صحيفة المثقف

الفنان التشكيلي العراقي ضياء حسن يشيد تكويناته بلغة تعبيرية لونية

جمال العتابييحاول الفنان ضياء حسن أن يبني عالمه الخاص الذي يحمل سمات شخصيته وهو يحكم الصلة بين إتجاهين في أسلوب أعماله التشكيلية، لا تناقض بينهما، احدهما يكمل الآخر، في النهاية يمنحان الفنان معاً قدرات الإيماء، لبلوغ جوهر الخطاب الفني إجمالاً.

المنحى الأول في إسلوب ضياء يتمثل في الكشف عن كيان الحرف والكتابة، وكل ما يتعلق بهذا الرمز اللغوي، معتمداً على تطلعاته الفنية المعاصرة، وإنطلاقاً من إحساسه بجمالية الحرف نفسه، كأساس، وإلى المقطع والنص الحروفي، وغالباً ما يستخدم ضياء الخطوط المغربية، لتأثره بأجواءالثقافة في المغرب العربي، كونه أكمل دراسة الدكتوراه في الفن بإحدى الجامعات التونسية، وهو منحاز في كشوفاته الذاتية الى ليونة الحرف المغربي واستجابته للون، وعدم السكون، في خلاف مع الحرف المشرقي، إذ يعتقد ضياء انه حرف جامد وصلب.

ان استلهام الحرف في الفن الذي ظهر منذ العصور القديمة، في النحت السومري البارز، منذ ذلك التاريخ، إستطاع الفنان أن يكتشف صياغات جديدة هي في أصلها ضرب من أساليب التعبير، ضمن مناخ الإنساني والإجتماعي والروحي والعاطفي معاً.

إن جودة وجمال تشكيلات ضياء، تكمن في إستخدام الخطوط كوسيط ينقل عبره للمتلقي ما تحمله تلك التشكيلات اللونية من معانٍ، بإعتبارها وحدات تجريبية مستقلة قائمة بذاتها لها من الطاقات ما يجعل منها إسلوباً ينفرد به ضياء حسن يخرج به عن الأشكال التقليدية في إستخدام الحرف إلى أفق عصري جديد، ولغة تعبيرية جديدة تستوعب الوجود بمعناه الزماني والمكاني معاً. لغة تنشد الحقيقة من منطق واقعي، إن استلهام الحرف، ولاسيما الآيات القرآنية في أعمال ضياء، هو أول الطريق في التصوف الفني إذا جاز لنا هذا التعبير، لان الفكر الصوفي بدوره ينزع نحو الحقيقة.

في المنحى الثاني من اسلوب الفنان حسن، نتوقف عند توظيف الحرف توظيفاً معمارياً، أو هندسياً، ونقصد هنا إستخدامه الخطوط المستقيمة، والأقواس والمنحنيات، ان حقيقة جمال الأشياء تكمن في تصميمها، وان أكثر الذين فهموا التصميم على حقيقته هم الفنانون ومهندسو العمارة، إن ضياء يخوض غمار هذا الميدان، ولديه من المقومات التي تقوده نحو وحدة الموضوع، والتنسيق اللوني، ووحدة النظام، فضلاً عن التنويع، وهي عكس التكرار الممل، ان وراء هذه الأعمال عقل منظم، ، هذا ماتوحي به تلك الصرامة والدقّة في التخطيطات، انه يلجأ الى نقل أجزاء من أشكال الطبيعة، أو أية حركة إنسانية كنقطة بداية، سرعان ما تتحول إلى قيم لونية، وتكوينات تنبض بالحياة والحب والعناق.

في هذا المنحى الأسلوبي يمكن ان نصنّف أعمال ضياء ضمن ما يعرف بالفن التجريدي الهندسي، الذي يقوم على التنسيق في الإيقاع والتوازن اللوني، بما يشعرنا بقوة البناء وتماسكه، فالتجريد حركة، ومفهوم الحركة ليس مطلقاً، انه مرتبط بالهندسة متأثرٌ بها، الخطوط تتلاقى، وتتباعد، وتنسجم، وتتلاحم في صراع مدهش كصراع الحياة نفسها، تنطلق مستقيمة أو منحنية، لينة حانية، تتداخل وتتشابك مثل أفرع شجرة ضخمة. في شد هائل يعبر عن القوة والرشاقة، مما يدفع عين المتلقي أن تجوس فيها مستكشفة إيقاع الخط النفسي، وإنسجامه الفني والشكلي.

ان استقصاء آليات العمارة الهندسية، قادت ضياء الى إكتشاف أساليب تقنية معينة، شاعرية في جوهرها، واصبح بإمكانه أن ينقل الى الورق أو القماش صوراً مدهشة ومثيرة لأفكاره ورغباته، بحبكة عالية، وكأنه نسّاج، أوخياط ماهر، الشكل لديه واضح ومصمم، لا تجريد مطلق، ولا هندسة مطلقة، انه مجاورة لونية لتكوين جديد بولادة جديدة. لعالمه الجميل الذي يصنعه.

وعلى الرغم من ان ضياء لم يخترع أشكالاً هندسية جديدة، لكنه على دراية بجمال الخطوط، والإحساس العالي باللون، فتميز من تحقيق قدر عالٍ من المتعة البصرية، لتكوينات متعانقة يشيدها ضياء بتأنٍ وصبر، فيها إستعادات لرموز عميقة وشيقة في آن واحد.

ما من فنان سلك هذا الطريق دون إخلاص، لفنه ومواقفه الجدلية، فالفنان ضياء حسن يحمل شهادة الدكتوراه في علوم وتقنيات الفنون، شارك في معارض جمعية التشكيليين العراقيين لعدة دورات، كما شارك في معارض تشكيلية عربية في تونس والجزائر، وأسهم في تصميم وتنفيذ العديد من المطبوعات، والشعارات والماركات للمؤسسات العلمية والثقافية.

 

جمال العتّابي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم