صحيفة المثقف

مريم لطفي: العلاقات السامة.. وتاثيراتها السلبية على حياتنا

(Toxic relationships)

"حفظ المسافة في العلاقات الانسانية مثل حفظ المسافة بين العربات اثناء السير فهي الوقاية الضرورية من المصادمات المهلكة"..مصطفى محمود

تعرف العلاقات السامة على انها نمط من العلاقات السلبية الضارة المستهلكة والمستنزفة للطاقة، تبنى على اساس الاحتكار والاستغلال باشع صورة، فهي تقوم على طرفين الاول مستغِل بشكل مرضي والاخر مستَغل بشكل اكثر مرضا!

وبما اننا نعيش في مجتمع تتنوع فيه العلاقات وتتشعب وفقا لنوع العلاقة التي اما ان تكون اجتماعية او علاقة عمل (رئيس ومرؤوس) او علاقة زمالة او علاقة زوجية او اسرية او تعتمد على قرابة او حتى على مصلحة معينة- بحدود المعقول- او اي علاقة عابرة او غير ذلك، هذه العلاقات بمجملها هي التوليفة التي تدار من قبلها عجلة الحياة، فالحياة عبارة عن مجموعة علاقات عامة وخاصة بين الافراد تبنى على اسس ومقومات معينة تبعا لكل فرد ولكل موقف وعلى اساس هذه العلاقات تقوم المجتمعات وتزدهر.

وبما ان لكل انسان شخصيته الخاصة فهو يحدد نوع العلاقة ويحدد موقعه ايضا من هذه العلاقة، فالعلاقات الصحية تقوم على اساس الاحترام المتبادل ووضع الخطوط السليمة التي تبنى على اساسها الشروط الصحية لتبادل المنفعة، فهي اذن تقوم بين طرفين متكافئين في تقديم الحقوق واداءالواجبات متساويين في الهدف، فهذه العلاقة تحقق شرط الديمومة والمساواة وتحقيق الهدف، فهي اذن علاقة صحية بامتياز، وهذا النوع من العلاقات نرى ثمارها جلية في العلاقات الزوجية السليمة وفي الاسر الامنة وبين افرادها، وفي علاقات العمل الناجحة والشراكة المتكافئة وعلاقات الزمالة الصحيحة والعلاقات الطيبة بين الاصدقاء، وحتى العلاقات التي تقوم على اي مصلحة شرط التكافؤ.

وبالمقابل هناك علاقات مرضية بامتياز نطلق عليها اسم العلاقات السامة، فماهي العلاقات السامة وكيف نتعامل معها؟

كما ذكرنا ان العلاقة السامة هي العلاقة التي تقوم على استغلال وامتصاص طاقة الاخر دون مقابل وبلا وجه حق تحت اي ظرف واي اعتبار!

ويعتبرد.جورج مالكوم "ان السمية في العلاقات تكون في وجود علاقة مع شخص يرمي المفاجات في وجهك، وعادة ماتكون غير سارة ويدخلك في منحنيات في خططك، ويجعلك في حالة من عدم التوازن، ويثير قلقك من دون سبب واضح، ويتركك تشعر بسوء ازاء نفسك، وهذا النوع من العلاقات يؤدي الى الشعور بالاحباط والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس والقلق".

فالعلاقة السامة تدمر الثقة بالنفس اولا وتجعل الانسان مجرد اداة لتنفيذ الاوامر ايا كانت، فالامر اذن هو جهة مستفيدة مستغِلة على الدوام وجهة متضررة مستَغلة على الدوام، فالطرف الاول الذي غالبا مايكون مريضا نفسيا وعلى درجة عالية من الانانية التي تجعله لايرى الانفسه او ان يكون سايكوباثي يمتلك قدرة التلاعب بمقدرات الاخرين وامتصاص طاقاتهم، فهل صادفك شخص ودود يتظاهر بالعاطفة لكن الحقيقة انه يضمر الشر لك؟

هل وجدت نفسك ممن يعطي ويعطي دون مقابل؟

هل انت ممن يشعرون بالذنب والتقصير لانك قصرت باداءك او تلكأت قليلا؟

هل استغلك رئيسك في العمل وسرق جهدك تحت اي مسمى؟

 هل اعتدت ان تجامل الاخرين على حساب نفسك خصوصا ان كان هذا الاخر لايستحي؟

- هل غلب عليك شعور الخجل وانت تستمع لحماقات الاخرين وتفاهتهم ووقاحتهم وهم يفرضون انفسهم عليك والحاحهم وتجاوزهم على وقت راحتك لالشئ الا لانهم فارغون تماما ويحاولون قضاء وقت الفراغ على حسابك؟

- هل تمادى احدهم باستغلال طيبتك لكي تقوم بالكثير دونما اي عرفان بالجميل؟

- هل وقعت فريسة الاستغلال من قبل اي احد وبالغ في استغلالك حدا وتمنيت ان توقفه عند حده؟

- هل قدمت يد المساعدة لاحد لايستحق ذلك واتخذها واجبا عليك الايفاء به دون اي توقف؟

- هل تعرضت للخيانة والكذب المستمر حتى انهار جدار الثقة ؟

- هل تصادف في يومك المتطفل والحاقد والهماز واللماز والغث والثرثار الذي يحرق عليك اليوم بثرثرته الفارغة؟

في الحقيقة ان العلاقات المرضية او ماتسمى بالسامة والتي تسمم حياتنا وتنغصها موجودة في كل زمان ومكان ولايكاد اليوم يخلو منها، فهي موجودة وبكثرة في كل مناحي الحياة بين الازواج، الاصدقاء، المعارف، الجار السئ، في العمل، في الطريق وهي علاقات تتسم بالسلبية واستنزاف الاخر باي ثمن واي طريقة، لكن الادراك المبكر لهذا النوع من العلاقات واخذ القرار المناسب بايقافها هو السبيل الوحيد للحد منها او التخلص منها نهائيا، فعلى الانسان ان يدرك بانه ليس مسيرا لخدمة احد وخصوصا اذاكان المقابل مسيئا ولايجلب سوى الحزن والالم، فحريا بهذا الانسان ان ينسف هكذا علاقات لانها تشوه الحياة.

وتتضمن العلاقات السامة الامور التالية:

- السعي الى انتزاع ثقة الاخر وتدميرها لاستنزافه وامتصاص طاقته.

- يتسم النمط المسمم للعلاقة بوجود طرف يفرض سيطرته المطلقة بكل وسيلة لانتزاع ادمية الطرف الاخر والسيطرة عليه.

- تعتبر الامراض النفسية الفتاكة كالسادية والانانية والسايكوباثية والتي تنبع من شخص يشعر بنقص شديد يحاول تعويضه بضالته عن طريق استغلاله لاشباع ذلك النقص.

- قد ينشأ بعض الافراد في بيئة سامة اصلا مليئة بمشاعر العنف والاذى وقد نقلها افرادها بوعي او دون وعي الى افراد اخرين.

- ان الطرف المستَغل هو الذي اعطى مفاتيح شخصيته للطرف المستغِل واصبحت النمطية السائدة هي علاقة وهمية تخيلية تبنى على خداع النفس اولا.

- ايهام الطرف السام للطرف المسمم ان حياته تعتمد عليه ولايمكن له ان يعيش خارج اسواره ليتمكن من السيطرة علية.

- اغراق الطرف المسمم بمستنقع من الاوهام والالام والشعور بالاحباط وشل تفكيره عن الحركة ليكون سهل الانقياد.

- جعل الطرف الثاني مسلوب الارادة لايملك حق الاختيار او الادلاء براي ما خصوصا اذاكان يعتمد عليه في حياته .

- الريبة والشك والاتهام المستمر والتحكم بكل صغيرة وكبيرة مقابل الحرية المطلقة للطرف الاول.

- اللوم المستمر والتوبيخ على كل صغيرة وكبيرة مماتجعل الانسان يتخبط بدائرة الفشل والاحباط.

هذه الامور وغيرها مما تتسم به العلاقات السامة يجعل امر استمرارها امرا صعبا للغاية ان لم يكن مستحيلا، فهكذا علاقة قد بنيت من الاساس على الخطا، لكن السؤال هل تستطيع الاستمرار بحياة كل مافيها ملكا لغيرك؟

على الاقل عليك ان تدرك انك تتعرض للاستغلال وبلا رحمة، فاذاكنت معتزا بهذه العلاقة ايا كان نوعها فعليك ان :

- تغير طريقة تعاملك مع من يحاول استغلالك واملاء ماعليك فعله، وتذكر دائما انك انت من تملك القرار.

- داوها بالتي كانت هي الداء بان تعكس المعاملة لتشعر المقابل بفداحة مايقوم به.

- وضع الحدود والخطوط الحمراء لعدم اجتيازها خصوصا في علاقات العمل والعلاقات العامة.

- عليك ان تكون حديا في التعامل وان يبنى تعاملك مع الاخرين على اساس التكافؤ.

- كن شجاعا باتخاذ القرار الذي سيحسم الجدلية في علاقة وهمية او من طرف واحد.

- قيّم العلاقة على اساس ملائمتها لروحك ونفسك وما تدره عليك من نتائج سليمة او مرضية وخذ قرارك على اساس مايمليه عليك عقلك.

- اذا لم تكن العلاقة تعني لك شيئا اوتستطيع الاستغناء عنها فالابتعاد عنها واخذ قرار ايقافها هو الحل السليم لانهاءها.

واخيرا اقول:

لاتجعل نفسك مادة للاستنزاف وتذكر دائما بانك صاحب القرار ..

 

مريم لطفي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم