٍ عَظِيم﴾..

وإله البراهمة ربٌّ يسْكُن في السماء ليس له شكل ولا حيز، خلق كل شيء. جاء في الفيدا: «إله واحد لا ثاني له» (الفصل 6، الفقرة2، الآية1)، وجاء في الأوبانيشاد : «ذلك الإله ليس له أبوان أو سيد» (الفصل6، الآية6).. وجاء فيه أيضا: « الإله لا صورة له» (الفصل4، الآية19).. في البرهمية خَلَق الله الإنسان من طين، وخلق له أنثى، «ثم ساد الطوفان بعد فساد البشر، لتعود الأرض من جديد إلى الإنسان»[3]. ومَعْبدهم يشبه مسجد المسلمين. ومَعْبدهم يشبه مسجد المسلمين. «وتتشابه صلواتهم كثيرا مع صلوات المسلمين فيقفون على سجادة صفوفا فيضمون أياديهم إلى بطونهم يمسكون الواحدة بالأخرى، ويسجدون ثم ينهضون ويتمتمون بكلمات الصلاة»[4].

2- صدمة محمود الغزنوي وتسامحية البيروني:

يكتب المؤرخ الهندي المسلم محمد قاسم فرشتهِ (ت. 1620) مِن مَصَادِر هندية (إسلامية وبرهمية) أن 400 مليون بَرْهَميّ قُتلوا، وأن ملايين استعبدوا وخُصُوا، وأهم تدمير ديمغرافي وعِماريّ لهم كان على يد محمود بن سُبَكْتِكين الغزنوي (971-1030م.غ)[5]. كانت صدمة عظيمة أقامت قطيعة مع الرغبة الهندية في تمثُّل الإسلام، مُنْتِجةً رُهابا بَرْهميّا منه، ورفضًا في التفاعل معه. ذلك رغم أن أبا الريحان البيروني، المعاصر لمحمود الغزنوي، كان يكتب: في التحقيق ما للهند من مَقُولة باحترامٍ شديد للديانة البرهمية دون تكفير أو استهجان، وبعد بحث ميداني دام سِنين، ومِنْ مصادر الديانة باللغة الأصلية (السُّنْسَكْرِيتية)، ليؤسس العلوم الانسانية لاول مرة[6]. ولولا الاختراقية الإنسانية التصوفية للأديان ومنها البرهمية، لكان هذا الرُّهاب مستحكِما وعميقًا في الثقافة الهندية، ولا يمكن اجتثاثه.

كان أبو محمود، ثم ابنه إسماعيل، فمحمود، وُلاة من وُلاة الدولة السامانية، ثم انشقّ عليها ليقتل آخر ملوكها. وفي عام 1026 «انتزع الري من مجد الدولة البويهي واقتاده إلى عاصمته غزنة»[7]، ودولة بني بُوَيْهٍ هي دولة الحرّيات الدينية والتطوّر العلمي والتِّقَاني[8]. وقبل ذلك كان عام 1006 في حملته الرابعة ضد أبي الفاتح داود، زعيم حركة الباطنية، إذ اعتبره محمود الغزنوي «كافرا» و«ملحدًا»، مستوليا على مُلتان والبنجاب. وقد كان يُكره البراهمة على الإسلام، وعندما انشغل بحروب الشمال ضد الترك المسلمين وغير المسلمين، استغل صوبحال الفرصة ليرجع إلى دينه الأصلي عام 1008. فكان الانتقام منه ومن قومه رهيبًا.

وتتالت حملاته على المدينة البَرْهَمية المقدَّسة زان وُرْ شمال دِهْلِي لهدْم «صنمها» الأكبر وجمع الغنائم منها، وقد حمل ذلك «الصنم» إلى غزنة بعد انتصاره عام 1014، فازدادت جاذبيته للترك فجاءَه من آسيا الوسطى 20 ألف متطوّع. ومُنَذَئذ لم تقف أمَامَهُ قوة. وكانت حملته السادسة عشر على البراهمة، من أعظم الحملات العسكرية في التاريخ قاطبةً، وهي معركة سومنات عام 1026 مزيلا «صنم» «شيفا» ومؤذّنا في معبدها، رغم ان ذلك محرم في الاسلام. ومن العجيب أنه جعل عتبات قصره ومسجده من «أصنام» هيكل سومنات.

وفي الحقيقة، لم يحطم رسول الله «صنما» واحدًا لأي قبيلة قط، ولو أراد ذلك لفعله من باب أولى في مكة وفي الكعبة في بداية دعوته، لأنه كان يعرف أن الصنم يُصنع في الذهن قبْل أن يُصنع في الخارج، فلا فائدة من إزالته بالخارج ما دام لم يُقلع- بالمجادَلة العقلية بالتي هي أحسن- من الذهن. وكنّا نرى، في سيرته، أن القبيلة عندما تؤمن بدينه بَعْد حِوار، تقوم هي بنفسها بإزالة أصنامها. وليست كل التماثيل أصنامًا، فلقد أبقى رسول الله بالكعبة صُور المسيح مع والدته لأنها لا تحمل إضافات شركية على الوحدانية الإبراهيمية[9].

3- ترجمة رجل عظيم:

وُلد محمد جلال الدين أكبر عام 1542م.ع في السِّنْد. تشرّدت العائلة بعد أن فقدت حكمها، لتعيش سنوات منفى في إيران الصفوية، ثم أفغانستان. في الأثناء كان الوريث الطفل فالمراهق، يتعلم الصيد وعلوم الدين والحكمة والسياسة وترويض الفهود والفيلة. في عام 1555، أصبح وهو ذو 13 سنةً «ملكَ ملوك»، بعد أن اكتسب «خبرة كافية باستعمال الأسلحة، وشاهد الكثير من المعارك أثناء صحبته لأبيه في منفاه»[10]. وكان الوصي عليه بيرم خان، رجل الدولة الصفوية سابقا. تخلص من وصايته لما تمرد عليه، وعفا عنه سامحا له بالحج إلى مكة. بدأ وعمره 15 سنة، في مشروع توحيد الهند والأمة الهندية بمستشار إيراني أمين هو "أبو الفضل". من أهمّ من تأثر به المَهَاتْمَا غَانْدِي.

جلال الدين محمد أكبر هو أعظم ملوك الهند جميعا. وذلك لأنه حَكَم نحْو 50 عامًا، ووحَّد البلاد لأوّل مرة، وجعل أهلها أكثر رفاهة وأبعد عن الفقر، وفرض التسامح الديني، بين عامي 1556 و1605م.غ.أطلق عليه الهنود لقب «أكبر»، أي «البالغ في عظمته حدّا بعيدًا»[11]، لأنه فعلاً كان أعظم ملوك الهند اذ هو أول موحد لها ولأمّتها رغم صعوبة ذلك.

عام 1562، لما بلغ أكبر، تحالف مع الراجا البَرْهَمي «بِهَارِي مال العنبري»، متزوجًا ابنته التي أصبحت تسمى «مريم زماني»، ولم يكرهها على الإسلام. «كرّس هذا الزواج الاتحاد الأقوى بين الأمراء الرَّجْبوت مع العائلة المسلمة الحاكمة، مسجّلا عهدًا جديدًا في سياسة أكبر»[12]. كانت الحياة المتشرّدة لأكبر قد عرفت في شبابه بمصاحبة أبيه هُمايون، مثال الحكم الذي قدَّمَهُ شَارْ شاهِ، وتعاليم رجل الدولة والعسكري بيرم خان الذي كان في خدمة الشاه الصفوي طهماسب ثم في خدمة هُمايون، «توحي بتعاطف مع أهل التشيع، وجعلتْه يفكر طويلا في الوسائل الضامنة للهند حكمًا مستقرا وقادرْا على توحيد العصبيات المسلمة البرهمية المختلفة»[13].

كان أكبر، كجُلّ تُرْك آسيا الوسطى وَرعًا سنّيّا، ولكنّ «روحه نزّاعَةٌ نحو التصوف، جعلته حَانِقًا على التضادّ الدائم بين أهل التشيّع وأهل التسنن، وعدم تسامحهم تجاه المعتقدات البَرْهَمية»[14]. «فلقد أصبح مُريدًا لوليّ صوفي هو معين الدين الجِشتي، على الضريح، الذي يصلّي عليه أحيانا كثيرة. ولم يلاقِ هناك المسلمين الصوفيين فقط، والذين كان يُسَرُّ برعايتهم، ولكن أيضا البراهمة الذين يأتون هم أيضا إلى زيارة قبر هذا الولي ناسبين له الكرامات العجيبة. وهناك يتردّد أيضا مسلمون عديدون اعتنقوا الإسلام محتفظين بتقاليدهم البَرْهمية»[15].

4- المشروع الأكبري لتوحيد الهند وأمّتها: مَسارُ الإصلاح:

كان في شبابه قد تلقّى دراسات، جعلتهُ يحمل إعجابًا كبيرًا بالأشعار الفارسية، لجلال الدين الرومي (ومنه لقبه: «جلال الدين») وحافظ الشيرازي اللذين مجَّدَا التسامح ونوعًا من النزعة الإنسانية. و مُنذ أن تحرر من وصاية بيرم خان، دفعه ذهنه القلق بحقيقة تتفلّت منه، للبحث بنشاط عن مصاحبة أولياء زمنه، سواءًا كانوا براهمة أو مسلمين. «عام 1562، لاقى- أثناء مَصيدٍ، رؤساء دين جوّالين ينشدون بركات الولي معين الدين الجشتي، عازمين على زيارة الولي في عَجْمر». وقد تزامن ذلك مع مهمة تحالفية مع بِهاري مال. «فهم أكبر أن جيوشه لا تستطيع أن تأمَل فتح الهند دون مساعدة المحاربين الرَّجْبوت»[16]؛ وهم لن يتعاونوا معه إذا لم يكن متسامحًا مع دينهم. هُنا أصبح «الفتح» معناه فتح قلوب الهنود لا الاحتلال الغزنوي.

في العام نفسه، حرَّم على جنوده استعباد عائلات المنهزمين، ذلك التقليد الذي استمر منذ تدمير محمود الغزنوي للبراهمة بين عامي 1001م و1027م، بعد أن حطّم حضارة المسلمين السَّامانية والمذاهب الإسلامية التي تخالف مذهبه.

وفي سنة 1563 ألغى الضريبة على الحج، البرهمي والمسلم، «محتجّا بأن هذه الضريبة تَعُوق حرية العبادة من ناحية، وتضرّ بالمُعَامَلات التجارية. وفي عام 1564 أبْطَل «الجِزْية»، «معتبرًا أن هذه الضريبة مميِّزة، تَقْسم البلاد بَدَل أن توحدها، و تَمْنع الرَّجْبوت من المساهمة في مشروعه الفتحيّ»[17]. وهكذا أحس الرّجْبوت أنهم مساوون للمسلمين، فأصبح حماسهم للمشروع عظيما. كما أحس معظم البراهمة أن بالإمكان أن يكون دينهم موجودًا إلى جانب دين المسلمين داخل الدولة الهندية المسلمة.

وفي الحقيقة، تحصر سورةُ التوبة «الجزية» (= الجزاء المالي)، عقوبةً على المعتدين: ﴿قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِاللَّـهِ وَلا بِاليَومِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمونَ ما حَرَّمَ اللَّـهُ وَرَسولُهُ [نقض المعاهدات كما جاء في الاية الاولى من السورة] وَلا يَدينونَ دينَ الحَقِّ مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ [وليس كلهم، ففيهم الذين لهم ود ومسالمة وحفظ المعاهدات] حَتّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صاغِرونَ﴾. أما سورة الكهف فتجعل الملك الصالح ذا القرنين لا يقبل ضريبة من المنهزمين ﴿قالوا يا ذَا القَرنَينِ إِنَّ يَأجوجَ وَمَأجوجَ مُفسِدونَ فِي الأَرضِ فَهَل نَجعَلُ لَكَ خَرجًا عَلى أَن تَجعَلَ بَينَنا وَبَينَهُم سَدًّا ﴿٩٤﴾ قالَ ما مَكَّنّي فيهِ رَبّي خَيرٌ ﴾.

ولكنْ، إذا كانت الشعوب البَرْهمية مُرتاحة جدّا لهذا «القرار»، فإنّ «المتعصّبة السنّيون بالبلاط لم يقبلوه إلا بتحفظ، وخاصة العلماء الأرثوذكس، الذين لم يكونوا بعد عشر سنوات، عُزَّلًا، محاولين إعادة هذه «الجزية»، دون نتيجة»[18].

استطاع محمد جلال الدين أكبر أن يوطِّد سلطتَهُ، ذلك ما جعل هيمنة التسلطِيّين من الطائفة الأكبر تتقلص إلى العجز، مثل شِيرْ شاه مُورِي، إذْ قدَّم المَلِك توقيرًا كبيرًا تجاه «العلماء» والقضاة، متصرِّفا مثل السُنيّ المحافظ، دون السماح لهم «بالمبادرة الأدنى لمعاكسة أهدافه السياسية. وفي الآن نفسه، لم يترك الشيعيّين، الذين يَبْدو أنهم كثيرون ببلاطه، خاصة بين النبلاء القادمين من بلاد فارس أن يأخذوا هامّيّةً ما في شؤون الدولة، حتى وإنْ كان بعضهم، مثل الإخوة الجيلانيّين الثلاثة (حكيم أبو الفتح، وهُمايون، وهُمان)، مواضع ثقته، حريصين حقيقةً في محاوَلتهم استجلاب الحاكم لمقاسَمَتِه عقِيدَتهُم. فقد واصَل أكبر في مساندة السّنيّين، جاعلاً نفسه- في الآن عينه- ضِمْن المنتسبين لطائفة لمّا يجدون أنفسهم في مَرْمَى اضطهادات العلماء»[19]. فلقد أصبحت الهند في عصره مَسْرح أنشطة كثيرة جدًّا لكل طوائف الإسلام  وكل طوائف البرهمية، وغيرها من أهل الأديان.

وقد كانت جميعًا مُخْترَقة بالحركات الاجتماعية الصوفية، وخاصة أتباع الجشتي والسُّهْرَوَرْدي والشَّطّاريّ وعبد القادر الجيلاني ونَقْشْ-بَنْد. ودون أن ينتمي محمد جلال الدين أكبر إلى التنظيم الجِشْتي، كان «يُظْهر دائما نزوعًا كبيرًا نحو مؤسّسيه»[20]. ورغم إظهاره لكثير من التقدير في بعض الزمن للنَّقْش- بَنْدِيّة إلا أنهم لم يَعْرفوا إلا نجاحًا محدودًا.

على الساحة البَرْهَمية، كان من نتائج سيادة الحرّيات الدينية، ظهور حركات تجْنح لمصالحة وحدانية الإسلام مع الأطروحات البرهمية، مثل الحركة البْهَكْتيّة المتأثرة بالتصوف، وفي عام 1470م، أعلن «كبير» تمازجًا برهميّا- إسلاميّا، وبعد بضعة سنوات أسس حواريُّهُ نَانَاك طائفة «السِّيخ» (أي طائفة «الحَوَاريين»). وغيرُ هؤلاء بغرب الهند كثير. وليس غريبا أن نَانَاك بدأ إصلاحيته الدينية بمصادَفة متصوف مسلم، ثم بارتحاله إلى مكة والمدينة. وما استعارة الألفاظ العربية والفارسية في نصوصه، مجرد استعارة لفظية، فلقد جعل فريد الدين الجِشْتي من مصادر إصلاحيته و جعل نصوصه نصوصا مقدّسة، رغم أنه متوف عام 1265م.

عام 1587، «حظر على المسلمين، كما البراهمة، بالزواج اكثر من زوجة «شرعية» واحدة[21] وبرّر ذلك بقوله: «أن يكون لك أكثر من زوجة هو عمل ضد ذاتك الخاصة (...). لو كنت عاقلا في حياتي لما تزوجت امرأة من مملكتي بحريمي، لأن كلّ رعاياي هُم بالنسبة إليّ أبنائي»[22]، ولتسهيل فهم المثقفين بالبلاد للأديان وتقاليد البراهمة، أسس وزارة ترْجمة، «مكلّفة بالترجمة باللغة الفارسية التي هي اللغة الرسمية للبلاط والإدارة، للنصوص الدينية والعلمية البرهمية»[23].

ومثلما كان موسيقيّا مُرْهَفًا، كان رسَّامًا كذلك، وباعتبار أنه كان فقيها مجتهدًا، فقد حلَّل الرسم والنحت: «لقد بدا لي أن للرسام طريقة خاصة في الإقرار بالله تعالى، لأنه عندما يصور كائنا حيّا وعندما يصور أعضاءه عضوا عضوا يحس بأنه غير قادر على إعطاء الذاتية لعمله، وهو مضطر في هذا الحال إلى التفكير في الله واهب الحياة. وبذلك يزيد من حكمته»[24].

كان الرسم الذي شجعه، على الجدران وضمن الكُتُب، وظهر في عهده الرسم الشخصي لأوّل مرة عند المسلمين (مترادفًا مع ظهوره لدى جيرانه الصفويين)، وكان في العموم ذا مَسْحة فارسية. «أنشأ حتى ببلاطه ورشات رَسْمِ جمعت الفنانين [البراهمة] والمُنَمْنَمِيّين القادمين من فارس». ولكن أكثرية «الفنانين الرسميين بإدارة عبد الصمد [الإيراني] كانوا هنودًا، مسلمين، مثل [الشريف] مير سيد علي وفاروق بك، أو [براهمة] مثل دسْوَنْش وبَاصَاوَان وطارا شَنْد»[25].

وبتأثير «أبو الفضل» وأخيه فائزي، تُرجمت عديد الكُتُب الفارسية، خاصة التاريخية والشعريّة، بينما نُقِلتْ عديد النصوص السُّنْسَكْرِيتية إلى الفارسية. لم تضم مُحاورات المَلكِ التوحيدي ممثلي الدينيْن الرئيسَيْن بالهند، فقط، بل ضمت أيضا «المسيحيين واليهود، والفرس [الزرادشتيّين] واليانيّين، وحتى أتباع ديانة الكَرْفَاكا، وهي مدرسة للتفكير الإلحادي نشأت وازدهرت بقوة في الهند لأكثر من ألفي عام منذ نحو القرن السادس ق.م»[26].

كان الفقيه المجتهد الحكيم [الفيلسوف] رافضا لموقف «كلُّ شيء في ديني، ولا شيء خارجه». فقد كان «يفكر في المكوّنات الخاصة بكل ديانة متعددة الأوجه. وعلى سبيل المثال، بالتجادل مع اليانيّين، ظل أكبر متشككا في طقوسهم، لكنه اقتنع بحجتهم في ما يخص الالتزام بالنباتية، وانتهت به الحال لأن يَأْسَى بشدة لأكل كل أنواع اللحوم بشكل عام»[27]، بالأقل في أكثر أيّام السنة. ولكنه لم يفرض  ذلك  على  أمته. ومن الأكيد أن الطب الراهن يوافقه على موقفه هذا نسبيا.

يلخص محمد جلال الدين أكبر مشروعه في المفهوم العرفاني  «لَسُولْ كَحَل» (=«السلام للجميع»). ويلخص جوهره في رسالته إلى ملك إسبانيا فيليب الثاني سنة 1582م: « بما أن معظم الرجال يتم تقييدهم من خلال روابط التقاليد، وبتقليد الطرق التي يتبعها آباؤهم ... يستمر الجميع، دون التحقيق في حججهم وأسبابهم، في اتباع الدين الذي ولدوا فيه وتلقنوه مستبعدين  أنفسهم  من إمكانية التحقق من الحقيقة، التي هي أنبل هدف للعقل البشري.  لذلك نحن نتواصل في مواسم ملائمة مع الرجال المتعلمين من جميع الأديان لكي نستفيد من خطاباتهم الرائعة وتطلعاتهم السامية»[28].

5- الملك أكبر والإسلام و«توحيد إلهي»:

منذ بدايات حكمه، كان أكبر «يحافظ على أصول الدين، ويؤدي الصلوات في المسجد في أوقاتها، بل لقد كان يقوم أحيانا مقام المؤذنين فيدعو الناس للصلاة»[29]. وذلك نادر جدّا في ملوك المسلمين حتى يومنا. واستمر حتى آخر حياته، في المذاكرات الدينية مع علماء المسلمين كل ليلة جمعة، في الفقه وتفسير القرآن الكريم، فالرجل مجتهد في كل العلوم الدينية[30].

وقد كان «يحترم علماء الدين والمتصوفة الزاهدين (...) فيقضي في حضرتهم الساعات الطوال، ولا يتردد في إجابة مطالبهم»[31]. وقد سمَّى ابنه «سليم» باسم الولي الجشتي[32]. وكان لا يبدأ عملا إلا بعد أن يقول: «يا هادي! يا معين!»، فكانت ذات حافز قوّي في نفسه وفي نفوس جنوده. وقد دفعه وازعه الديني إلى الإقبال «على دراسة القرآن والحديث، وساعدته حافظته القوية على استيعاب كل ما يلقيه أساتذته»[33].

وكان يرسل كل سنة «عددًا كبيرا من الحجاج إلى الحرمين الشريفين على نفقة الدولة، ويبعث مع أمير الحج الهدايا والتحف إلى والي مكة المكرمة، والنقود والغلات لأهل الحرمين. وكان يشيع الحجاج عند توديع قوافلهم محرما إحرام الحج، مقصرا شعره، ملبيّا، حاسر الرأس، حافي القدمين»[34].

وقد نشر القضاة بين أقاليم مملكته «ليحكموا  بين الناس بالعدل، تبعًا لأصول الشريعة الإسلامية»، وكان يجلس بين أيديهم ليثقفوه.

لم تكن دار الندوة العلمية التي بناها عام 1575 داعيًا إيّاهَا «عبادت فانه» (= دار العبادة) في مدينة فتح بورسكري مَعْبَدًا قُبَالة المَعابد الأخرى أو الأديان المختلفة. فما كانت إلا دارًا للتحاور بين مذاهب المسلمين بغية التقريب بين الآراء المختلفة»[35]. وفي أحد مجالس عام 1578، اشتد الجدل بين علماء المسلمين حتى كفّروا بعضهم، فسألهم: «مَنْ يكون صاحب الحق في إصدار الفتاوى والأوامر الدينية الواجب اتباعها إذا اشتد الخلاف بين الفقهاء؟»، فأجابهُ الشيخ مبارك: «إن السلطان يكون صاحب هذا الحق»[36]. فطلب منهم أن يُعْلنوا في مَحْضر الجلسة أنه «إمام عادل»، ففعلوا. وبذلك ضمن أنْ لا تهدّد خلافاتهم وحدة المسلمين بالهند.

ثم أصبح يفكّر في حلّ لأزمة الصراع القاتل بين براهمة البلاد ومسلميها، لتوحيد كل الهند لا هند الإسلام فحسب. فاستدعى علماء البراهمة للمشاركة في مجالس «عبادت خانه» (= دار العبادة). وهنالك تحدث الملك عن أضرار كثرة الأديان وتعددها، وعن ضرورة اكتشافهم القاسم المشترك بينها ليكون هو دين الجميع، فبذلك يعمّ الأمنُ الهند الموحَّدة وتستمر وحدتها دون انفصالات.

وقد سمَّى الملك هذا القاسم المشترك «التوحيد الإلهي» (=«توحيد-اي- إلهي» بالفارسية)[37]، و«يرْتكز على: توحيد الله (...)، وتقوم طقوسه على أسس من الصوفية»[38] المشتركة بين البرهمية والزرادشتية والإسلام. فالملك لم يُبْدع دينًا جديدًا، وإنما ساعد رؤساء طوائف الهند المختلفة على الوصول إلى ﴿كَلِمَةٍ سَوَاءٍ﴾ : ﴿قُلْ: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ [كل أهل كتاب مقدّس حتى المسلمين] تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّـهَ، وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ﴾ (سورة آل عمران، الآية64)، فكل الأديان إنما تعود إلى أصل واحد. فمحمد جلال الدين أكبر إنما كان ينفّذ آية الكلمة السواء باحثا عن توحيد الأمة الهندية. وقد جعل يوم الأحد يوم تدشين الدخول إلى «توحيد إلهي»، حتى لا تشعر أي طائفة بتفوق تجاه الطوائف الأخرى بتمييز يومها المقدس، مختارًا يوم الأقلية المسيحية الأضعف ديمغرافيا. أما «تقديس» الشمس والنار فلا يعني تأليهًا لهما: ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ﴾ (سورة المائدة، الآية 21)، وإنما يعني إعلاءًا لشأنها وشكرًا لخالقها على خلقه للبشر، فأول عنصر مؤسِّسٍ لـ«توحيد إلهي» هذا، هو توحيد الذات الإلهية.

استطاع أن يُوقف الممالك التابعة له لنسق إداري مُوَحَّد، في الشرطة والقضاء، وتَحصيل الضرائب، والتداوُل النَّقدي واشتغال الآلة الدّيوانية.

ورغم الحروب والمجاعات المحلية، «عرف المَعَاش الهندي في عهده، تقدّما حقيقيًّا، بفضل سياسة حكيمة في الجباية وتوزيع الأراضي. فلأوّل مرّة كانت الهند تنتج ما تستهلكه، وتستطيع التصدير بانتظام. وقد استفادت التجارة والفلاحة والصناعات من ذلك كثيرا»[39].

واستطاع تعويض اللغات الرسمية العديدة بكل مملكة بلغة رسمية واحدة هي الفارسية. وربما كان اختيار لغة غير هندية خطأً فادحًا، فلقد كان اختيار لغة هندية موحدة دافعًا لنجاح أكبر. ولكنْ ربما لم يكن له اختيار آخر، بينما لم يكن للسُّنْسَكْريتية سوى استعمال طقوسي. وكان التعبير الثقافي الأكثر اعتبارًا هو للفارسية[40]. وقد كانت الفارسية، عبارة عن «لنْغْوَا فْرَانْكَا» لكل الهند الشمالية. ولكنه في المقابل،  كان راعيًا طموحا «للأدب والشعر باللغة الهندية»[41]. ولظهور مدرسة هندية-مغولية- في الرسم والموسيقى والعمارة.

وبهذا المشروع العظيم، ظهر الحسّ القومي الهندي بعد أن كان غائبا، وقد أسس ذلك روحيّا التصوف العابر للطوائف، وجاء أكبر ليجعله متعينًا في دولة واحدة، وسلام دائم، ونقد واحد، وإدارة واحدة، ولغة رسمية واحدة.

6- دور الحكيم أبو الفضل في تأسُّس الوحدة الهندية الأكبرية:

مارس «أبو الفضل» دورًا جوهريّا في إيجاد «التوحيد الإلهي» وفي اختيار أعضائه وإقامة قواعده. هذا الرجل «النابغة، والعالِم، والكاتب، المنعوت أحيانًا بـ«الموجه الخفيّ» الأكبر (...)، كان له تأثير كبيرٌ في عقل أكبر، وعلى عقول عدد من مُعاصريه، رغم أنه جلب حقد بعضهم، وخاصة الأمير سليم»[42]. كان ذا طبع وعقل نافذ لحسّاسيّات الآخر. كان دارسًا عظيمًا في مختلف ثقافة الهنود آنئذ: في الثقافة السُّنْسَكْرِيتية وكذلك العربية والفارسية، وله الكثير من الخبرة بالديانات المختلفة، ومن ضمنها البرهمية والإسلام. وكان دائما الأب والأخ للملك الصغير محمد جلال الدين وصديقه الأقرب، وذراعه الأيْمن، قبل أن يصبح كاتبه، ولم ينفك عن دفعه إلى طريق «العدل والتسامح». إنه ينتمي –أصلا- إلى «المهدويين من الطائفة الشيعية، وكان دائما حسَّاسًا تجاه عدم التسامح»[43]. فمن المحتَمل جدّا أن الملك بحثِّه، أقام «عبادت خانه» التي مهّدت لمشروع «توحيد إلهي». ولقد نصحه بأن يَظهر كل يوم لشعبه من نافذته، حسب التقليد البرهمي، ليحبه شعبه أكثر.

«كان أكبر، المغولي العظيم، قد وُلد مسلما ومات مسلما»[44]، لكنه أصرّ على أن الدين لا يمكن أن يُفهم خارج العقل، حيث أن الإنسان لا بد أن يَقْبل-أو يرفض عند الضرورة دِينَهُ الموروث عن طريق العقل. وعندما هاجمه من التقليديون الذين احتجوا لمصلحة الدين الغريزي، أخبر أكبرُ صديقَهُ وقائده العسكري الذي كان محل ثقته، أبا الفضل: «إن معي العقل. ورفض التقليدية واضح وضوحا يجعله فوق الحاجة إلى الجدل. فإذا كانت التقليدية ملائمة، لما كان أمام الأنبياء إلا اتباع السابقين، ولما أتوا برسالات جديدة»[45]. فَسُرَّ أبو الفضل لأن تلميذه استوعب درسه جيدا.

وقد كان أبو الفضل، بداية من عام  1552 يترجم القصيدة الملحمية السُّنْسَكْرِيتية الكبرى «مَهَبْ- بَهَارَاتا» التي كان يكتب لها هو بنفسه مقدمة ترجمتِها، كما نقل إلى الفارسية عديد الآثار البَرْهمية وعديد الأناجيل، ذلك حتى يمكن للملك أن يَفْهم شعبه المتعدد الطوائف، فلا يظلمها بتعصب إذْ «مَنْ جهل شيئا عاداه».

كتب أبو الفضل[46]:

يا الله، داخل كل مَعْبد أرى الناس

تبحث عنك، وبكل لغة،

وأسمع الذين يدعونك

يقدّمون البرهمية والإسلام.

كل دين يقول: «أنت الأوحد دون كُفْءٍ»:

بمسجد، يَهمِسُون بالدعاء المقدّس،

وبكنيسة يقرعُ الناس الجرسَ لحبّك.

أحيانًاـ، أعود لِروَاق دَير،

[وأخرى] لمعبد برهمي،

وأحيانًا بمسجد،

ولكنْ دائما، أنت الذي أبحث عنه

من معبد إلى آخر[47].

7- مَواطن ضعف في المشروع الأَكْبري:

نقطة ضعف المشروع الأكبري الجوهرية أنها لم تُثبّت عناصر لاستمرارها بَعد أن يتوفى الملك. كان محمد جلال الدين أكبر يعرف أن محمد سليم ليس الوريث الأكفأ. فقد «كان واعيًا أن سليمًا لا يملك الخصائص العسكرية لهذا المشروع»[48]. ولكنه كان يتعلل بأن ابنه «مراد» توفي، وأن ابنه دانيال مشغول في الدّكن.

لقد كان لسليم طبعٌ تمرُّديٌّ، «وقد اضطر أبوه عديد المرات لمعاقبته، حاظِرًا عليه لعدة فترات طويلة أحيانا، ليعود فيقدم له كل يوم احترامه (...). ولكن في كل مرة يعفو أكبر عن حماقات ابنه»[49]. ولقد كان سليم حاسدًا حتى لـ«أبو الفضل» على حظوته لدى أبيه، رغم أنه هو صاحب الأيادي الأكبر على مشروع أبيه. ولقد أعلن لأبيه عديد المرات عن موالاته للتعصبيّة الموروثة، واعتراضه على «توحيد إلهي»[50]. وكان الأب يرى ما يؤكّد ان ابنه «عنيف، وصاحب نزوات تذهب أحيانًا إلى الاستبدادية والفظاظة المجَّانية، وذلك ما يجعل أكبر يأسف»[51]. وقد كتب أبو الفضل في أكبر نامه عن عِلم المَلِك بإدْمان ولي العهد على الخمر، وأنه خالف حَظر الملك للتّبْغ، وحظْره زواج الأقارب إذْ أراد الزواج مِن قريبته[52]، فشهوته كانت أقوى من عقله.

ليست وفاة «أبو الفضل، روح المشروع الأكبري سنة 1602، هي المبرر لعدم استمرار المشروع الأكبري، إنما لأن هذا المشروع لم يفكر في النظام السياسي الديمقراطي (أو «الجماعي» بلغة الفارابي) خاصة في مسألة «الوراثة»، دون ربطها بعائلة حاكمة، بل بإيلاف دُوَلي ينبغي أن ترتبط بِصحيفة (=«دستور»)، أو بالأقل أن تكون السلطة المركزية إيلافًا بين الملوك الذين يكوّنون الإيلاف.

كان محمد جلال الدين أكبر عاقلا في الدين وفي إقامة الأمّة والوحدة الهنديتين، ولكنه لم يكن عاقلا في تجاوز حكم الفرد نحو حكم الجماعة الدائم بشروط عقلانية (كالتي اشترطها الفارابي). فهل كان «أبو الفضل»، روح «توحيد إلهي»، لم يكن يعرف التوحيد الاجتماعي القَرْمطي، والتوحيد السياسي القَرْمَطي؟ وهل يمكن أن يكون التوحيد اللاهوتي العقلاني دون توحيد اجتماعي- سياسي وتوحيد عدالة اجتماعية بين الطبقات؟

8- الهند بين الإسلام السَّبُكْتَكِينيّ والإسلام الأكبريّ:

كان المؤرخ السلفي الهندي ذو الملة السَّبُكْتَكِينيّة، عبد القادر البدايوني (1540- 1615م)، اول من شوه سيرة اكبر ومشروعه بعيد وفاته. وقد كفَّر المشروع الأكبريّ دون الرجوع إلى مَصْدر من المصادر التاريخية التي عايش اصحابها الملك كامل حياته مثل «أكبر نامه» و«عَيْن أكْبَري»، فاتهمه بما لا نجده في تلك المصادر: «إباحة السجود للامبراطور»، و«عبادة الشمس والنار»، و«وضع الخنازير في القصر الإمبراطوري»، و«تحريم أكل لحم البقر على المسلمين»، و«تحريم تربية اللحى على المسلمين»، و«منع الآذان»، ومنع «صيام شهر رمضان»، و«تحويل المساجد إلى مخازن وقلاع»[53]، بل نجد في تلك المصادر نقيض ذلك تماما. أما ادعاؤه أنه «حارب دراسة اللغة العربية»، فنجد عكسه في مسيرته بتلك المصادر، وأما أنه «أوقف الحج إلى مكة» فيكفي ذكر أنه كان يؤمِّن مع جنوده طريق الحج الهندي، ويُسْقط الضرائب على الحجّاج.

وأما ادعاؤه رفضه اسماء الرسول الكريم، فيكفي أن ننظر إلى عُمْلاته النقدية الموجودة إلى اليوم بمتاحف الهند وعلى بعض صفحات الانترنت المتخصصة في النقد لنكتشف أن اسمه بقي حتى آخر عمره «محمد جلال الدين». وقد استنكر المؤرخ السبكتكيني الملة سماحه لزوجاته البرهميات بممارسة طقوسهن البرهمية وعدم إكراههن على الإسلام. ولم يثمّن منع الفقيه المجتهد محمد جلال الدين أكبر زواج  الأطفال (لدى البراهمة خاصة، ولدى بعض المسلمين)، و«عادة حرق الأرمل حيّة مع زوجها الميّت» لدى البراهمة»[54] ومنعهم زواجها بعد وفاته، ودعوته «لمحاربة  التمييز بين الطبقات» لدى البراهمة[55]. واستنكر نشره للتعليم «بين الجميع دون استثناء، ففي عهده كان البراهمة يدرسون مع المسلمين جنبًا إلى جنب[56]؛ وأنه جعل أحيانا الضابط البرهميّ الأكفأ على رأس الضباط المسلمين. فهو يحمل ملة محمود الغزنوي التدميرية- الإكراهية لأنه منحدر من كبار الأرسْتقراطية الأفغانية بالهند، التي مسّتها الإصلاحات الأكبرية في مَصَالحها.

*-*-*

كانت هشاشة شخصية محمد سليم هي التي جعلته يقتنع ببساطة بدعوة الشيخ السلفي، السبكتكيني الملة، احمد السرهندي (1564-1624) بعد ان كان صامتا في عهد اكبر، ان يقلع عن كلمة السواء «توحيد إلهي»، وان دعم الشوكة السلفية-السبكتكينية  كاف وحده بان يديم ملكه، فتخلى عن التسامح مع البراهمة، وعن شراكتهم في السلطة المدنية والعسكرية...

لقد اصبح الملك المغولي أورنك زيب (تولى الملك سنة 1659 وتوفي سنة1707) حنفيا، ولكنه كان سلفي السلوك وسبكتكيني السياسة. وقد ترجم له أبو الفضل المُرادي، المقرّب إليه، فقال في ترجمته: «أبَاد الكُفّار في أرضه [وهم براهمة أساسًا]، وقهرهم وهدَّم كنائسهم (..) وأخذ الجزية من كفّار الهند [أي البراهمة]»[57]. وهنا نجد مثقف الطبقة الحاكمة الجديدة غير متفهم للدين البرهمي، ومن الأدلة على ذلك انه يسمي المعبد البرهمي «كنيسة». لقد ألغى أورنك زيب نهائيا كلمة السَّواء الأكبرية (= توحيد إلهي)، وألغى إلغاء الملك أكبر للجزية على البراهمة وغيرهم من غير المسلمين، واعتدى على معابد أهل الكتاب، في ردة الى الملة السبكتكينية. وقد اضطهد السّيخ رغم أنهم كانوا مسالمين له، ورغم انهم اقرب الى الاسلام. وقد ساهم غَدْر أورنك زيب بهم في بداية نفورهم من التقارب مع الإسلام والمسلمين، وإن كانوا هم أيضا لم يَسْعوا أكثر في ذلك.

*-*-*

بقيت هِنْدُ الإسلام  إلى اليوم تتأرجح بين إسلام سبُكْتَكِينيّ - تدميري للآخر (مذَهبا ودينًا) وبإسلام أكبري تسامُحي- توحيدي مع الآخر (مذهبا ودينا)، بين إسلام يمزق الهند وإسلام يوحد الهند لأول مرة. وفي عام 1947، انتصر الإسلام السَّبَكْتَكِينيّ، فرفع محمد علي جناح وحزب رابطة مسلمي عموم الهند راية الانشقاق، وكانت بريطانيا مؤيدة له. ومن الأكيد أن من البراهمة مَنْ كان على دين الفُرْقَة والتمزق آنئذ. فكان تأسيس پاك-سْتَانْ (= أرض الطهارة)، فتكون هِنْدُ البراهمة: «أرض النجاسة»، وكان قتْلُ التعصبِ البرهميِّ لداعية الأمة والوحدة الهنديتين: غانْدي عام 1948. فكان خروج بريطانيا آنئذ أبْعد عن الهزيمة، بل كان بذلك أقرب إلى الانتصار.

ومن العجيب أن حَوَاريّ جلال الدين الرومي (صاحب مقولة: «الطُرق إلى الله بعدد أنفس الخلائق»): محمد إقبال، كان من مؤيدي «القومية الإسلامية»، و«الپاكيّة» التعصبية الناقضة للأمة الهندية الأكبرية العظيمة. ومن العجيب أن أبو الأعلى المودودي الذي كان ضد أطروحة « پاك-سْتَانْ» (ربما لأنها دولة العلمانية لا دولة «الشريعة» كما يراها)، أصبح مؤيّدا لها بعد تأسيسها فيسافر من حِماه غير الباكْسْتاني، «النجس»، نحو حِمَى «الپاكْ»، حِمى «الطهارة».

صحيح أن الكثير من مسلمي الهند كانوا في أربعينيات القرن العشرين ضد ثنائية « الپاكْ» و«النجاسة» الهنديين، مثل وحيد الدين خان الذي نقد أطروحة «الخلافة» و«الحاكمية» عند أبو الأعلى المودودي ونقد عُنفية بعض الحركات الإسلامية وتسلحيّتها. ومن هؤلاء «الأكبريين»، الذين يؤمنون بالهند الكُبرى لا متشظيةً، كان أبو الكلام آزاد (1888-1958).

كان حزب المؤتمر الهندي رأس حربة الأمة الهندية لمقاومة الإمبريالية البريطانية، وكان أبو الكلام آزاد عضوا بارزًا فيه. كان قبل انضمامه، يوقِظ الهمم ضد الاحتلال على صفحات جرائد واسعة الانتشار، حتى منع إصدارها، و ينبه إلى مخاطر انشقاقية محمد علي جناح وحزب رابطة مسلمي عموم الهند. «والتقى بغانْدي عام 1920، وشارك معه في حركة ترك الموالاة والخلافة، وصار من القادة الكبار للكفاح السياسي الوطني»[58]. وقد خطب عام 1943 قائلا: «لو أنّ مَلَكا نزل من السماء على منارة قطب، وقال إن الاستقلال يمكن الحصول عليه خلال 24 ساعة شريطة التنازل عن الوحدة بين البراهمة والمسلمين لتنَازَلْتُ عن الاستقلال. ولكن لن أتنازل عن الوحدة لأن التأخر في إحراز الاستقلال يكون خسارة للهند، ولكن ضياع المحبة والوئام بين الطائفتيْن سيكون خسارة للبشرية جمعاء»[59]. وقد أكَّد جواهر لال نهرو صدقه في فعله[60].

أكد أبو الكلام آزاد دائما: «روح الإسلام تُرشد في هذا الطريق، وهو أنني أشعر باعتزاز بأني هندي وأنني عنصر عظيم للأمة الهندية التي لا يمكن تفريقها أو تقسيمها»[61].

ومِن الأكبريين البراهمة، جواهر لال نهرو. كتب في كتابه اكتشاف الهند: «في التاريخ أبطال سعوا إلى توحيد الهند وحمايتها، وفي مقدمتهم: آشوكا، وكبير، وجورو ناناك، والأمير خسرو، وجلال الدين أكبر». أما حفيد أكبر: أورَنك زِيب، فهو في نظره: «حاكم متعصب أدت سياسته إلى إدارة عقارب الساعة إلى الخلف»، فاستغلت الإمبريالية البريطانية الفرصة لابتلاع هِند موحَّدة جاهزة منذ عهد أكبر ثم للتلاعب بمستقبلها التاريخي.

ولكنْ، قد يكون المهاتْما غَاندي، الذي تأثر جدا بـ«توحيد إلهي»  للملك أكبر، أعْظم من أكبر نفسه. في كل الأحوال، هو أكبر البَرْهمي بلا مُنازع.

*-*-*

لم يكن للمشروع الأكبري وملته التسامحية أي تأثير في الاسلام العربي، بل بالعكس كنا نجد في ذلك الإسلام احتفاء اقتدائيا بمحمود الغزنوي وملته التدميرية الإكراهية. وذلك مما أوجد مقدمات منطقية لتعصب اسلامي عربي.

كانت حركة الإخوان المسلمين بتونس في ثمانينات القرن العشرين، تصدر كل عام روزنامة في شكل كراس دَعَتْها «دليل المصلّي»[62]. وكان مِن مُلْحقاته ملحق تاريخيّ يَحمل تأريخًا سلفيا محافظا. وفي عام 1403ه/ 1982-1983م، اختارت أعلامًا للاقتداء بهم لم يكن من بينهم محمد جلال الدين أكبر، ولكن كان منهم من سمَّتْهُ «فاتح الهند»،أي محمود الغزنوي. وقد ثمَّنتْ في حياته أنه «استولى على الإمارة»، وأنه «استَلَبَ مُلْك [خراسان] من أيدي السامانية [الذين احتضنوا ابن سينا وغيره]، وصمد لقتال مَلِك الترك»، وأنه «جعل دَأبه غزو الهند مرة في كل عام، فافتتح بلادًا شاسعة». وبذلك كانت الحركة تزرع ملة سياسية تقوم على شرعية «الاستيلاء» (=اغتصاب السلطة) ومهاجمة الدول الإسلامية الأخرى (السامانيون) لأنها لا تنتمي «لمذهبه»، ومقاتلة الآخر لأنه «غير مسلم» كالتُّرْك وبراهمة الهند الذين أنهكهم بالغزو «مرة كل عام». ولم نَجد في تراجم هذه الروزنامة (وغيرها من الروزنامات التي أصدرتها الحركة بثمانينيات القرن العشرين) نقيض محمود الغزنوي في التسامح وفي البحث عن «الإيلاف» (=التوجه الكنفيدرالي) وعن «الأمة» لا عن «الفُرْقة» و «الفِرْقة الناجية» (وهو دأب محمود الغزنوي)، سواء الملك أكبر أو غيره.

خاتمــــة:

كان عهد الملك محمد جلال الدين أكبر عهد تسامح، عُمِّد بأبيه ووُجِّه بكاتبه أبي الفضل، ماحيًا فيه عَهْدَ تدميرٍ وإكراهٍ دشَّنَهُ محمود الغزنوي سنة 1008، م.غ. وكان نصف القرن الذي حكمه من قرائن مشروعيته الشعبية.  لقد كانت الهند قبله مجموعة مَمالك عديدة جدًّا ومتقاتلة، ومجموعة أديان وطوائف متناحرة، لم تكن تشعر أنها تنتمي إلى كلية هندية. كان أكَبر أوّل حاكم هندي يوحّد الهند في دولة واحدة. ولم يكن ذلك ممكنًا بالحرب وحدها، فقد عجزت عن ذلك طويلا، بل خاصة بالكلمة الدينية السواء وسياسة الاندماج الأدياني والطوائفي، بواسطة «توحيد إلهي». لقد أوقف حَرْبَ الكل ضدّ الكل، تلك الحرب الهندية المجنونة، وأسّس هند الجميع، هند السلام الدائم.

يلخص أبو الفضل عَهْد تلميذه أكبر بقوله: «إن الحكماء والرجال الأريبين، الذين يفهمون روح هذا العصر، قالوا إن هذا العالَم المُتَحضرّ [الهند] الذي انقسم بحجّة نقص عناية الأرواح الكبيرة، يُمْكن ان يكون موجَّها بحاكم واحد، قادر، عادل، له الوسائل لإسقاط غُبار الفتن دون شك ويجد البشر الراحة. ففي متابعة هذا الهدف كان [أكبر] متجندًا دائمًا»[63].

كان يريد «نهضة» (أو «إعادة ميلاد») نحو هند حديثة، بإمَّتِه الجديدة. لم تكن المقاومات التي واجهها مشروعُهُ لتُحْبطه عن بناء هند السلام وبعض رفاه الحياة. ولكن مشروعه لم يفكر في ما بَعْد وفاة الملك، ولم يُدَسْتر الإيلاف الوحدوي الهندي، ولم يعمق محوره الاجتماعي- المَعَاشي بالعدالة الطبقية.

من سوء الحظ، أن مشروعه لم يَدُمْ، بانتصار التعصّب الديني لابن حفيده أورنْك زيب وبنزاعات المصالح التي ظهرت بمبادرات الاحتلال الإنكليزي والفرنسي، ثم كان الانشقاق الباكستاني عام 1947، الذي استعاد الأطروحة السَّبُكْتَكِينيّة لـ«دار الإسلام» من ناحية و«دار الكفر البرهمي» من ناحية أخرى، مكرسا أن البرهمية هي «الهندوسية» أو الدين الهندي [الوحيد]، كأن الإسلام لم يكن هنديًّا، وكأن البرهمية ليست من أصل غير هندي بدايةً. وقَدْ كانت الإمبريالية البريطانية، بعد أن احتلت غَزنَة بأفغانستان، نَقَلَتْ ما أوْهَمَتْ بأنه بقايا لمعبد سومنات، محاوِلة اجتذاب الأكثرية البرهمية والأقلية السيخية، ونَفَتْ آخر الملوك المغول. والأهم أنّها اختلقت السلفية في الإسلام الهندي قبل أن تختلقه في الإسلام العربي.

كان ذلك تحطيمًا «نهائيًّا» لمشروع أكبر الهندي، وذلك ما كانت تريده الإمبريالية البريطانية منذ سنة 1858، دامجة الهند في مملكتها، فكان حكمها للهند مباشرًا.

ومن العجيب، أن الهند بعد استقلالها، وبعد وفاة غاندي، أصبحت ضمن ما سُمّي «الكومنولث البريطاني»، ويكفي هذا النعت لكشف الطابع الوصائي- التبعي والإمبريالي لهذا «الكومنولث».

فعلى القواعد التي بناها أكبر كانت الهند الراهنة موجودة بما هي أمة واحدة، نجح أكبر حيث أخْفق آشُوكا في القرن الثالث قبل الميلاد وشَنْدْرًا عُبْرا في نهاية القرن الرابع، اللذان لم يفتحا إلا بعض الممالك البرهمية، ولم يكن لهما مشروع لتجاوز تناقضات الأديان. فلقد كان محظوظا إذ سبقَتْه قرون من الاشتغال الاختراقي التصوفي للطوائف والأديان حتى تربّيها على «الكلمة السواء» والجوهر الإلهي، ولكنّ شجاعة أكبر وإرادته العظيمة وثقافته التسامحية هامة بهامّية الاختراق الإنساني التصوفي، وكذلك لأنه كان محظوظا بمَحُوطيّته بمثقفين وَحْدَوِييّن أفذاذ من نوع بيرم خان المسلم، وتودَر مال البَرْهمي، ومان سِنغ، وخاصة المسلم «أبو الفضل».

لقد استطاع تجاوز المؤامرات التحازبية داخل البلاط، وأفكار عصره وتقاليده، و«أن يركّز جهوده من أجل إقامة سلطة مركزية غير دينية، قائمة مع روابط قوى فقط»[64].

لم يكن أكبر مجرد رجل ذا كفاءة في الحكم والسِّفارة والحرب، بل كان أيضا «قائدا لشعوب، وباحثا جَوّالاً عن الحقيقة»[65]. ولم يكن من أعظم حاكمي الهند السابقين، بل كان أيضا «أحد الأرواح الأكثر كونية»[66].

لقد غيّرت حركةُ «توحيد» الأمّةِ الأكَبَريةُ، الإمّة البرهميةَ، فظهرت حركة داخل الديانة البرهَمية تَجْنحُ-بوعي ودون وعي- لموافقة البرهمية مع تَجريدية اللاهوت الإسلامي ووحدانيته، ولو أنّ ذلك سَابق على العهد الأكبري بفضل الاختراقية التصوفية ذات المَلْمَح الإنساني- التسامحي.

كتب الملك أكبر إلى معاصره الملك التنويري مِثْلَهُ عباس الصَّفوي عام 1594م: «في دُول السيادة والدين الإنسانيّ، وبالألْفَةِ الأجْدَر بالتفضيل على التضادّ؛ فالسلام أفضل من الحرب. هذا، كما تصرّفنا منذ بداية [حكمنا] بعدم الاكتراث باختلافات الأديان، كما التباينات والتقاليد، والنظر إلى قبائل الناس بما هي كلها في خدمة الله، فشرعْنا بتلقين الإنسانية عمومًا يجب أن نعتبر أن الرَّحْمة الإلهية تمتد إلى كل أشكال المعتقدات، وأن جهدا أعلى ينبغي أن يُبْذَل من كل واحد من أجل الوصول إلى الجنة الأبدية الربيعيّة للسلام مع الجميع»[67]. أصبحت الهند أمَّةً. ولكنه لم يفكر في أسس مستقبل الوحدة الهندية حتى تستمر بدونه، ولم يفكر في أس العدالة الاجتماعية والحقوق المعاشية (=الاقتصادية) التي تضمن تماسك المضمون الهندي. 

 

د.عادل بن خليفة بالكحلة        

 (باحث إناسي،الجامعة التونسية)

...............................

[1]  رواه أحمد بن حنبل وغيره...

[2]  م.س.

[3]  ... ظهرتْ الإضافات على هذه المَحاور الرئيسية، بظهور الكتب الثانوية المقدَّسة بمرور القرون...

[4]  كاظم (جاسم محمد)، «التشابه ما بين الهندوسية والإسلام: ملاحظات شاهد عيان»، مجلة الحوار المتمدن، العدد 4253، 22/10/2013.

[5]  هندوشاه (محمد قاسم)، تاريخ فرشته، أنجمن آثار، طهران، 2002، ص 122. [وحتى إن حوّلنا ملايين فرشته، وهو الهندي، إلى، «آلاف» ابن كثير وابن الجوزي السلفيين لن نقلل من حجم الجريمة. و لم يكن ابن الجوزي وابن كثير يعرفان اللغات والمَصادر والذاكرة الهندية وهما بعيدان جغرافيا عن الهند على، عكس فرشته هندوشاه. وقد كان فرشْتِه طبيبا تجريبيا بينما كان السلفيون كابن القيم يحرّم الطب التجريبي فهم غير علميين].

[6]  انظر: بالكحلة (عادل)، «البيروني والقطيعة الإيستولوجية في العلوم الإنسانية»، على موقع الباحث.

[7]  بَروكلمان (كارل)، تاريخ الشعوب الإسلامية، دار العلم للملايين، بيروت، 1979، ص 268.

[8] Merçil (Erdogan), Zazneliler devleti tarihi, TTK, Yahinevi, Ankara, ISSBN 975-16-0189-4.

[9]  راجع: الأزرقي (محمد)، أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، دار الأندلس، بيروت.

[10]  الشَّيال (جمال الدين)، تاريخ أبّاطرة المغول الإسلامية في الهند، مكتبة الثقافة الدينية، 2001، ص 79.

[11]  الطريحي (محمد سعيد)، في العصر المغولي، أكاديمية الكوفة، هولندة، 2006، ص 66.

[12] Frédéric (Louis), L’Inde de l’islam, Arthaud, Paris, 1989, p.174.

[13] Ibid, P. 175.

[14] Ibid, p. 175.

[15] Ibid, p. 175.

[16] Ibid, p. 175.

[17]  م. س، ص 175.

[18]  م. س، ص 175.

[19]  م. س، ص 176.

[20]  م. س، ص 177.

[21] Frédéric (Louis), Akbar le grand moghol, p.300.

[22] Frédéric (Louis), Akbar le grand moghol, p.300.

[23] Frédéric (Louis), L’Inde de L’Islam, p. 183.

[24]  يايادُو بُولو (الكسندر)، جمالية الرسم الإسلامي، مؤسسات عبد الكريم بن عبد الله، تونس، 1979، ص 37.

[25]  م. س، ص 193.

[26]  م.س، ص 163.

[27]  م. س، ص 163 أيضا.

[28]  https://eferrit.com.

[29]  الشيال (جمال الدين)، تاريخ أبّاطرة المغول الإسلامية في الهند، مكتبة الثقافة الدينية، 2001، ص 109.

[30]  الطريحي (محمد سعيد)، م.م، ص 45.

[31]  م. س، ص 110.

[32]  م. س، ص 110.

[33]  م. س، ص 110.

[34]  الطريحي (محمد سعيد)، م.م، ص47.

[35]  م. س، ص 110.

[36]  م. س، ص 111.

[37]  ...وليس «الدين الإلهي»، كما جاء في الكتابات العربية المعاصرة التي لا تعود إلى مَصَادر العصر الأكبري، والمتأثر بوعي أو بلاوعي بالإمَّة السلفية- الوهابية، وغير الموضوعية، وغير العلمية!!!

[38]  م. س، ص 112.

[39]  م. س، ص 370.

[40]  م. س، ص 368.

[41]  م. س، ص 370.

[42] Frédéric (Louis) , Akbar le grand mogohol, Denoel, Paris, 1986, p. 275.

[43]  م. س، ص 275.

[44]  صَنْ (أمَارْتيا)، الهوية والعنف، عالَم المعرفة، الكويت، يونيو 2008، ص 162 وص 163.

[45]  م. س، ص 162 وص 163.

[46]  ...ترجمة: بالكحلة (عادل)، عَنْ لْوِي فِريدريك.

[47]  م. س، ص 334.

[48] Frédéric (Louis), Akbar le grand moghol, p.333.

[49]  م. س، ص 334.

[50]  م. س، ص 335.

[51]  م. س، ص 335.

[52]  م. س، ص 335 و336 و395.

[53]  م. س، ص 114 وص 115.

[54]  الشيّال (جمال الدين)، م. س، ص 90.

[55]  الشيّال (جمال الدين)، م. س، ص 90.

[56]  م. س، ص 91 [ من فرط انحياز المؤرخ السلفي جمال الدين الشيّال أنه دون أن يشعر لا يعتبر المسلم الهندي هنديًّا، معتبرا البرهمي وحدة «هنديا»، مخفيا روحا غزْوية- غزنوية للهند: «ففي عهد كان الهنود يدرسون مع المسلمين جنبا إلى جنبا»، ص 91، مثلا

[57]  المُرادي (أبو الفضل)، سَلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، ج4، ص 113.

[58]  مجيب الرحمان، «تذكار بأبي الكلام آزاد»، مجلة ثقافة الهند، المجلس الهندي للعلاقات الثقافية، العدد 201، 2003، ص 225.

[59]  م. س، ص 226.

[60]  م. س، ص 227.

[61]  م. س، ص 231.

[62]  طَبعَتْه ونَشرتْه مطبعة الشَّحْمي بتونس، التابعة للحركة.

[63]  مجيب الرحمان، «تذكار بأبي الكلام آزاد»، م.م، ص 368.

[64]  م. س، ص 371، نقلا عن كـ.م. مُنْشِي.

[65]  م. س، ص 371.

[66]  م. س، ص 371.

[67]  م. س، ص 370.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم