صحيفة المثقف

صلاح حزام: هل يمكن ان يرتقي مستوى الحوار السياسي المجتمعي؟

صلاح حزاممن النادر جداً ان تجد رأياً سياسياً يتداوله العراقيون هذه الأيام وفيه قدر معقول من لغة السياسة وقواعد العمل السياسي ومفاهيم العلوم السياسية. انها شتائم وسخرية وتشبيهات مهينة للسياسيين العراقيين واتهامات خطيرة وتشفّي بالطبقة السياسية التي سوف يتم "سحلها" كما يحلو للبعض ان يتمنى ويتوقع !!

وحتى اعضاء الطبقة السياسية انفسهم لا يخلو خطابهم من ذلك كله من تسقيط واتهام وغير ذلك..

هل هذه لغة مفيدة؟ هل سوف تساهم في تحسين اوضاع العراق؟ هل هي السبيل الوحيد المتاح للتعبير؟

هذا الاختزال لاصدقاء واعداء العراق بشكل تعسفي، والجرأة على تحميل المسؤولية لهذا الطرف او ذاك وتبرئة من يشاؤون من الاطراف الدولية.

غياب شبه تام للموضوعية في تناول الموضوعات المختلفة.

العراق قبل عام ٢٠٠٣ لم يعد له صديق واحد في العالم، وهذه حقيقة !!

حارب الجميع وشتم الجميع واتهم الجميع بالخيانة ونثر البذاءة على الجميع واعلن تحديه للعالم علناً في مواضيع حساسة كالطاقة النووية والسلاح الكيمياوي والسلاح الكيمياوي المزدوج.

باختصار، لقد تحدى النظام العالمي الجديد الذي تشكل بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والذي كان يسود رغماً عن أنوف الجميع، انه منطق القوة التاريخي!!

وعلى من كان يراهن؟ كان يراهن على الشارع العربي، ليكتشف لاحقاً وبشكل متأخر، انه لايوجد شارع عربي أصلاً، كما قال ارييل شارون رئيس الوزراء الاسرائبلي السابق.

ليس من السهل محو هذه الصورة التي تشكّلت عن العراق في اذهان العالم .

قد يظهر هنا وهناك بعض الاحيان من يتعاطف مع العراق لاسباب مختلفة، لكن الاتجاه العام والذي يكتسب زخمه من تصرفات نظام العراق لازال سائداً.

وقد ساهمت آلة الدعاية الجبارة في تعزيز تلك الصورة مستندةً على افعال العراق..

في ظل هذه الاوضاع يحتاج العراق الى التناول العلمي المنهجي لمشاكله بعيداً عن الكلام الفارغ لبعض السياسيين الأميين.. (على طريقة: الخير لازال موجوداً فينا)

المطلوب من المثقفين التعامل مع الموضوع بشكل علمي وذلك على الأقل لرفع درجة الوعي لدى الجمهور.

جغرافية العراق ثابتة بشكل أزلي والنظم المحيطة بالعراق موجودة وليس للعراق الحق او القدرة على تغييرها.. منطق القوة ألحَقَ الضرر بالعراق، ودراسة افضل سبل التعاون مع جيران العراق ومع محيطه اكثر جدوى من أثارة الكراهية والتحريض.

ايران مثلاً، تعاني من أسوأ موجة جفاف والناس في بعض المناطق تقف طوابير لشراء الماء، ولدينا من يقول انهم يريدون تعطيش العراقيين انتقاماً من هزيمتهم في قادسية صدام !!

اي منطق هذا وأي عبث بعقول الناس!!

يقولون أن امريكا تفجّر ابراج الكهرباء ومرة يقولون ايران ...ومرة يقولون قوى دولية، وهكذا .

هذه الفوضى في تناول الأمور لاتساهم بشيء مفيد .

هل قدّم لنا أحد المختصين او المحللين الاستراتيجيين او الكتاب والشعراء والادباء، وما اكثرهم، رأياً هادئاً بخصوص افضل التحالفات المستقبلية للعراق واين يجد مصلحته؟

الكثير منهم ينتقد الاتفاقية الصينية وهو لم يطلع عليها ولايدري هل هي اتفاقية نهائية ام مذكرات تفاهم ام ماذا؟ وهل الغيت فعلاً؟ ولماذا؟

هل الغيت الاتفاقية مع شركة سيمنس؟ وماهي الاتفاقية؟

كل يوم يطل علينا عالم سياسة عراقي يعيش في "المهجر" مثله مثل إليا ابي ماضي، ليصدع رؤوسنا بالخسارة الكبرى والكارثة التي حلّت بالعراق لانه الغى الاتفاقية مع الصين !! ويظهر زميل آخر من "مهجر " مختلف ليقول ان الاتفاقية موجودة !!

اعتقد ان هذه الاعمال غير وطنية لانها تساهم في زيادة ضبابية المشهد عند الناس .

ليس هناك مايكفي من النصح حتى للطبقة السياسية يقول لهم انكم لستم احراراً في التلاعب بالعراق وان هنالك مصالح كبرى للعديد من الجهات في العراق انتم لاتفهمونها لأنكم طارئون وهذا خطر يهددكم بشكل جدّي.

نحن نحتاج الى واقعية شديدة وابتعاداً عن الخطاب الجاهلي والفروسية البدوية التي تقدّم صورة غير حقيقية عن العراق لدى ابناءه.

العراق بلد منهك اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً واجتماعياً واخلاقياً وقيمياً، وعلى الناس معرفة ذلك .

 

د. صلاح حزام

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم