صحيفة المثقف

صلاح حزام: التنمية المستدامة والأحداث التنموية العابرة

صلاح حزامفي المنشور الذي يتناول استفادة العراقيين من ثروتهم النفطية، علّق أحد الأصدقاء قائلاً انه يختلف معي واستعان لاثبات ذلك الأختلاف بأحداث حصلت في العراق وكانت تعتبر تنموية من وجهة نظره (مثل حفل اختيار ملكة جمال او اقامة حفل غنائي) ..

ومع ان الموضوع كان يبحث في أوجه تبديد ثروة البلد ماضياً وحاضراً ولايتحدث عن عملية التنمية اجمالاً في العراق، ولكني واحتراماً لذلك الصديق العزيز، سوف اتحدث باختصار عن التنمية .

التنمية، ولكي تكون كذلك، يجب ان تكون مستدامة. بمعنى ان تكون هناك قدرة محسوبة على ديمومة الانجازات التي تعتبر تنموية. فقد يتم بناء حديقة جميلة ويجري الاحتفال بافتتاحها، ويسعد الناس بتلك الحديقة ..

ولكن بعد سنة او سنتين قد تُهمل تلك الحديقة وتتحول الى مزبلة وتموت نباتاتها وحشائشها، لعدم وجود القدرة والموارد لادامة ادارة وتنظيم تلك الحديقة. في حالة من هذا النوع، هل يمكن الحديث عن تلك الحديقة بعد سنين باعتبارها مُنجز تنموي مع انها لم تَعُد حديقة حالياً؟

الجزء المهم في التنمية هو ضمان ديمومة الانجاز التنموي وليس توقفه وتحوله الى ذكرى تنموية تداعب خيال بعض المتعصبين والمتحمسين ..

لقد تمت اقامة العشرات من المشاريع التي احتفلنا بها باعتبارها سوف تقلل من اعتمادنا على موارد النفط (تحقق نوع من التنويع الاقتصادي وتخلّص اقتصاد البلد من صفة احادية الجانب)، لكنها كانت عبئاً على ميزانية الحكومة لانها كانت تحتاج الى الدعم المالي الحكومي والدعم القانوني من خلال منع استيراد المنتجات المماثلة لمنتجات تلك المشاريع لكي تنفرد تلك المشاريع بالمستهلك العراقي وتبيع منتجاتها له بالسعر المرتفع الذي تحدده لانها تنتج بتكاليف عالية تزيد كثيراً عن اسعار مثيلاتها المستوردة..

وعندما توقف تصدير النفط بعد الحصار توقفت تلك المشاريع لانها تحتاج الى استيراد الكثير من المواد والمُدخلات. (تم تشييد مصانع الاسكندرية في الستينيات لانتاج اللوريات والجرارات، ولكنه ولغاية الحصار وتوقف المصنع لم يتقدم في تصنيع بعض أجزاء السيارات واستمر بتجميع الأجزاء المستوردة فقط).

هل يمكن ان نستمر بالاحتفال بهكذا مشاريع باعتبارها تنموية؟

اضافة الى ماتقدم، قد يكون من المفيد التنويه الى ان عملية التنمية لاتعني تحسين الدخل للفرد وتحسين الطعام والاساسيات الحياتية فقط، بل هي اوسع من ذلك بكثير .

انها تشمل نوعية الخدمات الصحية والتعليمية والثقافية والترفيهية ونوعية السكن والمواصلات ونوعية البيئة والأمن الاجتماعي والاطمئنان الى المستقبل وتوسيع الخيارات والفرص وتمكين الناس من استخدام الوقت بشكل أمثل.

كما ان التنمية تشمل حرية التعبير واحترام حقوق الانسان الاساسية..وغيرها العديد من الجوانب التفصيلية.

لذلك كله لايجوز الحديث عن تنمية مناطقية او اقليمية محدودة تمتعت فيها فئة من الناس بمستوى جيد من الحياة ..

التنمية يجب ان تكون شاملة من حيث شمول كل المجتمع بثمارها، وشاملة بمعنى شمول وتحقق التنمية في كل جوانبها التي ذكرتها في اعلاه.

كم عراقي من سكان الريف الشاسع او حواشي المدن او حتى معظم سكان المدن نفسها، كان يسمع بحصول حفلة اختيار ملكة جمال العراق؟؟

هذا الكلام يشبه الدعاية السياسية التي تمارسها الحكومات المستبدة (propaganda)..

انا متأكد من وجود فئة صغيرة كانت تتمتع بمستوى معيشي راقي، ولكن ذلك لايعني حصول التنمية ابداً.

من يستند الى الأحداث التنموية للبرهنة على وجود التنمية، هو يخلط في حقيقة الأمر بين التنمية المستدامة (sustainable development) وبين الاحداث التنموية المُفردة والمبعثرة والعابرة وغير القابلة للبقاء وخدمة التنمية الشاملة.

التنمية الشاملة، تتحق اعتماداً على سلسلة من المشاريع والمبادرات والتشريعات التي لها القدرة على الاستمرار . لايوجد نشاط واحد تذهب اليه الدولة لكي تُعلِن لاحقاً انها نجحت في تحقيق التنمية .. التنمية الشاملة حصيلة لعدد كبير من تلك الأحداث التنموية التي يجب ان تحصل وفق حسابات مخططة وتوقيتات سليمة.

 

د. صلاح حزام

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم