صحيفة المثقف

قاسم حسين صالح: في الأسلام.. الحكّام ميكافيليون وقتلة!

قاسم حسين صالحيعدّ الأسلام بداية تحولات كبرى في العالم العربي الذي كان موزعا بين دولتي الروم والفرس، لكنه شهد حروبا وصراعات منذ نشأته، ففي عهده الراشدي الأول.. انتهت حياة ثلاثة منهم بالقتل (عمر، عثمان، علي).. وانتهى الصراع المسلح على السلطة بمبادرة من الحسن بن علي الذي تولى الخلافة بعد والده، ثم تنازل لمعاوية، ليتولى الأمويون الحكم تسعين عاما حكم فيه (14) خليفة بدأت بمعاوية (حكم 21سنة) وانتهت بمقتل مروان الثاني. وفي العهد العباسي بعصره الأول مات معظم خلفائه الأحد عشر قتلا بضمنهم المتوكل الذي قتله ابنه!. وقتل الكثير من قادة الأمويين وأنصارهم، فيما قتل معظم خلفاء العصر الثاني التسعة والعشرين، آخرهم المتوكل الذي قتله المغول.اما آخر الخلافات في الأسلام (الدولة العثمانية) فقد كان الحكم فيها وراثيا في خط الأبناء، ويطبّق فيها حالة غريبة إذ كان يقتل جميع إخوان السلطان أو يسجنون في أقفاص في القصر حتى يموتوا أو يخرج أحدهم من القفص ليصبح سلطانا إذا دعت الحاجة لذلك.. واستمرت إلى عام 1924م ليقام بدلا عنها النظام الجمهوري العلماني، ويجري تقسيم العالم العربي الى دول:

المغرب التي حكمها الأدارسة وقضى عليهم امويو الأندلس، ومصر وسوريا التي حكمها الطولونيون، والجزيرة التي حكمها الحمدانيون الذين اعتنقوا المذهب الشيعي ودخلوا بمعارك مع البويهيين ثم مع البيزنطيين، والفاطميون في مصر الذين اطاحوا بحكم الأغالبة ثم الأدارسة، وتعاونوا مع البيزنطيين لمواجهة السلاجقة، ثم انقسموا الى طائفتين، لتنتهي دولتهم على يد صلاح الدين الأيوبي، واخيرا وسط العراق الذي حكمه المزيديون الذين ينتمون لقبيلة بني اسد العربية التي تعتز بمذهبها الشيعي ودخلوا بسلسلة من التحالفات والصراعات مع العقيليين والفاطميين والسلاجقة.

ان الاسلام لم يوص بنظام سياسي معين للحكومة، ولم ترد "الحكومة" في العقائد الاسلامية، ولا يوجد دليل على ان الحكومة هي حكم من احكام الدين كما جاء في الصلاة والزكاة، وانه كان في جوهره..  يعتمد أهم مبدأ في الديمقراطية.. (العدالة الأجتماعية)، فيما واقع تاريخ الحكام في الاسلام يشير الى ان السلطات التي توالت على الحكم (الأموية والعباسية والعثمانية) انتجت قائمة طويلة من حكام طغاة، قتلة، قساة، وسفهاء، وفاسقين يشعرون بالدونية، ولم تنتج (السلطة في الاسلام) حكاّما قدوة الا الندرة، نخّص منهم:

- عمر بن الخطاب، صاحب مقولة: (لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها لما لم تمهد لها الطريق ياعمر؟)، والذي التزم المساواة في الشريعة والعدل بين الرعية.

- علي بن ابي طالب ، صاحب مقولة: (الناس صنفان اما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، والمؤتمن على مال المسلمين والذي كان يلبس لباس الفقراء ويأكل اكلهم.

-  عمر بن عبد العزيز، المحب للعلم والعلماء الذي اعاد للعلويين حقوقهم والمؤتمن على مال المسلمين ايضا، ولك ان تستشهد بحكاية عمته التي جاءت اليه تطلب زيادة على راتبها من مال المسلمين فوجدته يأكل عدسا وبصلا.

والذي حدث ان عمر وعليّا.. قتلا، ومات عمر بن عبد العزيز بالسم ولم يكمل في الحكم سنتين ونصف.. ما يعني أن الحاكم النزيه في تاريخنا الاسلامي.. يقتل، حتى في العصر الحديث للديمقراطية.. ولكم في عبد الكريم قاسم مثالا!.

والمفارقة، أن الغالبية المطلقة من الحكام في تاريخ الاسلام لم يلتزموا بتطبيق القيم الأخلاقية المنصوص عليها في القرآن، بل ان السلطة اضطرتهم، أو هم اضطروها، الى استخدام مبدأ " ميكافيللي" في التحرر من أي قيد اخلاقي او ديني بما فيها ان ينكث عهدا او اتفاقا ان كان فيه مصلحته.. ولك في مواثيق الشرف بين قادة احزاب اسلامية في العراق.. مثالا!.

ومع أن الايمان في صحيح الاسلام هو قرار اختياري، وتقديس المعتقد وتقديس الآخر اختياري ايضا، فأن الحكاّم ما كانوا يسمحون للفرد ممارسة حقه في هذا الاختيار.. بل أنهم يضطهدون من يطالب بهذا الأختيار، أبشعها ما ارتكبه حكّام العراق (الأسلاميون!) الذين تعاملوا مع متظاهري انتفاضة تشرين وكأنهم غزاة اعداء فقتلوا المئات من الشباب وجرحوا الآلاف.

والأخطر، أن هؤلاء الحكّام مستعدون لمواصلة المشوار في الانتخابات المقبلة، لأن ميكافيللي الشرير صار نبيهم الذي علمهم أن على الحاكم ان يجمع بين خداع الثعلب ومكر الذئب وضراوة الاسد، وان لا يخجل في اختيار اي اسلوب مهما تدنى ليبقى في الحكم الى ما شاء الله. اما ما يقوله الاسلام فهو عنده مكانه الفضائيات، مستلهما تعاليم ميكافيللي بأن يظهر لهم كم هو ملتزم بالأسلام (لتعطي شعبك الانطباع بانك رحيم، نزيه، انساني، مستقيم، ومتدين)، وضامرا حقيقة ثمينة اهداها له ميكافيللي بأن (الناس متقلبون، مراؤون، شديدو الطمع.. وانهم سيمجدونك حين تكون مرهوب الجانب شديد العقاب!).

الله عليك ياميكافيللي..  كيف تنبأت أن ما قلته في ايطاليا قبل خمسمئة سنة تحقق الآن في العراق!

 

أ. د. قاسم حسين صالح

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم