صحيفة المثقف

المفردة الشعرية النسوية في الشعر العربي الحديث (2)

انعام كمونةليلى الطيب في نصيها: "فستاني وأحمر شفاه" أنموذجاً

- سبق ان قطفت من رؤى الشاعرة المفردة النسوية البحتة من كلا النصين، ومن الأجدى ان أُكمل دراسة بعض العتبات كما أشرت في الجزء الأول، ليتعرف القارئ على محور المضمون وقصدية الموضوع، لقضية اجتماعية هامة نتعايش معها يوميا، كقيم متجذرة بالمجتمع، مسببة كثير من الشروخ بين الجنسين وهوة متصدعة، الا وهو الفطرة الأنسانية للمرأة...

- نسترسل برؤى الشاعرة فنستقرأ التأثر النفسي بفلسفة الأحاسيس في كلا النصين، والتي تنضح بوجدانية الشعور لتعبر عن قضية انسانية عامة متغايرة التداول، خلف ستائر المسموع، عبرت عنه عناصر متنوعة بقصيدة نثر معاصرة للمواقف بحداثة الرؤية، وبلغة انثوية متشابهة الشعور مختلفة التعبير بنكهة عاطفية، وبناء تعبيري بتقنية تشكيل لتكوين كيان النصين، وبتوظيف الرموز والعلامات والإشارات سيميائية إيحاء ينوء ببعضهِ البعض ليتماسك ترابطه، ويتشابك مقصده أكثر، فيعم بمضمون دلالي متناسق، وبشمولية الصلة بينهما المناجاة النفسية، بعتاب روحي نابض سياق الحدث بأحاسيس متنوعة، ستكون المفارقة باختيار بعض من صور العشق الباذخ بروح انثى تغزل الإحساس بشعرية ساحرة ولغة شعورية بحتة، تجذب تذوق القارئ، لذا استنطق قطاف متبادل من كلا النصين لنُثري المقاربة بما تستحقه حروف التأمل، وأترك الباقي للهفتكم ...

ولنبدأ بعتبات استهلالية من نص فستاني لنبحث عن سيميائية العناصر ونحلل الرؤى بتمهل وتروي  ...

من نص فستاني نستقرئ استهلال زمني لعتبات النص في مجاز دلالي مكثف واضح التشكيل جميل الانزياح بمكونين حسي ومعنوي (لاح فجري من جديد)، سيميائية توحي بغريزة الأنا لسرد الحكاية منذ التفاتة الشعور لبادرة الحب، بحدث الماضي من الفعل (لاح)، ورمز استعاري من الطبيعة يثري الدلالة (فجري )وآخر معنوي الشعور( الجديد)، تجانس فني لامتداد زمني حاضر، فنستقرأ استعارة تضاد غائرة الإشارة، تتماهى بزمن الشعور بين (ماضي وحاضر.. غروب وفجر.. قديم وجديد.. يأس وأمل )... إحالة تأويلية زمنية حين ايقاظ مهج الأحاسيس ...

وبأسلوب متناسق لمجازات أنيقة بتشكيل لفظي سهل التعبير، تكتمل الإشارة لاستمرار زمني باستخدام واو العطف في (والبُرْء طابت له نفسي)، تأكيد ذروة الأنا في بنية (فجري ونفسي) لتكرار ضمير المتكلم (الياء)، توحي لتحقيق حلم في قرارة النفس، فمتى تطيب النفس ؟، إحالة دلالية لرؤى الشاعرة وهي تمهد لنا السرد الموضوعي باستذكار ذاتي لتجربة المشاعر، بتكنيك لغة رائعة لاستفزاز فضول القارئ، لنتابع بماذا نستبصر من كنه فلسفة عواطف الشاعرة ...

من العتبة التالية نستوضح عمق حسي يربط ما بين الأنساق السابقة واللاحقة، يستحث بانفعال نفسي عميق، يشي بدلالة منولوج روحي وتساؤل إنزياحي بادراك حسي، كما في (أتُراني أورثتُه وجعا)، صورة شعرية عميقة الدلالة تؤكد مراجعة الماضي بتفاصيل الذات الواعية باستغراب استفهامي، مكتظة بفعل الحواس الأكثر فاعلية وتأثر بما تبصره في أعماقها من زخم الوجع حين يمتد لكل الحواس فيصبح إرثا، مما يدعونا للتساؤل هل يتوارث الوجع ؟، ولمن ؟، يفترض له إجابات تتبعه بعتبات مترابطة المناجاة من النصين، لنتابع...

من نص أحمر شفاه نستقرأ تكرار دلالة إرث الأحاسيس كما في (تركت خلفي ارثا فقيرا)، مقاربة تأكيدية تكمن في فحوى الأستعارة بما يشي عمق دلالة التضاد بفلسفة فنية عن غصة استفسار بما يعوم في ذاكرتها من آلآم أرَّق الجوارح واستبد به الزمن فاثكل الجراح، استرسال تقني بتساؤل مضني يحفز ذهن القارئ على الاستغراق في خيال الشاعرة للخوض في تأملاته الاستقرائية، إحالة تأويلية جوهرية تفكر لمكنونات أنثى واعية للصدمة، بمسعى معتاب...

نلاحظ مقاربة الترابط بتكرار مفردة الوجع دلالة التأثر النفسي من عتبة معبرة لنص أحمر شفاه (أكْتم وَجعِي) وهذا الكتمان يُكْلِم الروح ويغتصب التصريح بعتمة مطلقة تطوي الأحاسيس بضغوط نفسية، فيتضح من رمزية الوجع أداة دفن المشاعر الإنسانية للمرأة بمحيط متغاضي أحاسيسها، فبعد فوات الأوان يزدهر الندم إحالة تأويلية عن سيكولوجية روح تواجه قناعة العقاب بجوهر ثواب التصبر ، ومن مقاربة العتبتين يبدو رهف المشاعر رغم الوجع بحذر ان تسبب الوجع للحبيب، ودلالة سمة الإيثار بوجدان المشاعر منتهى الوجد والحنين ككيان إنساني، فنرى تبادل العتبات بكلا النصين ...

فلنتابع بلهفة قارئ لفلسفة حسية صوفية التعبير من العتبة (لأتهجد بترانيم الشّدو)، تعبير فني وتشكيل بنائي مرهف البوح، بصورة شعرية جميلة مريرة النغمات بصوت حسي، مركزة الشعور ببلاغ استعاري، فالتهجد رمز دلالة لمناجاة روحية للعبادة، ودعاء حين يستطيب للنفس الاعتزال، فتتطلع لهبات سماوية لما تبتغيه، احالة تأويلية لانعتاق روحي بخلاصة الحواس فلا سبيل للشكوى الا بمناجاة الإله....

كيف ستكون هذه المناجاة ؟ لنستقرئ لغة حسية مختزلة الصورة معطوفة بتمتمة الشعور، مرادف الدلالة لصورة شعرية من نص فستاني (وأتستّر بسكون الألم)، مقاربة بتعبير تجريدي عميق الدلالة ببلاغة الوصف تشير للرغبة الجامحة للتهجد، فنلاحظ ترابطها الحسي وفنية التعبير لتكثيف لوعة المحب بصمت المعاناة خوفا من الوشاة ولوم الآخرين، وما تراكم في مشاعرها من خيبة موجعة عليها إخفاءها من تقاليد ترسخ تحت وطأة حكمها في ظروف اجتماعية قاهرة لمشاعر الأنثى...

ومن البديهي ان ننتظر ما يأتي بعد مفردة أتستر، لكن الشاعرة اختارت السكون للدلالة على مدى الكتمان بساتر الصمت، إحالة تأويلية لرمزية الانطواء القسري، يستشعره القارئ قهر سلطوي، يحيل القارئ لمقاربة تضاد حسي باطني الصراع بين (الحركة والسكون)، مرتبط بالنسق السابق للانعزال، فالانزياح الدلالي التعبير إيحاء عميق ومضمر، وسيفسر ضمن آراء القراء باختلاف وعي تذوقهم...

وننحو لمقاربة بين صورتين شعورية الأولى استهلالية العتبة من نص أحمر شفاه (على ناي الحزن أنفاس مصلوبة)، ومن نص فستاني (ﻧﺎﻱٌ ﻳﺒﻜﻲ في تخوم الآهات)، صور شعرية متوقدة الاحاسيس ببنية جمالية مكثفة المشاعر تعبر عن وخز الوجع بسيكولوجية النفس المعذبة، يوحي بمعاناة متجذرة في اللاشعور، فنستقرأ مقاربة رمزية لأداة طرب موسيقية بصوت نغمي التكرار، قولبتها بلغة ضدية لحقيقتها فما صوت الناي إلا معزوفة حزن وأنين، تحاكي نظير الدلالات باختلاف التعبير...

كما اختارت الشاعرة استعارة التشبية بفلسفة صوفية بـ (أنفاس مصلوبة)، وهو تعبير حسي بتشكيل فني بليغ لاستمرارية زمن العذاب، فرمز الأنفاس استعارة تضاد بين الشهيق والزفير لتوحي بتكيف غائر لثنائية (الحياة والموت)، وبفاصلة رؤى للقارئ توحي بانتقال مبهم عن احالة تأويلية بما يجتاح عواطفها من آلام تقطر حسرات بصدمة خذلان الحبيب ...

ثم لمفارقة بتكرار معجمية الصلب من نص فستاني (لأصلب على أغصان النسيان )، و( أنفاس مصلوبة) من نص أحمر شفاه، تشابه مقرون بنسجة المضمون لتشكيل الصور، تأكيد تناغم ملفت لتحليل وتأويل القارئ بما يوحي إيقاعا للمعاناة الحتمية بأحاسيس مفرطة، ولأن الصلب يستوجب زمن مستمر الألم، وعذاب طويل الأمد معلق على حشرجة الروح، مما يعني اختيار المفردة بفنية تأمل تعني استمرار الزمن احالة تأويلية نفسية وحسية لعدم النسيان ...

نلاحظ تأجج وجدانيات مختنقة الروح بحسرات الشاعرة متناسقة الأنساق بسابقتها من بنية الصورة الشعرية (خثار لإحساس مبهم)ومتشابهة مع مجاز من صورة شعرية سبق ان تطرقت له في الجزء الأول من نص فستاني(رائبٌ وجعي) ، لنتمعن بأبعاد معنى معجمية الخثار فهو رمز ما تبقى وفَضَل من خلاصة الشيء، لذا تأويل باطن الدلالة لذاكرة أحاسيس منقوشة على خاطر الشعور، تشي لاستمرارية زمن العشق بنقاء متجذر، فنستبصر دلالة تأويلية الاستغراق الصوفي التلذذ بفلسفة الوله وهيام غائر في الاوعي، والذي يستفز تساؤل أحاسيسها دوما!!...

مما يبدو ترابط الصور في النصين من المجازات التعبيرية المترادفة والمتشابهة، يشوقنا لنتابع المقاربة فنستقرأ الصور الحسية الآتية من نص أحمر شفاه (من مصل ترياق وضمّةَ صدرِ) ومن نص فستاني (على ترياق الفرح)، توظيف استعاري رائع باذخ التشكيل لرموز حيوية لعلامات علاجية (المصل والترياق) فالمصل مادة للإسراع بالشفاء باختراع وصناعة الإنسان، أما الترياق خلاصة السم للقضاء على التسمم، لذا يعمل بشكل مزدوج، فنرى تكثيف طاقة تشبيه تشي بتضاد المعنى وتشابه الدلالة، باختزان طاقة بيان ضدية الاستعارة، ومقاربة تضاد باختلاف وتآلف بين ( الحزن والفرح.. الوجع والراحة)، توظيف متمكن للرموز بخبرة ادوات، يوحي بعمق دلالي لطموح الذات أن تتحقق امنية تعيد حياة زمن الغرام..!، ليكون علاج يداوي الم الفراق، فها هي تعاود حلمها بصمتٍ يوقد الاشتياق من افق الذكريات كل ما تصبو الروح لضمة عناق الحبيب، إحالة تأويلية لدلالة وجع نفسي غائر في الوعي، وينبثق من اللاوعي بنفس تواقة لذكرى تتوهج شوقا ولهفة ...

ننتقل لمقاربة مع صورة شعرية حسية بجمالية الإيحاء لحركة الزمن من نص (فستاني) مرتبطة المعاناة الحسية والنفسية بسابقتها، (بظلال تَصهل الذاكرة فيها أسى..)، صياغة فنية رائعة تتجلى منها أنا الأحاسيس بحميم القهر باسترجاع ذاكرة متوقدة الأثر لذات الشعور، كذلك نستوحى منه أنسنة زمن غير محدد نستفرضه من مفردة (الظلال) والذي يرتسم حضوره في معظم الأوقات بتواليه ليل ونهار، ومنه يبدو فاعلية الشعور رهين صوت الصدمة من مفردة (تصهل) فعل حسي لاستمرارية زمن مفتوح على مصراعي التذكر الزمني، إحالة تأويلية لدلالة مدى وجع الروح بالخيبة تعزية النفس المغمورة بالشجن ...

كما يبدو لرؤانا ما يترابط مع وجعها بما يأتي بعدها افتراضيا من صورة شعرية بسؤال انزياحي حميمي لمخاطبة الحبيب من نص أحمر شفاه ( متى تمزق ثوب النبض ؟..) يمكن لهذه العتبة ان تلي العتبة السابقة، كما تعطي بعدا ذكوريا وأنثويا بما يؤكد أنثويتها الثورية فتحيا في فلسفة أنثى فما زال الأمل في دائرة الزمن والاستفهام هالة أحاسيس التمني للمحب في الصورة الشعرية الرائعة وانزياح بديع ما بين الثوب والنبض يرقى بدلالة الفكرة بما تحمل رومانسية التعبير، احالة دلالية عن طوبوغرافية أنثى غارقة في مشاعر الحب برفض الواقع ...

ثم يستدرجنا بوح الوجع لدلالات متعددة فنعرج لما يليها من أنساق مترابطة التناغم في (وأنين الورق بالحب.. وصقيع قصيده.. ؟) الأنين حد البكاء المكتوم بوجع وما يحمل من أذى صارخ بصمت وهو قمة ألم يصعب التعبير عنه، فتواسي معاناتها بتجلي التأمل بحسية مشاعرها المكبوتة، ما يشي رؤى شعرية غائرة الإيحاء، ثم يلحقه بعض البياض نقطتين لتمهل رؤى القارئ بإبحار مخيلته وتفسير رؤياه، وبدلالة رمز الصقيع شدة البرد إيماءة عميقة الإشارة تدور دلائلها بفقدان التواصل مع الحبيب بشعور الإستفهام...

وتستمر لواعج لوم النفس الباحثة عن اسباب الفراق الغير مقنع باستفسار متكرر كما في (ترى هل عصيت ؟) مناجاة أخرى بأسلوب انشائي للوم المشاعر، لتسخر الاستفهام تعزية للروح ومقام الأحاسيس، احالة تأويلية لرفض ما مفروض من قيود تقليدية، وكأنها تصرخ : ما ذنبي؟ وهو تساؤل منطقي للبحث عن حقيقة الغياب لربما هروب من مواجهة مقنعة تصدع المشاعر مما يحيلنا لمقاربة مع صورة شعرية من نص فستاني سبق ان تطرقنا لها هي (أتُراني أورثتُه وجعا) بترابط وثيق الدلالة ...

تتوالى الآهات بسيمائية الشجن ومفارقات حسية ونفسية أخرى من نص (أحمر شفاه) والتي تكاد تكون جزء لا يتجزأ من نص فستاني بل تمتزج بروح المعنى، وتكمل بمحاكات ترانيم اللوعة بلحن فلسفة الحزن، كلما تدرجنا في أنساق النصين نلاحظ أسلوب الصور الرائعة الموحية بالدلالات والقابلة التأويل في ذهن القارئ...

ومفارقة تشير الى طاقة التكثيف في رؤى الزمكانية بلغة مقتدرة الأدوات في الصورة الشعرية الآتي، (هناكَ ابقَ في سُباتك) فيتراءى من اسم الأشارة(هناكَ) تأكيد مكاني لبعد المسافة توحي بغيابه، ومن دلالة السبات فترة زمنية محددة، لذا انضوت العبارة على هيمنة كينونة الفراق بفعل الأمر (ابق) دلالة تشي بعدم التواصل، ورغبة ضدية للأثر النفسي فيما تطمح له فلسفة رؤى الشاعرة تحيل القارئ لدلالات المزاج المتغير بتقلب طبيعة الحياة وتواتر المشاعر بسلوك الآخر، فهل سيكون لفترة محددة ؟لربما...

ومن نص فستاني نغترف صورة شعرية بنوتات الألم كما في (والصدى مني كليم)، مجاز انزياحي التركيب بلغة تجريدية مخضلة بدلالات الحزن فالصدى ذبذبات صوت بتردد زمني يشي لجروحها الحسية وسيمائية رمز منحته صفة أنسية بــ (كليم) بلاغة تشبيه شعوري لدلالة رائعة، بأسلوب لغة شعرية رقيقة الاستعارات، احالة دلالية تعبرعن مكابدة ألم الافتراق...

ولهذا نربط هذه العبارة الفنية العميقة الدلالة النفسية والحسية من نص فستاني، (وأتستّر بسكون الألم)، بعبارة أخرى ممكن ترادفها النسق من بعدها في نص (أحمر شفاه )مع السابقة الذكر (والصدى مني كليم) فنرى تماوج متداخل للنصين بمحاكاة الصور في معظم الأنساق، تشي بالتبادل الرائع وتداخل الدلالات بصياغة متشابهة، فنلاحظ أسلوب موفق لدمج الموضوع ببنية التشكيل وجمال التعبير، تفسر لغة المعاناة بفلسفة رؤى الشاعرة...

ولنتابع أحاسيس أنثى بترف الشعور لبقية الآهات في الصورة الشعرية الأتية (ابتسامتي سابحةٌ في مسائي) انزياح تركيبي رائع لدلالة القهر بقتامة الحزن فالليل شراع الذكرى بغياب الأمل، إحالة تأويلية لدلالة تشي بصيغة التكتم لأنا الشاعرة بالابتعاد عن عيون المجتمع وانزواء الوحدة بمناجاة احزانها الروحية وخيباتها النفسية باللجوء الى الليل الذي يواسي وجدانها المجروح ويشاركها اللوعة بستر الحكاية...

وتبدو استمرارية الأحزان متجسدة في انزياح دلالي تركيبي في الصورة الحسية بتراكم الشجن (تحتال على ضحكة أسيرة حزن)، فنرى سيميائية تضاد استعاري بعذوبة الإيحاء لرمزية زمن شعور مستمر، مقاربات حيوية بين (الفرح والحزن ..الضحك والبكاء) .. فالاحتيال على الإحساس مراس تنكيري لا يجدي، إحالة دلالية نفسية حسية لكثافة تفاقم الوجع في الشعور وارتكاسه في اللاشعور ...

وبتأويل التناقض فيما تشي بتأكيد بعاده حين تقول (عساه ينطفئ الصمت)، باستبطان كينونة الدلالة بمجاز رائع فالإطفاء للناركما نعرف بقايا رماد، تجعل المتلقي يستشعر بصيرته بما يستدل تأويله الدلالي ليشتعل الكلام ويعم التواصل، نلاحظ كفاءة لغوية مقتدرة رائعة بتورية استعارية عميقة تجسد صوت الحواس كدال وتأثيرها النفسي بمفهومه كمدلول بانزياح تركيبي ودلالي كسر معالم لغة التداول ...

وفيما يتبعها لتكملة الدلالة من انزياح آخر وهو (ونروي القصيدة..!!) فما بين صمت وحروف القصيد رواء للروح، فيه من التضاد بتورية غائرة، وتشبيه القصيدة نهر جف منبعه وهو تجربة الحب باستعارة قريبة لقلب شاعرة ...

وبالعودة لنص فستاني تستمر وشيجة الوجع بصرخة ألم وانتفاضة عتاب للنفس (ويحِي من أنا ..؟) التقاطة رائعة بالتمرد على الأنا ولوم المشاعر، رغم الهمس الحزين (مونولوج) بضمير المتكلم (أنا) يؤكد حدة التساؤلات عن الأسباب في تجليات الوعي باستفهام مطلق عن بينة عاطفية لا تليق ألا بأنثى محتجة بإيقاع نجوى متناغمة الحوار مع العقل بنزوعها المنطقي والتي بعلامة الاستفهام تثير جدل التوقف للقارئ وتعطي بعدا دلاليا عن مصير مشاعر إنسانة لماهية حب ضائع، كأنها تراتيل متعبد صوفية التلذذ، بحب صامت يؤرق وفاء الحبيبة ويذل باكورة نبض الحواس، لما يرفضه الآخر أو لا يفهمه بتلك المشاعر الجياشة والنقية بأنا روحية...

ثم تلحقها بوصف يتمم الصورة في ذهن القارئ (خطاً أحمر) هنا الاعتراف بما يراه صميم اعتقادها مؤشر جارح للمشاعر لا يمكن تعديه، رمز فاقع وعلامة واضحة توحي بعلامة توقف وعدم الاستمرار ايحاء مكثف لطبيعة مجتمع بأفكار متزمتة يصنع الشروخ دون وعي، وبتساؤلها المتوالد يشي بدلالة الاستغراب: لما يكون التصريح بمشاعر وأحاسيس إنسانية بإشكال مهمل ومكبل تحمل أوزارها على عاتق الأنثى وكيان مرفوض التقييم اجتماعيا؟ ...

نرى سيميائية التعبير باللون الأحمر دلالة تأكيد وئد تقليدي لكبت المشاعر الأنثوية، واضح الصورة في أعراف مجتمع ذكوري، فيبدو بما يشي دلالة التعبير بتأثر انفعالي حاد متزايد الوتيرة بعمق سؤالها العاتب ويقينها الناكر لموقف الآخر (الحبيب المفارق)، إحالة تأويلية غائرة القصد عن اعراف ذكورية وتقاليد سلوك مضمور في نفسية الحبيب من هيمنة رؤى مجتمع بفرض قيوده ...

نلاحظ مقاربة لمفردة (أحمر) متكررة في النصين مما يؤكد دلالة التوجع في مضمون الأنساق وبتشابه المفردة استمرار لسياق الفكرة باختلاف التعبير، بترابط متجانس مع دلالة العنوان (أحمر شفاه) ليوحي بلونه الأحمر لرمز الصمت علامة دلالية لخطورة الاستمرار، فهل يستوجب التأني أو الانتظار..؟أو ضرورة عدم التصريح بالأحاسيس خوفا من جبروت العادات والتقاليد ...

ومن ثم تفترض بعدة أجوبة قد تشفي غليل هيامها بصورة التعجب في الصورة الشعرية الآتية (أو ضيعته على صدر الهوى !!..)، وما تؤكده مفردة( ضيعته) فالضياع لوم آخر بجريرة السبب قد تحل لغز الفراق وتأتي بالأجوبة الهائمة على عتبات الشعور، والضمير المتصل به تعود لمشاعر الحبيب أو تجربة الحب، مما يحرى بنا أن نتأمله بتروي ونتوقف عند انزياح تركيبي بأنسنة معنوية الشعور في (على صدر الهوى !!) هيمنة مادية تعطي بعدا واستظهار لدلالة حقيقية تتعالق مع مكونات النص لتكون أكثر تأثيرا على القارئ، واستخدام حرف الجر (على)يشي بانفعال دلالي قوي لوقع الصدمة بأوج المشاعر المترسبة في اللاوعي، تخالط مجرى الروح فتنبجس دموعا عريقة الحزن ومنه يلمس المتابع دوامة معاناة الذات من قسوة البعاد بحب غير متكافئ المشاعر...

وختام:

ونحن نقترب من دفقات خاتمة النصين، نلاحظ مفارقة المناجاة الحميمية في كلاهما، بعد اقتطاف عينات من وجع الحب والفراق معاناة ناطقة بمعيار فلسفي رومانسي متجذر العشق، نصل لخاتمة العتبات والتي تربط أنساق النص بمضمون الفكرة وتكمل المعنى بتسلسل إيحائي رائع برهافة الإحساس فنقطف صور رائعة لومضات شعورية بلغة شعرية هامسة الشجن نلتقط منها ...

من نص فستاني ( يا غرّيد الرّوح).. مناداة بمناجاة روحية تتسم بضمير المخاطب لتصفه بأجمل كنية هو لغة الطيور، مع كمية الوجع تهبهُ سمة غلاء الروح بهمس لغتها وهديل احساسها فما أثمن من أوتار الروح.. !!، تتنامى صلة المقاربة بتشابك ضدي مع مجاز انيوي الشعور لمناجاة النفس من نص أحمر شفاه في (أيا وحدتي !!..)، فنلاحظ فلسفة لغة انثوية التعبير للتدليل الحميمي، فلا تكون إلا أنثى تغرد اللغة بشعرية معتقة الوجد برشاقة اللفظ مكثفة الأحاسيس، كما نلاحظ سلطة الذات في الموضوع وملامح الأنا المغرمة من جمالية التعبير، احالة تأويلية باستشعار دلالي لتعاطف ذاكرة الحواس مع الأنا العاشقة...

وخاتمة أنساق بخنوع وجداني صادق أوجزتها الشاعرة بتكثيف رائع الأدوات في كلا النصين، ننحو لمفارقة إنسانية واسعة التأويل عميقة الدلالات، فمن نص فستاني (بعثرتني بفستان حب) استعارة متمكنة موحية للجسد والروح حسية ونفسية الإدراك، برمز انثوي لتراث اجتماعي بفقدان علاقة انسانية الصيغة، تشبيه رائع يتناسب مع تشبيه آخر لصورة شعرية من نص أحمر شفاه (الحب صيام..) تمثل برمز معجمية الصيام كدال صوفي التنسك وتراث ديني لتهجد نفسي خالص النقاء في كل الأديان وبما تحمله من بعد دلالي الاستعارة وبيان قصد مؤثر في النفس والشعور والأحاسيس بالامتناع عن كل الرغبات بالتحريم المطلق وصيانة الجسد والروح من غواية الملذات لغرض العبادة ومواجهة الواقع، وهكذا تلاقحت النهايات بوشائج الوجع وسيمائية الفقد بتشبيه رائع لخاتمة النصين...

خلاصة:

نلاحظ جمالية التكرار من خلال بنية النصين بتماس العنوان مما أثرى مستويات تناغم يسي بتجانس الأنساق، وخلق تعالق النهاية في كلا النصين مع البداية باستعادة مفتاح القصيد وتأكيد الفكرة بدائرة كاملة لتقنية بناء توحي للرؤى بذات الرسالة، وبجمال التشكيل الشعري بتتابع الماضي والحاضر وما يتركه في المستقبل من تداعيات سايكولوجية الاستبداد بكيان كوني ...

ما يلفت النظر للقارئ/ والمتلقي عفوية الاسترسال بمناجاة صوفية العشق رومانسية البوح بما يوحي من شجن العاشق ولهفة المشتاق بمفردات مقتبسة من وحي الطبيعة وحيوات من البيئة والتي تكون أقرب للنفس برومانسية الذات وشدو القلب كما في ( فجر، ظلال، صقيع، مناهل، أطياف، صدى، سابحة، مساء، شمس، يشرق، ضباب، يرعد، أغصان، حفيف، عقيق، الريح، أثداء، غريد)، بشحنات فاعلة في فضاء النص...

كما نلاحظ اختيار الأفعال الماضية لتوريد الخبر والبناء عليه لتوصيل الفكرة ( لاح، عانق، ثرثر، دَقت، باع، تطاير، بعثر) والتي تعني دلالة الحدث الفائت وما ترتب عليه من حدث حالي بحركية الزمن، وبما يوازيها من الأفعال المضارعة والتي تدل على الحاضر و الاستمرارية لتغير الحدث (أترى، أتدثر، أتهجد، تصهل، ترى، أحيى، تحرق، تحتال، يبكي، يشرق، يسقط، أرتضع، تعوي)، لتوحي بأصوات مستمرة التأثير باختلاف الزمن بإحساس الماضي ونتائج الشعور بالحاضر وحدس توقع للمستقبل ...

من خلال قراءة النصين بتفصيلاتهما التحليلية وتفكيك نسجتهما البنيوية والعروج لمستوياتهما الدلالية نلاحظ بما يتيح لتبادلية أفقية السطور بينهما تتناسب أسطرها العمودية بتوازي متشابك مقرون بحالات شعورية متجلية بنجوى عاطفية ملمحة للموضوع، ملفتة بسيمائية الرموز الحسية لتجسيد حالة فقدان الحبيب المنتظر بشرخ المشاعر، وبالتالي تجربة قد تكون قريبة للنفس تأملتها الشاعرة بوعي هادف لتضيء عتمة اعتقادات تظلل نظرة عامة تدثر كيان وجود نصف المجتمع، فمتى يتكامل الكون..؟.

 

بحث واستقراء إنعام كمونة

.....................................

فستاني

لاح فجري من جديد

والبُرْء طابت له نفسي

أتُراني أورثتُه وجعا

لأتهجد بترانيم الشّدو

وأتستّر بسكون الألم

بظلال تَصهل الذاكرة فيها أسى..

وأنين الورق بالحب

صقيعُ قصيدةٍ.. ؟

 

ترى هل عصيت؟..

عجول

ظمأ اشتياقي

يا لدامي الوريدِ !

لا معالم لي ...

أحياك،

روحي طفل عابث..!!

الحب معه نسيان

 

عانقهُ الهجيرُ

وعلى بابِه ثرثرت

مناهلُ الاقدار ..

كأطياف لا تسكنني

ذوارف دمعٍ

تحرق أنفاسي

والصدى مني كليم ..

ابتسامتي سابحةٌ في مسائي

تحتال على ضحكة أسيرة حزن

رائبٌ وجعي بسَمارِ ﺍﻟﺸَﻤﺲ

ﻧﺎﻱٌ ﻳﺒﻜﻲ في تخوم الآهات

ليت صوتي يشرق بلا ضباب

ليسقط نبضَةً راجفة،

يرعد قاب الصمت

بين منفاي ولقائه

ويحِي من أنا ..؟..

لأصلب على أغصان النسيان

خطاً أحمر..

دقت طبول الفراق

مع تراتيل أمي

حفيف بداخلي

باع خمري ..

غصّات بحلقي تتلصص

على ترياق الفرح

عراة بعقيق صفير

الّريحُ تعوي

أرتضع من أثداء أبجديتي ..

يا غرّيد الرّوح

تطايرتُ من بين عطرك

بعثرتني ...

بفستانِ حب ..

..........................

أحمر شفاه

على ناي الحزن

أنفاس مصلوبة

خثار لإحساس مبهم

من مصل ترياق

وضمّةَ صدرِ

هناكَ ابقَ

في سُباتك

سأقمط شفاهي

عساه ينطفئ الصمت

ونروي القصيدة..!!

لعلني الملم ماكان منك

وشموس الفرح تضيئ

على أبواب السديم

تركت خلفي ارثا فقيرا

به كدري

من كهف مظلم

أشطبُ يومًا من العمرِ..

سرق بسمتي

في هزأة الصمت

حبا معاقا ..كالوَدَقِ

عجبت لخافقي

هل بقى لي

أحمر الشفاه ؟!!..

أو ضيعته على صدر الهوى !!..

لأذرف الآهات

..........

كيف لميلاد حلم

أن ينسى لمسة حب ؟!!....

لتثاؤب ذاكرتي المثقوبة

سرائر البوح

ضجت ثرثرتي

وألف ألف سؤال

على حجر المرمر

بقايا صور.. تمتمات رثاء

أيا وحدتي !!..

آسنة أحلامي

.............

تعتكف فرحتي

تلوكني صحارى الحيرة

من ظئر صمته

شربت الجفا

يلاصقنا الفجر

هي ليلةٌ

على اوج القمر

أكْتم وَجعِي

قلبي للظى هرم

أيُّها العجول

أهديتكَ كلَّ اوقاتي

في يم الانتظار

تاهت خطاي..

متى تمزق ثوب النبض ؟..

حبلى برماد ذكراه

المخاض عقيم ....

الحب صيام..

***

ليلى الطيب / الجزائر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم