صحيفة المثقف

ليبريتاس

انعام كمونةفاتنة الغموض تلك المنسوخة الحروف المتهيكلة النصب، محتشدة التأمل بشعلة الكبرياء الناصع، ملامحها تبوح: للضباب المجعد الألوان واللسان، تلك الشاهدة على الظل والضياء من بنان قمم شرقية الفكرة بمخملها المخضب الحضارة، أراها.. شامخة.. ملتفعة قدسية الذات بسخاء التصنع تخالها فارسة الصهيل الآتي وما ضمر من فصول التآخي، قابعة الحنين بوشم أنثوي اللفظ، ح..ر..ي..ة مزينة بمعصم وقلائد فرعونية، تمخر بأشرعة الود بحار خديعة بملاحة مكر رائق، تستكين بكتمان شفاه جذوة السر وهشاشة مقنعة خلف ساتر الضوء. فتلك الرشيقة الأشم لا يصاحبها إلا اشباح البرد وغيوم عارية الحياء لاجتياح راياتي..!!، تتغنى أوتارها ليلا ونهارا صراخا يتوضأ دهشة موقوتة الحروب بقاموس التحرر، ليقطف زيتا مكتنز الدفء من موانئ موقدي!؟ ...

على موجة باهتة الامتداد يلتفع تمثالٌ الحريةِ شغف (فريدريك بارتولدي)* يرتوي تخيلهُ الممشوق من فلاحة فرعونية، هكذا أخبرني صمته منذ حلم وترنيمة أمنية ممزوجة الرموز من سحنات عروش سمراء ووشاح روماني بأساور فرنسية يعانقها البرق وسمات ملاك، قال: بكت أصابعي من جليدها الأزرق في تعاريج الأفق فألبستها الرأفة، وهمس لي بدموع أزميل الفكرة خوفا أن يؤذي جسد (ليبريتاس)* نسج طلل الترف تاجا لظلالها، واردف ممتعضاً قد قلدتها أمانة تنوير العالم، لم أكن أعرف ستكون صرح بركان ثلجي المراوغة تبعثرها جمهوريات الاقنعة هنا وهناك مكتظة بقرابين ثكلى وجوع النواصي وعويل مملح الجراح برائحة عباءة الانسانية .

لم تقنعني صحوته المتأخرة العقود بجسد التناقضات البراقة تركته بخيبتهِ الشاخصة في تخوم معتقة التاريخ لحنين يقظتي، أَتَعْلَم تلك الفاتنة الجوفاء الإسمنتية المشاعر بقيودها اللا مرئية وأعمدتها الغائرة العمق في خصر بحر نيويورك الراسخ الأفق في سحب منهاتن والمبللة الضمير بوشاح لا يرتوي إلا من اعتصار رحيق الانسانية ؟، أم غرورها يطاولها التطلع لأقدامها المكبلة بموج شارد الضفاف تُغرِق ما يعتليها من رذاذ الترجي و مطر الامنيات، فتسرق ما تبقى من تواجد طيفي على طبق العقول ضيفا في رمق النور؟...

هناك على لسان شواطئ فردريك قد اغتيل تهجد (ليبريتاس)* انهمرت دموعها زوبعة ندم قارص، جُلِدَت ابتهالات معابدها بنعيب السواد فارتسم هشيم الحرية على خارطة ربيع عربي أحمر، يغازل حروفها حناجر السيوف، وتصدح معانيها بصرير الجماجم، فتغزل اقدام أوردتها بدم ضحايا أوداج التراب، ببراءة الطين المُنكه بطهارة السماء !!

ها أنا تحرقني شعلتها المتشظية اليمين باقطاب ممغنطة الذبح ملتوية الوتين، اراها تكحل عذوق ترابي بأسود قاني...! فكيف ستواري سوءة كُتيبها الأيسر إن راودها غضب صلصال الخريف؟.

***

نص / إنعام كمونة

....................

* المثال الفرنساوي المهندس فريدريك اوجوستيه بارتولدي الذي صنع تمثال الحرية

* آلهة رومانية قديمة تمثل التحرر من العبودية والقهر واستبداد الحكام

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم