صحيفة المثقف

مصطفى علي: معزوفةُ الإسْراء بينَ النهْرِ والصحْراء

مصطفى عليبَدَويُّ على الربابِ تَغَنّى

فَتَغَنّتْ قوافِــــــلٌ وخِيامُ

 

موقِداتٍ فَراقِداً في فُؤادٍ

خَلّفوهُ مَعَ الدِيارِ وهاموا

 

كَمْ تَراءتْ هَوادِجٌ في خَيالي

كُلَّما لاحَ فــي السَرابِ سَنامُ

 

ثُمَّ لاحَتْ شَقائِقُ الحَيِّ حَوْلي

والْحَبارى هُناكَ حيْثُ أقاموا

 

خِلْتُ لَمّا شَقائِقُ الروحِ غَنّتْ

الصحارى تَنَهَّدتْ والخُــزامُ

 

ليْتَ ياهِنْدُ القُبّراتِ تُنادي

كي تُوافي عُبيْلَةٌ وحُــذامُ

 

مُذْ تَهاوَتْ شقائقي والحبارى

في حِمانا تَنكَّستْ أعــــــلامُ

 

أُغْنياتي للضاعِنينَ صلاةٌ

وَ قُنوتٌ في خيْمَةٍ وصِيامُ

 

لَمْ تَنَمْ بعدَهمْ لـــــــواحظُ قلبـــي

ليْتَ شِعْري، بُعَيْدَنا، كيفَ ناموا

 

ياقُضاتي مُسْتَفْتِياًجِئْتُ أشكو

أحَلالٌ في شَرْعِكُمْ أم حَرامُ

 

إِنْ جَفوْني كَراهِبٍ في دِيارٍ

رَهْنَ دَيْرٍ بِهِ يَصيــــحُ نُهامُ

 

قد سَقوْني كُؤوسَ هَجْرٍ وراحوا

فإسْقِنيها سُلافَةً يا غُــــــــــــلامُ

 

فَإذا ما نَبيذُها مَسَّ روحـــــي

أشْعلَ الشوقُ مُهْجتي والهُيامُ

 

ياحُداةً رُويْدَكُم فَدَليلي

ذِمَّةٌ حَبَّذا تجودُ الذِمامُ

 

عَلِّلوني فَذا فُؤادي عَليلٌ

وَتَعِلّاتُ الراحِلينَ عظامُ

 

إنّما الدمْعُ في الحوادِثِ غالٍ

سِيَّمـــا دمعةِ الجوى لا تُسامُ

 

أكَديٌّ ظِباؤهُ شارِداتٌ

فَتَماهى حُداؤهُ والبُغامُ

 

بينَ نهرٍ مياهُهُ تَتَهادى

فَتُزكّي ضِفافَهُ الآجامُ

 

وَ مَوامٍ سَرابُها من بَعيدٍ

يَتَلــــــوّى لِيَسْتَكينَ أُوامُ

 

وَبُحيْراتٍ أرْبَعٍ كالغَوالي

قد تَباعدْنَ إنّما لا صِلامُ

 

و ضِفافُ ألفُراتِ تعزفُ لحْناً

للنواعيرِ إِذْ طَــــــواها الوِئامُ

 

والبوادي فسيحةٌ مِثْلَ روحي

وَبِهــا العِشْقُ حُرْقَةٌ وإنْسِجامُ

 

لو شَهِدْتَ الهِضابَ ذاتَ ربيعٍ

بعدما أيْنعتْ بهــــــــــا الآكامُ

 

كَمَأً كالبَياضِ شَعَّ وفِيهِ

للبَرايا حديقةٌ وطعامُ

 

عَرَبيٌّ أفاقَ فجــــراً وغنّى

صَلَواتٍ طُقوسُهُنَّ إحْتِشامُ

 

عربيٌّ في غُرّةِ الفجْرِ نادى

مِثْلَ ديكٍ فــي فَجْرِهِ لا ينامُ

 

عَرَبيٌ وَعى الأذانَ هديلاً

فالسماواتُ أيْكَةٌ وحَمـــامُ

 

نازِفاتٌ قصائدي كَجُروحي

وَبِروحـــــــي بلابلٌ ويَمامُ

 

وَدموعي قَصيدةٌ وقوافٍ

وَ نَدامايَ لَـــوْعَةٌ وسَقامُ

 

هاتِ قَيْثارتي وَهاكَ لُحوني

فَخُلودٌ كَساهُمــــــــا ودَوامُ

 

أسْكَرانـــي بلا دِنانِ نَبيذٍ

رُبَّ سُكْرٍ لَمْ تَدّعيهِ مُدامُ

 

كَمَسيحٍ بِشِعْرِهِ يَتَداوى

شاهِــــداهُ قِيامَةٌ وقِيامُ

 

مُدْمِناً خَمْرَ لَحْنِهِ كالسُكارى

فَحَنانَيْكَ إذ يَحيـــــــنُ فِطامُ

 

قُمْ وَنادِمْ ذَوي القُلوبِ الحَيارى

يَفْتَديكَ الــــــورى إذن والأنامُ

 

وقضى الدهرُ أنْ يُعَتّقَ قلْبي

في خَوابٍ هفا إليْها الكِرامُ

 

مِنْ كُرومٍ عَصيرُها كَدِمائي

يحتسي كأسَها فتىً مُسْتَهامُ

 

مِلْءُ قلبي صُنوْبَرٌ وطُيورٌ

طالما نالَها أذىً وحِمـــامُ

 

غَرّدتْ صاحِ مُهْجَتي ثُمَّ طارتْ

عَنْدَليبـــــاً له عِــــدىً وسِهـــامُ

 

كَرَواناً متى شكى أو تَغنّى

جادَ شِعْراً وغَـــرَّدَ الإيلامُ

 

ما لَظاهُ سِوى وَميضِ رُؤاهُ

وَطُيوفٍ كَأنّها الأوهـــــــامُ

 

بَلْ مَجازٍ وغُنْوَةٍ للحيارى

من خَيالٍ أوْحتْ بِهِ الآلامُ

 

وَنَديمٍ بِها طغى وراحَ يهذي

بِكَـــــلامٍ يَنِزُّ مِنْهُ كِـــــــلامُ

 

يا نديمَ الصِبا أراكَ غَريماً

عَجَباً مــــا تُبْدي لَنا الأيّامُ

 

صاحِ عُذْراً وإنّما ذَا عِتابٌ

عن هُذاءٍ مِدادُهُ إيهـــــــــامُ

 

وإنفصامٌ عن رِفْقَةٍ قد تَهاوتْ

فَهَنيئاً إذا عَـــــــــــداكَ فِصامُ

 

كُنْتَ تشدو قوافياً ثُمَّ نَشدو

وَكِلانا تحــــدو به الأنغامُ

 

وَهَواءُ القرى يُناغي الفيافي

وَيُحاكي سَماءَهُنَّ غَـــــرامُ

 

والشواطي متى تَحينُ الليالي

حانَةٌ تزدهي بهـــــا الأحلامُ.

 

لُغَةُ العِشْقِ للدِيارِ غِناءٌ

أسَفاً لم يَدمْ هُناكَ مُقامُ

 

لُغَةٌ حالما يضوعُ شذاها

جُلَّناراً يَصيرُ فيها الكَلامُ

 

فَبِها زَفْرَتي وبَثُّ شُجوني

من فُؤادٍ رَغْمَ النوى بَسّامُ

 

فَنُعاماكَ أنْ تَشُمَّ ألْنُعــــامى

والصَبا إِنْ ساقَتْهما الأنسامُ

 

وَقُصاراكَ أن تَذوبَ إحْتِراقاً

إنّما العِشْقُ أن يَدومَ الضَرامُ

 

قاتِماتٌ ليْلاتُنا دُونَ عِشْقٍ

وَ حياةٌ بِغيْرِ وِدٍّ قَتـــــــامُ

 

فَإذا لَمْ تَذُقْ هَواطِلَ غَيْبٍ

فالسماواتُ خُلَّبٌ وجَهامُ

 

هَلّلَتْ حينما أطَلّتْ غُيوبٌ

وَأهَلّتْ أرواحُنــا والغَمامُ

 

وإسْتَهلّتْ أريجَ طَلْعٍ نَضيدٍ

حِينَ عَنهُ تَفَتّقتْ أكْمــــــامُ

 

ليسَ شِعْري غِوايَةً فَـــــرُؤاهُ

عِصْمَةٌ من خطيئةٍ وإعتصامُ

 

بِحِبالٍ نَسيجُها مـــــــن ودادٍ

في مَحاريبَ ما بِهِنَّ خِصامُ

 

هائماتٌ قصائدي قُرْبَ وادٍ

حيثُ صلّى مع الغواةِ إمامُ

 

دانياتٌ فهل تجودُ الدَوالي

للندامى وهل يفيضُ الجامُ

 

والكَمَنْجاتُ نازِفاتٌ قُدوداً

حَلَبٌ ذِكْرَياتُها والشــــامُ

 

والغوانـــــــــــي عبيرُهُنَّ مساءً

فَوْقَ صدري مَدى الجِراحِ وسامُ

 

والخيولُ خَيالُهُنَّ صَهيلٌ

لم تَسَعْ عُنْفوانُهُنّ لِجامُ

 

والحَنايا دُموعُهُنَّ مَـــــــرايا

عاكِساتٍ طُيوفَ من لا يُرامُ

 

ياإبْنَ ماءِ السَماءِ أيْنَ مُلوكٌ

و سَديرٌ ، خَوَرْنَقٌ وحُسامُ

 

فَهباءً قد أصبحتْ ورَماداً

وَطُلولاً كَأنَّهُنَّ حُطــــــامُ

 

لم يَدُمْ إلّا شاعِرٌ فَصَداهُ

نَغَماتٌ يَهابُهُنَّ رُكــــامُ

 

جادَ بالهالِ من شذى هَيْلَمانٍ

فُهُنــــاكَ المَدى شَفيفٌ هُلامُ

 

يا مَليكاً بكـى مَليكَ القوافي

لم تَزَلْ في خُدورِها الآرامُ

 

ألْفَ ليلٍ وليلةٍ شهرزادي

والصباحاتُ ما لَهُنَّ خِتامُ

 

وَ حِكاياتٍ سِحْرُها كَهَوانا

فـــــي ليالٍ بُدورُهنَّ تَمامُ.

 

صُحُفُ الأمْسِ أمْطَرتْ والأماسي

تَتَلاشى لـــــــــــــــو جَفّتِ الأقلامُ

 

والدواوينُ مثلَ سِحْرٍ تُداوي

ساهِرَ الليلِ لو غَشاهُ ظلامُ

 

فَسَلامي على الطيورِ اللواتي

بعدما هاجرتْ جفاها السَلامُ

***

مصطفى علي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم