نصوص أدبية

محمد درقاوي: أنثى بلازيف

لم أعره اهتماما ولا اليه قد أنتبهت، وهو يأخذ مقعده قريبا مني في أحد مقاهي المدينة السياحية أغادير، فقد استغرقني نص باهتمام حول مفهوم الجندر وما صار يسيله من مداد "كمفهوم أكتسب كل الاحتمالات المطروحة ويعيد تشكيل نفسه من خلال اللغة المستخدمة" بين متطفل يتلاعب بالكلمات، ودارس متمكن يعطي للمدلول حقه بانصاف..

انهيت القرأءة، وضعت هاتفي في جيبي ثم شرعت أتمم رشف قهوتي.متنسما هواء صباح أغدير المنعش حيث قيظ الشمس لا يلوح باثر الا بعد العاشرة صباحا..

أثارني الرجل الذي جلس الى جانبي بالتفات، فقد كان كثيف الشعر بوفرة تركها تنزل الى كتفيه في مزيج بين أبيض ورمادي ومخضب بحناء، أما لحيته الزعفرانية فقد استطالت ومني قد أنتزعت بسمة عريضة وتذكارا للشاعر الفذ ابن الرومي وهو يهجو لحية البحتري..

بين حين وآخر كان الرجل يلتفت الي، يحدق في وجهي طويلا، كأنه يسترجعني من بين ركام ماضيه،يهم بالحديث معي ثم يتراجع

بعد حوالي ساعة تقريبا أقبلت أنثى لا يمكن تحديد عمرها فقد كانت مقمطة في سواد،جلباب فضفاض تحدى طولها بإضافة وخمار لايسمح لغير فتحتي عينيها بظهور.. جرت كرسيا من الجهة الأخرى ثم جلست تبادل صاحب اللحية حديثا هو من الهمس قريب  بحته لا تغيب..

كان يبدو عليها نوع من اليأس والضجر وقد ضاعفت حرارة الشمس الصاعدة وهي تحيي الساحة بوصول من إحساس ما تعانيه، تعب زاد  قماطها الأسود الخانق من معاناتها..

قالت في همس منكسر وقد افرغت صدرها بزفرة حادة قوية :

ــ لايمكنني أن أبحث أكثر، تعبت، لا واحدة أرادت أن تشاركني سكنا، كأني مجذومة.. كم قلت لك:

 اللباس لا يضيف تقوى، لكنه يعكس شخصية واتجاه..

عنها كان عقل الرجل منشغلا، فعيونه امتدت سارحة تتابع ثلاث سائحات أجنبيات نصف عاريات،يقطعن ساحة المقهى،وما أتى به تعليقا على رأي البنت لم يكن غير أصرار على قول سابق يجتره بعناد :

ـ اللباس واجهة عفتك، أما الدراسة فقد قلت لك لدينا معهد نسوي في القرية،تعلمي فيه الخياطة فربما يكون مستقبلها أفيد من علوم صارت الى الكفر اقرب، مملكة المرأة بيتها لا علمها..

يصمت قليلا ثم يتابع وكأنه يتعمد تسميعي تاريخ حياته :

ـ أبوك تخرج معلما اقل منك مستوى ووجد في كتب المشاييخ ما أغناه عن متابعة دراسته، هل مت؟..لا زلت حيا.. تركت التعليم في أوج عطائي،كونت أسرة وانجبتك "واتقوا الله ويعلمكم الله "

كلمة معلم أثارتني، حسستني بالدونية والغبن، إذا كان مثل هذا معلما حمال أفكارهدم وسوء تأويل،فأية نتيجة ترجى من تلاميذه؟. واية عقلية قد يشكلها على مستوى القدوة قبل المعرفة وطريقة التبليغ؟.. أي جيل منتظر لبناء مستقبل كل ما فيه يغلي علما وتكنلوجيا وذكاء اصطناعيا؟.. لم نتأخر عبثا !!..

تذكرت معارك عشتها مع مثل هذه النوعية من المعلمين حين كنت مفتشا قبل تقاعدي، كنت لا أهادن ولا أتوانى في الضرب على يد كل من يرتدي الدين لباسا والتقاليد غطاء لا يملك من المعرفة إلا ما يلتقطه من افواه الأغبياء ولايبذل من الجهد الا ما يصرف به الأيام بالتراخي الى آخر الشهر..

هل للدين لباس معين؟.. وأي دين وضعي أو سماوي يمنع من تعاطي العلم والبحث فيه ورؤية الغد بتوقع وعيون مفتوحة على العالم بأمل على تجديد الرؤى الإنسانية؟..

كانت البنت لا تأبه بما يقول، السخط في صدرها عرق يبلل خمارها ويغطي عيونها بغبش تمسحه بقفازتها السوداء بعد أن ضايقها باحتلال أشفارها الوطفاء الطويلة، مقلتاها ترمي نظرات التأسي الى الشارع تتابع أكثر من بنت من اقتنعت بلباس مقبول ومن فضلت التعري في مدينة كل مافيها يغري، لكن لا أحد يفرض توجها أو يحرض على نموذج معين..

التفت الرجل الى وقال بعد السلام :

ــ اسمح لي أن اسالك، هل أنت من سكان المدينة أم زائر مثلي؟..

حدقت في وجهه وخلف لحيته البحترية تداعت علي صورة باستحضار..

ـ ألست ألسيد حماد متروك؟

تبسم بزهو في وجهي وقال :

ـ نعم أنا بالذات،هل تعرفني؟

ـ بادلته البسمة بأخرى متواضعة باردة وقلت :

ألا تذكر شابا قاسمك لمجته في أحد دكاكين الوجبات السريعة في انتظار خروج نتائج التعيينات؟

ـ نعم، أهو أنت؟.. صحيح !!..السيد عزيز، كنتَ محظوظا بتعيين قريب من المدينة وبسرعة ترقيت وصرت مفتشا تبارك الله.. أربعين عاما تغيرت كلية، كنت هزيلا والآن صرت ماشاء الله بطول وعرض، لهذا لم أعرفك..

تعمدت أن أتابع بنته بنظر وهي تغير مكانها متحيزة لضلال مضلة المقهى، فربما أصرفه عن متابعة رحى لسانه يطحن حسدا..

بعد دردشة قصيرة،عرفني ببنته :

طالبة حصلت على بكالوريا في العلوم التجريبية وتسجلت في الجامعة شعبة الاقتصاد لكنها لم تجد مكانا تستقر فيه،ثم شرع يتكلم باسهاب عن حياته كيف فضل الانتقال الى البادية بعد موت أبيه ثم الاستقرار بها بعد تقاعده..

كانت سرديته متفككة كأنه يخفي أشياء بقفزات يقطعها بآية أو قولة مأثورة هي كل ما بقي لديه من معرفة..

كأنت الساعة قد تجاوزت الواحدة والآذان على وشك الإعلان عن الظهر.. انتقلنا الى ساحة تقام فيها الصلوات وظلت البنت تنتظر بالمقهى.. وانا أتحرك من مكاني أشرت الى الناذل بغمزة وحركة من يدي أن يقدم للبنت شيئا يطفئ ظمأها..

جاملته بدعوة أن يكون وبنته ضيفي على الغذاء، فقبلها برغبة دون أدنى أعتراض..

لما دخل بيتي وعرف أني أعيش وحيدا استغرب كيف يحافظ البيت على نظافته وأناقته في غياب صاحبته، وكيف استطعت الحفاظ على عهد المرحومة،لكن لما حاولت أن أحدثه حول الفجوات والضغوط التي صارت تتحكم في زواج اليوم خصوصا بالنسبة لرجل في سني صار يمطرق رأسي بأيات وآحاديث ينتزعها من سياقها بلا وعي حول تحصين النفس وتلاعبات الشيطان فسحبت نفسي  بصمت من صداع لا فائدة بعده..

عادت بنته لتشاركنا الشاي بعد أن فضلت الغذاء مع الخادمة وأظنها تعمدت العودة بعد أن سمعت أباها يبالغ في حكمه والظهور بمظهر الولي الصالح..

ونحن نشرب الشاي قال لي : هل الخادمة تظل معك؟

فضول أخذني بغير قليل من استغراب، محاولة لتجاوز حدوده، تبسمت وقلت :

لماذا؟ عادي.. وحتى أرضي فضولك فهي لا تبيت معي، تروح الى زوجها وأولادها متى أنهت أشغالها..

ظهر عليه الارتباك وقال :

لا، لا،ليس فضولا وانما اتقاء للشبهات واحتراسا من خلوة محرمة،غير شرعية فقد لاحظت أنها لازالت ما شاء الله شابة وجميلة..

كرهت أن اتابع معه حديثا، حرص على الدين وهو لم يستطع غض بصره قلب حرمات غيره.كما يوصي الدين.

كنت أحس بغليان ابنته التي كانت عيونها تعكس غضبها من فضول أبيها، وقلقها مما ينبش فيه ويحاول أن يعرفه من اسرار.

كان عندي يقين لوما حياؤها  مني لردت عليه بما يلجم فمه..

اعتذرت وعادت لرفقة الخادمة تريح اسماعها مما كان يمطرق به أبوها دماغي،وتسمح لنفسها من التنفس بلا خمار..

وقد أخبرتني خادمتي أن البنت توسلتها بطلب :

ـ أرجوك اعتذري للسيد عزيز عما بدرمن أبي فالفضول من عادته..

ـ قبل أن يودعني عانقني كتفا لكتف،ترك لي رقم هاتفه والتمس مني طلبا :

ـ أرجوك أستاذ أذا ظهر لك سكن رخيص لبنتي أن تخبرني، فكما ترى رغم رفضي،فهي تصر على الدراسة في الجامعة..

لا أدري كيف طال مني اللسان وكيف تهورت حين قلت له :

الجامعة ستفتح أبوابها هذا الأسبوع والى أن تجد لبنتك سكنا فبيتي في وجهها مفتوح إذا كان هذا لا يتعارض مع مبادئك..

كنت أترقب رفضه لاني وحيد وخادمتي كما أخبرته تغادر مساء فكيف يسمح أن تجد بنته نفسها في خلوة ليلية مع رجل؟ لكنه تلقى العرض بسعادة خرجت من عيونه شرارات اغتباط، بسرعة التفت الى بنته وقال:

ـ السعدية ماضاق أمر الا فرجه الله،السيد عزيز يعرض عليك غرفة في بيته للسكن..

بادرت بتوضيح فأكدت لمدة قصيرة الى حين تجد لها سكنا..

انتظرتها صباحا، بعد أن أوصيت خادمتي بإعداد غرفة صغيرة قريبة من حمام إضافي خاص بالزوار، لكنها تأخرت.

وأنا عائد بعد الظهر هاتفني أبوها يخبرني أن السعدية بنته في البيت وهو في انتظاري معها.. فرارا منه ادعيت أني لن أتغذى في البيت لاني مدعو خارج المدينة وقد كلفت الخادمة لتقوم باللازم وستبيت معها اذا تعذرت عودتي مساء..

فاجأني وهو يقول :أنا أبيت معها الى حين عودتك، لا تقلق نفسك..

وبكلمة قاطعة أبلغته رفضي وطمأنته على بنته وراحتها بلا حضوره..

رجعت مساء وأنا حذر من وجوده لكن الله سلم، كانت بنته وحدها بالبيت وهي من صرفت خادمتي بعد أن طمأنتها أنها ستقوم باللازم..

اول أستغراب لفني بحيرة أن السعدية كانت مكشوفة الرأس لاترتدي غير تنورة تبرز تقاطيع جسدها..

كانت البنت جميلة بذات مسبوكة، ناهدة الصدر، عيون كحلية ناعسة لم يكن السواد الذي كان يلفها غير قتل لأنوثة اصر عقل أبيها على محوه بأمر في حين انه لم يستطع أن يكف بصره عن خادمتي والتطلع اليها واقتراح المبيت مع بنته معها..

ونحن على مائدة العشاء قالت لي :

لا حظت أن السيد عزيز رجل منفتح على الحياة، متحرر الى حدما في سلوكه،هل من الممكن أن أتكلم بصراحة؟

كان صوتها مزيجا من بحة سجية فخلتها كأنها تهدل كلماتها.. تبسمت في وجهها وقلت :

أنت في بيتك،مارسي حريتك كما تبتغينها بلا حرج ولا خلفيات.. كنت أخشى أن أجد صعوبة في الحركة داخل البيت لكن حين وجدتك بتنورة وشعر مكشوف قلت :

أنثى تبرز حقيقتها بلا نفاق ولا زيف..

إضافة أخرى يجب أن تتأكدي منها،وهي ان كل ما تقولينه هنا سيدفن هنا..

تحجرت في عينيها دمعات ثم بدأت تحكي :

ـ مذ وعيت الحياة وأنا لفيف حصارلا أتحرك الا بأمر،عانيت خلال تعليمي ونلت من الشتائم والكراهية ما كان يبكيني، كان أبي يتمناني ذكرا ينقده من خيباته.. وحيث أني أنثى فقد حاول أن يقايضني بامرأة يتزوجها بعد موت زوجها في السجن..أصررت على الجامعة لاتخلص من واقع بيت،أمي فيه خانعة محكومة بقهر، وأبي سلطوي مستبد بلا مبدأ.. كنت أسعى لأبتعد وأنأى، وأتجاوز العراقيل التي يضعها في طريق تعلمي، فهو لم يقبل مصاحبتي للبحث عن سكن في أغادير الا بعد أن اشترط علي طرحة تقمطني بلفيف ظلامي، كانت أمي تشجعني على الصمت والقبول الى أن أحصل على ما اريد..

لما أنت اسعفتني بانقاد موقت أ صر على ان يظل معي وعيونه على الخادمة فامتنعت وكدت أرجع خائبة من حيث أتيت، ولم يرضخ بانصراف الا بعد أن كلمك وكنت َمعه صارما..ومن عادته أنه يجبن لاية صيحة تخيفه، عادة تلبسته مذ دخل السجن وتم فصله عن وظيفته والتي ماترسم فيها الا بعد أن رسب مرتين وفي الثالثة قدم رشوة  للنجاح بواسطة مدير المدرسة..

أبي كان شرف الله قدرك عاشق غلمان ـ سيدي ـ ولم يرتدع الا بعد أن دخل السجن بعد شكاية قدمها ضده أحد أولياء التلاميذ..

بعد السجن خرج وهو يعتنق التشدد متأثرا بأفكار تأثر بها من أحد المساجين حيث أرجعته الى السجن سبع سنوات صار بعدها ألين مما كان لكنه لم يتنازل عن مفاهيم باطلة في عقله قد ترسخت لانعدام الوعي والمعرفة وعشقه لتأليه الأشخاص والتماهي بالموتى

خنقتها عبراتها، أنثى كان باستطاعتها في وسط سليم أن تكون أرقى فكرا وابلغ معرفة ورغم ذلك فما خاطبتني به من كلمات كانت لا تعكس الا فكرا صافيا واعيا يعاني لكنه يقاوم ويصر على النجاح وعلى تغيير المسار المتحكم فيها..

 سألتني بعد العشاء

هل السيد عزيز يشرب الشاي ليلا؟

ضحكت وعليها أعدت السؤال :

وليلا ماذا تفضل الآنسة السعدية؟

ـ قالت وبسمة ساحرة تركب محياها :

أيهما توفر شايا أو قهوة،المهم أن أقاوم النوم من أجل دروسي..

ـ المطبخ أمامك وانت حرة في بيتك..

وهي تلتفت الى المطبخ بادرتها :

ـ مارأيك نشرب شايا او قهوة خارج البيت؟

ـ بسرعة ردت :

ـ كما تريد لكن ألا تخشى العيون؟

ـ وهل نحن صغار؟أظنك قد جاوزت الثامنة عشرة

ـ من هذه الناحية لا تخف..

جلسنا في مقهى شرقي على الشاطئ، كانت معي انثى تضيء ببهاء ربما لباسها لايناسب المكان  فلم يكن مقورا ولا مشقوقا كما ترتديه غيرها لكنه كان مقبولا واستطاعت أن تحرك العيون بالتفات..

كانت تتكلم بلباقة وأدب في رزانة توحي للناظر أنها مع أبيها..

ما أثارني فيها أنها لاتبسمل ولا تحوقل ولا تنتقد غيرها بلسان ولا انتباه..حاولت أن أعرف رأيها فطرحت العبارة التالية :

المدينة سياحية، الكل عار الى درجة المبالغة أحيانا، وغير بعيد منا قوم يتعاقرون خمرا والكوؤوس بينهم دوارة..

تأملتني وكأنها تقرأ حقيقة ما أقول ثم قالت:

السيد عزيز، لا أحد مسؤول عن غيره، ولا أحد يستطيع أن ينهي منكرا نفس الانسان هي أول منبع له.. ما أعرفه عن الخالق أنه غني عن العالمين وانه لا ينظر الى صور خلقه، قد يذنب مذنب ثم يستغفر ربه فيغفر له ويظل النمام الفضولي المريض باقتفاء أسرار الناس متابعا بلسانه،لهذا أومن بأن كل إنسان مسؤول عن نفسه ولا أحد يتحمل وزر غيره..

كنت أقارن بين السعدية ونحن في المقهى بحضور أبيها مقنعة في سواد وكلمات مهموسات مبحوحات وبين السعدية التي تجالسني متحررة بلا قناع ولا قذائف من نظرات نفاق وكذب وادعاء..والتي ما أن وقفنا للعودة حتى تأبطت ذراعي بعفوية ولا اسقاطات..

رجعنا بعد الثانية صباحا، حمدت لها ليلة سعيدة وصعدت الى غرفة نومي في الطابق الثاني..

أنثى قد أستغرقتني بتفكير..

كيف نجت من قبضة تربية متشددة بنفاق؟

كيف تخلصت من تناقضات صارخة هي تجليات فكر أبيها،

وكيف استطاعت أن تحوز فكرا متنورا بين الظلمات وسطوة التأمرات ما يدل على قراءات واعية وتفهم للحياة؟..

رجعت يوما فوجدتها فرحة غامرة في البيت،قفزت علي بعناق وقبلات لم اعرف لهما سببا..

ـ خير ان شاء الله، عريس ظهر أم هل وجدت في البيت كنزا لاعلم لي به؟..

ـ العريس لا افكر فيه مطلقا،أما ما وجدت فهو أكثر من الكنز، وجدت مستقبلي في بيت أعز رجل من يوم عرفته وأنا أرتقي سلم وجودي..

كل ما فكرت فيه كان خارج نطاق تفكيرها، كانت صفاء،وكنت بقايا ذكورة لازالت تلسع بسوء ظن..

كانت لا تغادر مكتبتي،نباشة ماهرة، فقد وجدت في خزانة صندوقة كارتونية مليئة بكتب ودفاتر أبني وبحوثه حول الاقتصاد والتجارة الخارجية، تركها بعد دراساته العليا واشتغاله خارج الوطن..

كانت لا تتوانى أو تتراخى في واجباتها الجامعية، نملة شغالة تبحث وتبدع في كتاباتها حول كثير من الظواهر الاقتصادية

تمتاز بأسلوب سلس واضح بثلاث لغات..

جاءتني يوما تشكو أستاذ مادة وضع الميزانيات بها يتحرش :

 ـ لا أريد أن أقيم ضجة أنا متهمة فيها كيفما كانت النتائج..

ـ فكر سليم ونتيجة منطقية..لك أجد حلا..

تقربت من أحد أصدقاء الأستاذ وكان لي صديقا فدعوته لغذاء مع الأستاذ في أحد المطاعم الفاخرة كانت معي السعدية وقد تفاجأ الأستاذ بوجودها فقدمتني اليه كعم تقيم في بيته بين أبنائه.. أدرك الأستاذ الرسالة وعن السعدية قد خف باحترام..

كان أبو السعدية قلما يأتي لزيارتها فغباؤه كان يوهمه أني لا أحس أسلوبه الانتهازي، وأنه قد اقتنصني كفرصة تستفيد مني بنته التي لم يكن يفكر الا في منحتها، بل لم يعد يهتم حتى بماصارت ترتديه من ألبسة مناسبة تليق بها كفتاة عصرية وطالبة جامعية،لكن بين حين وآخر كان يرسل زوجته كضيفة بلاحرج ولاهزة من دين تختلي برجل عاب عليه خادمة تباشر حاجاته العامة.، ولبيتها وأولادها تروح مساء. ولم يعب على نفسه زوجة يرسلها لرجل ليس من محارمها قد تجد نفسها معه في خلوات غير شرعية وكما قالت زوجته :

ـ كان يتخلص مني لأترك له البيت يمارس فيه كل متناقضاته، شبه رجل ببغائي،فضولي بلا مبادئ..

كانت أم السعدية في العقد الرابع من عمرها الصورة ألأصل لبنتها بينهما تشابه كبيرلكن الام قد هدها تعسف الزوج وسطوته وتحكماته وشحه حتى صارت أنثى يركبها الخوف مما كانت تناله من لكماته وركلاته..

كانت سعيدة بما بلغته السعدية، وما حققته في رعايتي..

ـ فضلك لن ينسى أيها الكريم لولاك لكانت السعدية متزوجة أحد أولا د القرية تعيد حياة أمها..

هل تدري لماذا كان يمنعها من مواصلة تعليمها؟.. إصرار منه على تزويجها بابن أحد المعلمين لا شغل ولا مشغلة،تعرف على أبيه في السجن وفيه قد قضى نحبة.. كانت عيونه ترتمي على زوجة الفقيد..

تخرجت السعدية ونالت الماجيستر بميزة حسن جدا واستطاعت أن تفوز في مباريات مدارس اوروبية ذات تخصصات عالية في الاقتصاد والتجارة عبر القارات..

أعددتها من أبنائي، و فيها قد أثمر الخير، وأول حجة لي كانت هدية منها...ودعوة لأمها أن تطلب الطلاق وتلحق بها الى لندن حيث صارت مرشحة لمنصب عال في أحدى المؤسسات الاقتصادية الكبرى..

***

محمد الدرقاوي - المغرب

في نصوص اليوم