صحيفة المثقف

رأي مختلف في المعري

ناجي ظاهر(قراءة سريعة في كتابة بديعة)

ينطلق الكاتب الناقد اللبناني الخالد مارون عبود في كتابه عن ابي العلاء المعري "زوبعة الدهور"، من فكر نيّر مستقل، لا يعبأ بأصحاب القول العنيد" عنزة ولو طارت، ويتوصّل بالتالي الى استخلاصات جديدة واجتهادات فريدة، تشمل اضافةً عميقة جدًا الى ما سبق وقيل عن شاعر المعرّة  صاحب " ديواني" سقط الزند"( الشرارة تخرج من ارتطام حجرين)، و"لزوم ما لا يلزم"، الذي انتهج فيه المعرّي نهجًا غير مسبوق متّبعًا نهجًا فريدًا.. ثلاث قواف متتابعة لا قافية واحدة كما درج الشعر العربي عليه في ابداعاته المتنوعة.

الكتاب صدر عام 1945، عن دار المكشوف اللبنانية، وما زال صالحًا للقراءة والاستفادة منه ومما ضمّه من اجتهادات عبوّدية ذكية وجريئة ايضًا، وقد اعدت قراءته مؤخرًا، بعد ان توفّرت لدي نسخة اصلية قديمة منه.

قبل التوغل في التحدث عن الكتاب وما فاض به من اجتهادات لافتة خاصة، اود ان اقدّم فكرة عنه، يقع الكتاب في 276 صفحة من القطع الصغير، ويتطرق فيه مؤلفه، العلّامة، إلى العديد من المحطات الهامة في فهمه لابي العلاء وفي تاريخه وعطائه الثرّ الثمين. مثل: كيف كنت افهم المعري، مدرسة ابي العلاء ومعتقده، مذهب ابي العلاء، وشاعر العقل الفاطمي.

واضح من هذه العناوين، لا سيما الاخير بينها، ان عبّود يقدّم اجتهادًا جريئًا وغير مسبوق في فهمه عقيدة ابي العلاء، وانه يحاول ان يتعمّق في قراءته له عبر نصّه وليس عبر شخصه، كما حاول ويحاول الكثيرون، وفق عبود ذاته.

من الاجتهادات المختلفة واللافتة في قراءة عبود لابي العلاء في كتابه هذا، قوله ان اللزوميات ما هي الا نظمُ متمكن، وانها لا تختلف في كينونتها عن الفية ابن مالك المعتمدة على النظم، وليس على الخلق الشعري، وبعيدا عن تقديس آخرين للمعري، يتقاطع عبّود ويتفق مع الكثيرين من دارسي المعري.. في ان قصيدته " غير مجد في ملتي واعتقادي" هي من عيون الشعر العربي.

يطرح عبود في كتابه هذا السؤال الذي طالما طرحه آخرون عن ابي العلاء مُفكرًا، ويُفهم من حديثه عنه انه لم يكن مبادرًا في افكاره، وانما هي كانت رادًا لأفعال، مثل موقفه من اللذات التي يقول عنها" ولم اعرض عن اللذات الا لأن خيارها عني خنسنه". ويلخّص رأيه هذا في اننا لا يمكننا ان نطلق على المعري صفة الفيلسوف، كما فعل كتّاب مصريون في عدد مجلة" الهلال "المكرس له ولذكراه الالفية، وانما هو يقدّم اجتهاداتٍ متشائمةً للحياة والانسان وحسب.

مع هذا يعرف عبّود قيمة المعرّي مفكرًا وضع العقل في اعلى سلم اولياته " حكّموا العقل لا امام سوى العقل"، وينهي كتابه بخاتمة قصيرة تحت عنوان "عنزة ولو طارت"، ينعى فيها على اولئك الذين لا يحترمون المعري وعطائه بقد ما يقدّسونه. ضمن اشارة ذكية منه للنظر المتمعن فيما خلّفه من تراث ابداعي. ويكفي لفهم هذا الكتاب، جيدًا، ان ننظر في عنوانه" زوبعة الدهور" لنتأكد من ان عبود يحترم المعري.. لكن لا يقدسه.. وفي هذا حكمة تدل على شجاعته وخصوصيته المتفردة.. ناهيك عن انها تدل على ناقد عميق النظر.. وافر الاطلاع.. يقول كلمته ولا يمشي، وانما يتوقف عندها معتبرًا اياها رسالة عظيمةً ومسؤولية تاريخية.

كتاب جدير بالقراءة.

 

ناجي ظاهر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم