صحيفة المثقف

يسري عبد الغني: شكيب أرسلان يعرض أسباب تخلف المسلمين

يسري عبد الغنيسعى السياسي والمؤرخ أمير البيان شكيب أرسلان لقراءة الأسباب التي أدت إلى تعاظم الفجوة الحضارية والمعرفية التي تفصل العالم الإسلامي عن العالم الغربي الذي جال في بلدانه.

وفي كتابه “لماذا تأخَّرَ المسلمون؟ ولماذا تقدَّم غيرهم”، أضاء أرسلان على النقاط التَّالية في واقع حال المسلمين في السابق وفي عهده، قائلاً:

إن أسباب ارتقاء المسلمين في الماضي كانت في مجملها إلى الدِّيانة الإسلامية التي كانت قد ظهرت جديداً في الجزيرة العربية، فدان بها قبائل العرب، وتحولوا بهدايتها من الفُرقةِ إلى الوِحْدَة، ومن الجاهلية إلى المدنية، ومن القسوةِ إلى الرَّحْمَة، ومن عبادة الأصنامِ إلى عبادة الواحِد الأحد، وتبدلوا بأرواحهم الأولى أرواحاً جديدة، صيَّرتهُم إلى ما صاروا إليه من عِزَّة وَمَنَعَةٍ، ومجدٍ وعِرفانٍ وثروة.

حالة المسلمين الحاضرة ولاسيما مسلمي القرن الرَّابع عشر للهجرة أو العشرين للمسيح، لا تُرضي أشدَّ النَّاسَ تحمُّسَاً بالإسلام وفرحاً بحزبه، فضلاً عن غير الأحمسي من أهله.

فلمَّا كان المسلمون قد غيَّروا ما بأنفسهم كان من العجَبِ ألَّا يغيِّرَ الله ما بِهِم، وأن لا يبدلهم الذِّل والضِّعة، من ذلك العِزِّ وتلكَ الرِّفعَة، بل كان ذلك يُعدُّ منافياً للعدل الإلهي، والله عزَّ وجَلّ هو العَدْل المَحْض.

تصوَّر أمَّةً لله عندها مئة، وهي تؤدِّي من المئة خمسةٍ فقط، أتعدَّ نفسها قد أدت ما عليها وهي تطمع أن يكافئها الله كما كان يكافئ أجدادها الذين كانوا يؤدُّون المئة المئة؟

إنَّنا نراهُم (المسلمين) قد محوا رسوم الأوقاف والمؤسسات الخيرية التي تركها آباؤهم، فضلاً عن كونهم لا يتبرعون بالأموال الخاصَّة، ولا يجرون مع الأوروبيين في ميدان من جهة التبرُّعِ لأجل المشروعات العامة، فكيف يطمعُ المسلمون أن تكون لهم منزلة الأوروبيين في البسْطَةِ والقوَّة والسُّلطان، وهم مُقصِّرون عنهم بمراحلِ في الإيثار والتضحية؟

يقولون: لماذا سادت الأمة الإنجليزية هذه السِّيادة كلها في العالم؟ نجيبهم: إنها سادت بالأخلاق وبالمبادئ الوطنية العالية.

وإذا سألتَ هؤلاء المسلمين الممالئين للعدو على أخوانهم؛ كيف تفعلون مثل هذا وأنتم تعلمون أنَّه مخالفٌ للدِّين والشَّرفِ وللفتوَّة وللمروءةِ وللمصلحة وللسياسة؟ أجابوك: كيف نصنع فإن الأجانب انتدبونا، ولو لم نفعل لبطشوا بنا، فاضطُرِرنا إلى القتال في صفوفهم.

ومن أعظم أسباب تأخُّر المسلمين فساد الاخلاق؛ بفقد الفضائل التي حثَّ عليها القُرآن، والعزائم التي حمل عليها سلفُ هذه الأُمَّة وبها أدركوا ما أدركوا من الفلاح، والأخلاق تكون في تكوين الأُمم فوق المعارف.

ومن أكبر عوامل تقهقر المسلمين فساد أخلاق أُمرائهم بنوعٍ خاصٍ، وظنَّ هؤلاء – إلَّا من رَحِمَ ربك- أن الأُمَّة خُلِقَت لهم أن يفعلوا بها ما يشاؤون، وقد رسَخَ فيهم هذا الفكر حتى إذا حاول محاول أن يقيمهم على الجادَّةِ بطشوا به، عِبرةً لغيره.

من أكبر عوامل انحطاط المسلمين الجمود على القديم، فكما أنَّ آفة الإسلام هي الفئة التي تريدُ أن تلغي كلَّ شيءٍ قديم، بدون نظرٍ فيما هو ضارٌ منه أو نافع؛ كذلك آفة الإسلام هي الفئة الجامدة التي تريد أن لا تغيِّرَ شيئاً، ولا ترضى بإدخال أقل تعديلِ على أصول التعليم الإسلامي؛ ظنَّاً منهم بأن الاقتداء بالكُفَّارِ كُفْرٌ، وأن نظام التعليم الحديث من وضْع الكُفَّار.

من أعظم أسباب تأخُّر المسلمين العِلْمَ النَّاقِص، الذي هوَ أشدُّ خَطَرَاً من الجهل البسيط، لأنَّ الجاهِلَ إذا قيَّضَ الله لهُ مُرشِداً عالماً أطاعهُ ولم يتفلسف عليه، وأمَّا صاحبُ العِلم النَّاقِصِ فهو لا يدري ولا يقتنع بأنَّه لا يدري.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم