صحيفة المثقف

جيمي سانتياغو باكا: مهاجرون في ارضنا

عادل صالح الزبيديبقلم: جيمي سانتياغو باكا

ترجمة: عادل صالح الزبيدي


 مهاجرون في ارضنا

نولد والأحلام في قلوبنا،

نتطلع الى ايام افضل آتية.

على البوابات يعطوننا اوراق جديدة،

يأخذون ملابسنا القديمة

ويعطوننا بدلات مثل التي يلبسها الميكانيكيون.

يحقنوننا حقناً ويسألنا الأطباء أسئلة.

ثم نتجمع في غرفة اخرى

حيث يرشدنا المرشدون نحو ارض جديدة

سنعيش فيها الآن. نخضع لاختبارات.

بعضنا كانوا حرفيين في العالم القديم،

ماهرين باستعمال ايدينا وفخورين بعملنا.

وآخرون كانوا بارعين باستعمال عقولهم.

كانوا يستعملون المنطق مثلما يستعمل

العلماء النظارات والكتب ليفهموا العالم.

لكن اكثرنا لم يكمل المدرسة الثانوية.

**

كبار السن الذين يعيشون هنا يحدقون بنا،

بأعين مضطربة، عابسة، مدحورة .

نجتازهم وهم يقفون كسالى حول المكان،

يتكئون على المجارف والمعازق او على الجدران.

آمالنا كبيرة: في العالم القديم،

كانوا يتحدثون عن اعادة التأهيل،

عن امكانية اكمال الدراسة،

وتعلم حرفة جيدة اخرى.

لكننا نرسل مباشرة للعمل غاسلي صحون،

للعمل في الحقول مقابل ثلاثة سنتات في الساعة.

تقول الادارة ان هذا مؤقت

لذلك نقوم بعملنا، السود مع السود،

البيض الفقراء مع البيض الفقراء،

الشيكانو والهنود لوحدهم.

تقول الادارة ان هذا صحيح،

لا تمازج ثقافي، ليبقوا منفصلين،

مثلما في الأحياء القديمة التي جئنا منها.

**

جئنا الى هنا هربا من الوعود الكاذبة،

من الطغاة في احيائنا،

الذين يلبسون البدلات الزرقاء ويكسرون ابوابنا

متى ما ارادوا، يعتقلوننا متى ما رغبوا،

يلوحون بالهراوات ويطلقون البنادق متى شاءوا.

لكن الحال ليس مختلفا هنا. كلها معسكرات اعتقال.

الاطباء لا يكترثون، اجسادنا تتحلل،

عقولنا تتدهور، لا نتعلم شيئا ذا قيمة.

حياتنا لا تتحسن، نتدهور سريعا.

**

زنزانتي تتشابك داخلها حبال الغسيل،

تجف عليها قمصاني، سراويلي  الرياضية القصيرة والعادية وجواربي.

تماما مثلما كانت في حينا:

من جميع المنازل يعلق الغسيل من نافذة الى نافذة.

يخرج (جوي) يديه عبر الممر

ليناول (فيليبي) سيجارة من خلال القضبان،

يتصايح الرجال من زنزانة الى زنزانة،

قائلين ان مغاطسهم لا تعمل،

او يصيح احدهم في الدور الأسفل غاضبا

متذمرا حول مرحاض يطفح،

او ان سخانات الماء لا تعمل.

**

اطلب من جاري (كويوت) ان يرمي لي

بقليل من مسحوق الغسيل كي انهي غسيلي.

انظر تحت وارى مهاجرين جدد يدخلون،

أفرشتهم ملفوفة على اكتافهم ،

تسريحات شعر جديدة واحذية غليظة،

يتطلعون حولهم، كل يحمل حلما في قلبه،

معتقدا انه سيحصل على فرصة لتغيير حياته.

**

ولكن في النهاية، سيجلس البعض في مكانهم

يتحدثون عن العالم القديم وكيف كان جيدا.

بعض الشباب سيصبحون افراد عصابات.

بعضهم سيموتون وبعضهم سيواصلون العيش

دونما روح، او مستقبل، او سبب للعيش.

البعض سيخرجون من هنا والكراهية في عيونهم،

لكن القليل جدا سيخرجون من هنا بشرا

مثلما جاءوا، انهم يغادرون متسائلين ما الذي حصلوا عليه الآن

بينما ينظرون الى اكفهم التي ابتعدهم مدة طويلة عن ادواتها،

بينما ينظرون الى انفسهم، بعد ان ابتعدوا طويلا عن عائلاتهم،

ابتعدوا طويلا عن حياتهم نفسها، وقد تغيرت اشياء كثيرة.

***

........................

ولد الشاعر الأميركي جيمي سنتياغو باكا عام 1952 في مدينة سانتا- فَيْ بولاية نيومكسيكو من أصول هندية مكسيكية. قامت جدته بتربيته ثم أرسلته إلى دار للأيتام . عندما بلغ الثالثة عشرة من العمر هرب من دار الأيتام وعاش حياة تشرد كان يمكن أن تصنع منه مجرما محترفا، إلا إن حياته اتخذت مسارا آخر عندما حكم عليه بالسجن خمس سنوات تحت حراسة مشددة فاستطاع خلال فترة سجنه اكتشاف موهبته الشعرية وقام بشحذها وتطويرها بقراءة شعراء أثروا فيه كثيرا مثل نيرودا و لوركا. أصدر أول مجموعة شعرية بعنوان (مهاجرون في أرضنا) عام 1979 وهو العام الذي أطلق فيه سراحه.

بعد خروجه من السجن أكمل باكا تعليمه الجامعي فنال شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة نيومكسيكو وقام بتكريس حياته لمساعدة من يحتاجون إلى من يعينهم على التغلب على صعوبات الحياة، فأقام المئات من ورش تعليم الكتابة في السجون والمراكز الاجتماعية والمكتبات والجامعات في أنحاء الولايات المتحدة، وأنشأ عام 2005 مؤسسة تحت اسم (شجرة السدر))تعنى بتوفير التعليم المجاني وفرص تطوير الحياة لمن بحاجة إليها فضلا عن توفير فرص الدراسة والمواد الكتابية والكتب وغيرها.

تتميز أشعار وكتابات باكا بصلتها الوثيقة بثقافته الأصلية وما تتضمنه من تراث شعبي وأساطير فضلا عن تعلقه بالأرض والتاريخ وتعبيره عن موضوعات أثيرة في الشعر الأميركي عموما مثل موضوعة البحث عن الهوية أو العودة إلى الجذور، وكان لتجاربه الحياتية القاسية أثرها البالغ في شعره. حازت مؤلفاته على جوائز عديدة، ومن بين عناوين مجموعاته الشعرية (قصائد ميسا السوداء) 1989 و(العمل في الظلام) 1992 و (أضرم النار بهذا الكتاب) 1999.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم