صحيفة المثقف

جمال العتّابي: (فوائد).. من كوفيد!

جمال العتابيفي شدة الصراع مع المرض ينهال عليّ عمر السراي شعراً، كالشلال طافحاً بالتمنيات والإبتهالات والأدعية الساحرةً...

أغثني يا سرّاي..! رفقاً بي ! فأنا لست أقدر أن أتفوه شعراً، وحنجرتي خشب، وتلك يداي وعيناي قاصرتان، بين لهاث الشهيق، وجمر الزفير.

في صحوتي يهمس لي القلب، وهو دليلي حين تخونني الذاكرة، وحين أكابد من ألم، وأهرب من قاتل يتوعدني، ليس عدلاً أن تنام، وانت تنثال عليك مزن مثقلة بالحب والمشاعر التي عهدتها، هم أخوتي، وأصدقائي، وأهلي، يفتحون لي نوافذ الأمل الوريف، أحبكم جميعاً، فما أوسع الحب، وما أضيق البغض والكراهية!الأخ الصديق حنون مجيد(أبو فؤاد)، لابد أن يترك في أي منا  أثراً لاينسى، لا ينفصل عن تاريخه وانسانيته، ومواقفه، قابل الفايروس بشجاعة وتصميم، كان يودع فينا ودائع الحب صبح مساء، احييه من اعماق قلبي.

تعالوا إلي سأفتح بابي لكم، أفتح قلبي، أدخلوا أية نافذة شئتم، أو أي باب، أراهن أنكم جبيني الذي من نصاعته يولد الوطن.

شكراً للصديق أحمد خلف وهو يتابعني بإهتمام  ، دون علمه كنت أتلاوى مع (بهلوان) روايته، إلى أن أكملتها وأنا على سرير الكوفيد،لم ينقطع عنا بالسؤال والدعوات، شكرا للأعزاء خالد خضير الصالحي، وعبد الزهرة علي، اذ شاركا المنشور، وحمّلاه تمنياتهم المخلصة.

ما أجمل الكلام على شفاه المنشدين ،حين يجمع الألم المقفّى بالجمال، وان كان الجواب محالاً، الشاعران يحيى السماوي من استراليا، عمار المسعودي من كربلاء،يأتيك كلامهما فراتاً عذباً يشربه العشاق، وأنت مدعو لأن تطلع  لما يكتبه المئات من الأصدقاء،  بسؤال متواصل وعليك أن تملأ عينيك ، بما تضوع به كلماتهم، بعد ساعات من إعلان الإصابة ولا أستثني أحداً.

—2—

لم يتأكد لي (بخل) أهل الموصل المزعوم ولو لمرّة واحدة في حياتي، لكنني خبرت فيض كرم مشاعرهم، وسخاء محبتهم، عبر تواصل الاخ حسب الله يحيى، الذي يكاد يكون بين يوم وآخر، وبشوق وإبتهال يذكرني انه نشر لي مقالة في طريق الشعب، انتظر نشرها في مدونتي حين يلين المرض. ومن طرف بعيد في بلاد الثلج(السويد) هناك نداء موصلي آخر متواصل، يكاد ان يكون يومياً للصديق خليل عبد العزيز بمشاعر غير خاضعة للإختبار. وكنت أخشى على صديقي العزيز التشكيلي موسى الخميسي من نفسي، كيف بالإمكان أن أزيح القلق الذي تقمصه، حين تخذلني الكلمات.

-3

تمنيت، في المدة نفسها، أن أقطف الزهر لأطوق فيه عنق الشاعر صباح محسن،، كأنه يأتي إلي حاملاً أريج كلماته عن (داخل المكان)، نشرها في جريدة النهار، فأضاء من نوره المكان، ألف تحية وشكر له.

-4-

في المنزل، أسترخي خلف الشباك، للتأمل الكسول، وفي فمي طراوة الألم، وفي جبيني يركد الذبول، أرقب هسهسات ورد القداح التي ماتزال مثل رسائل حب مطوية، وهي تتهيأ أن تنشر أريجها في الفضاء، في الزاوية البعيدة نخلة تمسّد خصلات سعفاتها لتستقبل حرارة الشمس. التي بدأت تتصاعد.

تصبحُ علي أم فرات بالسؤال، ثم ندخل بحوار قصير عن بعد: كيف ترى نفسك هذا اليوم؟

- الحمد لله أحسن.

ردّت عليّ بالقول: مؤكد أحسن، لأنني قرأت سورة الرعد، عند السحر، فيها شفاء لك.

- ولماذا (الرعد) بالذات؟ كان الأفضل أن تقرأي سورة (الشرح).

- ولم الشرح؟ كذلك أسألك. يا عزيزي

- في (الرعد) آية تقول: لهم عذاب في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة، أشقّ، وما لهم من الله من واقٍ. بينما في (الشرح) :فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا. فيها تأكيد على الإنفراج والأمل، أليس كذلك؟

وهكذا تلطفي بحالنا ،

يبدو أن عبارتي الأخيرة لم تجد لديها أذناً صاغية، ومرّت عابرة على مسامعها، فإنعطفت بالكلام بسرعة نحو محور آخر.

- المهم، سأوجز لك اتصالات البارحة، !

-  ألف شكر لك لتحمّلك هذا العناء.

-  أود ان أذكرك بموعد تحليل مختبري، عليك أن تجريه اليوم، هو igg, igm، يوصي به الأطباء للتعرف على نسبة المناعة والفيروس في الجسم.

- مصطلحات وأسماء جديدة دخلت قواميس لغتنا، العراقيون اصبحوا خبراء في أسماء الادوية، والفحوصات الطبية، لقسوة الجَلد الذي يتعرضون اليه يومياً،  من قبل بعض الاطباء والصيادلة، وتردي خدمات المؤسسة الحكومية، لا مفرّ للإنسان هنا، الا أن يموت ميتةً معجّلة، كما اراد صانع الموت بلا قراءة وبسملة!!

-4-

أما المغروسات في القلب حفيداتي ليا، ولمار، أقول لهما:

-جدو! لا أريد أن تتصلا بي في التلفون، وتكتشفا وهناً في صوتي، أريد أن أصحو لأقبّل أهداب عينيكما، وأسقي روحي بقبلاتكما.

وستصحو الأعين التعبى على عشرات الرسائل والاتصالات التي لم تنقطع للصديق احمد الزبيدي، وللأخ عقيل الخزاعي(ابو ذر)، كان بحق لوحدة، يعبّر عن مخاوفه وقلقه، وظل على الدوام منبهاً ومحذرا، وكذلك الاصدقاء شكيب كاظم، علي حداد، والحكيم حيدر المحسن، وفالح مهدي، من فرنسا، والتشكيلي عباس الكاظم من الدنمارك، والاخ  أمجد نجم الزبيدي الذي لم ينقطع عن السؤال والإطمئنان . ولا انسى دعوات صباح محسن كاظم . فوزي السعداوي ينقل لي بهجته بنتائج فحوصاته المطمئنة الاخيرة،اشاركك السعادة والامل صديقي ابا سلام .

-5-

كان خبر رحيل الشاعر الجميل مروان عادل،  صاعقاً، مدوياً في داخلي، وسبب لي إرتباكاً شديدا منذ اللحظة الاولى من الاطلاع على منشور الوفاة، لم أستطع التمييز، بين عادل مردان،  ومروان عادل،.... في ذهني حاضر مردان الشاعر البصري الخارج تواً من المستشفى، بعد أن نشر الصديق التشكيلي هاشم تايه، مقطعاً من قصيدة له عنوانها (سلالة اللا مرئي)..تنطوي على دلالات محمّلة بالحزن، قلت الله يستر!.... وبين مروان عادل الشاعر بكامل حيويته وإقباله على الحياة، يصبح فجأة في واجهات إعلانات النعي الجاهزة... كيف؟؟ كيف يقفر الليل من نجومه؟ كيف غاب هذا الطائر الجميل ولم يعد؟يالقسوة الموت إذا أنشب في أرض العراق! يا هوله الردى، حين يجتاح البلاد!

تحت وطأة هذا الإرتباك، إستعدت أنفاسي، لأقول :  ستبقى يا مروان في ذاكرة الشعر والثقافة خالداً، والصحة والسلامة للاخ عادل مردان . لتظل قصائده تخطف الأبصار.

-6-

وتأتيك الاخبار أخيراً، هذه بغداد نحسٌ في الغروب، غيمة من ضوع نار وحديد هاهي في (رمضانها)، أو قل(مأتمها)، تأكل النيران أجساد مرضاها قرباناً لطاغوت فاسد، هاهي المدينة تضجّ من أضاحيها القبور، قتلوا فيها البلاد الطيبة، وأغرقوها بالضلالات والوعود الكاذبة.

، أين يكمن الأثر والمعنى إذاً؟ بعد أن صادقنا الحزن، وهل ثمة فوائد، كما أشار لها العنوان؟ ياصديقي؟؟ أقول ربما، نصنع شيئاً بالكلمات يساوي مقدار مشاعر الحب عبر مئات الرسائل التي ستبقى مثل صدى يرن كنبض الماء في عروقي.

أسمو بكم أيها الأصدقاء، أتشبث بإنسانيتكم، فأنا مرتبك بخجلي القروي، أخشى ان تتكدر خواطركم فأطلب العذر منكم، لأن كان بودي أن أذكر أسماءكم جميعاً، لكنني سأكتفي بنقشها على جدران القلب.

 

جمال العتّابي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم