صحيفة المثقف

صالح الطائي: خلافنا فيما بيننا ليس جديدا

صالح الطائيجاء الإسلام لتوحيد البشرية وجعلها كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وجاء بعض المتدينين فعملوا خلاف ذلك، وسعوا إلى تمزيق الأمة وتقسيمها، بدل ان يحولوا مدارسهم الفقهية ومبانيها الفكرية إلى كليات في جامعة الإسلام العظمى.

لقد تولى بعض المتدينين مهمة زرع الفرقة بين طوائف المسلمين تحيزا لفرقهم ومذاهبهم دون التفات إلى ما يصيب الدين من ضرر، وما يصيب الإنسان من عسف وظلم، والمصيبة أن هذا الهراء لم يتوقف ولم يهدأ، بل ازداد عنفواناً وتنوعت مصادره مع تقدم وتبدل الأزمنة والعصور، ليصل اليوم إلى درجة التكفير المطلق؛ الذي يبيح نفس وعرض ومال المسلم الآخر دون وازع من ضمير، ويبيح كل المحرمات في تعامله مع أتباع الأديان الأخرى.

إن في تراثنا الكثير من النصوص التي تؤكد أن الأوائل هم الذين زرعوا الفرقة بين المسلمين، وأن الأواخر كانوا تبعا لهم، ولم يفيدوا من خبرات عصور التقدم والتحضر التي عاشوها

تأمل ما حدث بين أئمة المذاهب من التشاجر والتنافر بعد أن ازداد أتباعها وقويت شوكتهم وتولى بعضهم مناصب قيادية في المجتمع، أو قربه الحاكم على حساب المذاهب الأخرى، فاستولى كل مذهب على إقليم، حرم دخول أتباع المذاهب الأخرى إليه، حتى أن المالكية استقلوا بالمغرب، والحنفية بالمشرق، فلا يقارّ أحد المذهبين أحدا من غيره في بلاده إلا على وجه ما، وحتى بلغنا أن أهل جيلان من الحنابلة إذا دخل إليهم حنفي قتلوه وجعلوا ماله فيئا: حكمهم في الكفار. وحتى بلغنا أن بعض بلاد ما وراء النهر من بلاد الحنابلة كان فيه مسجد واحد للشافعية، وكان والي البلد يخرج كل يوم إلى صلاة الصبح، فيرى ذلك المسجد، فيقول: أما آن لهذه الكنيسة أن تغلق؟ فلم يزل كذلك حتى أصبح يوما وقد سُدَّ باب ذلك المسجد بالطين واللبن، فأعجب الوالي ذلك (*).

فلا تعجب اليوم إذا ما وجدت شيعيا يسب رموز آخرين، أو أحد أتباع المذاهب الأخرى يكفر الشيعة كفرا بواحا يحل مالهم وعرضهم، أو مالكيا يتطاول على شافيا ويتهمه بالجهل، أو شافعيا يتطاول على مالكيا ويدعي أنه لا أصل له بين العرب، أو حنبلياً يكفر كل المذاهب والمدارس ويدعي أنه وجماعته هم الفرقة الناجية.

العجب العجاب أن المؤسسات الدينية والحكومات وحتى المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية في بلداننا الإسلامية، لم تولي هذا الأمر الخطير عناية تذكر، بل ثبت أن بعض رجالها يدعمون مثل هذه التوجهات القبيحة طلبا للثواب أو تحيزا لفرقة. وإذا لم نتجاوز هذه المرحلة التراثية السيئة بكل ما تمثله من خطر على الدين والأمة، لن نجد فرصة لنلوم أنفسنا، لأننا بفعلنا المتطرف هذا نبدو وكأننا غصن متيبس شاذ عن جسد الإنسانية الأخضر اليانع، بل سنجد أنفسنا وقد خسرنا أولادنا وأحفادنا الذين هجروا مذاهبنا بسبب كم الكراهية والتحيز فيها وانساقوا خلف دعوات العلمانية والليبرالية، أو اتبعوا دينا آخر سواء كان وضعيا أم سماويا، أو ـ في أحسن تقدير ـ أصبحوا من أتباع الديانة الإبراهيمية.

 

د. صالح الطائي

.......................

المصدر

(*) خلاف، عبد الوهاب، مصادر التشريع الإسلامي في ما لا نص فيه، جامعة الدول العربية، معهد الدراسات العربية العالية، مكتبة الجامعة الأمريكية، القاهرة، 1954.ص110.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم