صحيفة المثقف

حاتم حميد محسن: تحديات الاحتباس الحراري العالمي.. دور الفلسفة والعلوم

حاتم حميد محسنيجب على الدول الصناعية ان تصبح قادرة سياسيا واقتصاديا وتكنلوجيا واخلاقيا على إبقاء حرارة الارض أعلى من مستوى ما قبل الصناعة بأقل من 2 درجة مئوية (1). المشكلة ليست عصية على الحل. من الممكن الاستفادة في المدى البعيد من ضرورة التعامل مع الاحتباس الحراري الناتج عن أفعال الانسان حينما نكون ناضجين سياسيا وأخلاقيا.

حتى الآن، فشل العالم الى حد كبير في تجاوز ضيق الافق السياسي والاقتصادي والأخلاقي. هذا الفشل المستمر سوف يحيل آمال الاستدامة الى انهيار. في سرعتنا الحالية بحرق الوقود الاحفوري، سوف نتجاوز حدود الـ 2 درجة مئوية في عام 2036 (باستعمال متوسط حرارة نصف الكرة الشمالي على سنة اساس حقيقي لما قبل الصناعة "1750-1849"). واذا وصلنا درجة حرارة 2 درجة، عندئذ ستهدد ردود الأفعال الطبيعية بخلق احتباس حراري آخر، بحيث يصبح من الممكن حدوث احتباس حراري في نطاق 3 درجة مئوية او اكثر. وعندما ترتفع  درجة الحرارة ثلاث درجات مئوية سنكون غير قادرين على التعامل مع النتائج. باختصار، نموذجنا الحالي للتنمية يثبت انه كارثي للحضارة الانسانية والعالم الطبيعي.

الفلسفة

في القرن الثامن عشر كتب ديفد هيوم بشكل استفزازي: ليس غريبا  التفكير بتفضيل تدمير كل العالم بدلا من خدش أحد أصابعي. هيوم لم يكن موافقا على هكذا حكم. بل هو يرى ان تفكيرنا يميل ليكون مؤطرا بغير العقلاني، واحيانا، بعواطف سخيفة. المواقف غير الاخلاقية حول تغيرات المناخ في المناطق الأكثر استعدادا للتعامل معها تؤكد رؤية هيوم.

في الرد على هيوم، اعتقد عمانوئيل كانط ان هناك واجبا اخلاقيا للتعامل مع الآخرين بمستويات تنسجم مع المنزلة الأخلاقية للمرء. القيام بهذا يشجع العالمية (الكوزموبوليتية) التي تنظر الى ما وراء الحدود القومية. ان مفهوم "الإنصاف كعدالة" الذي طوره جون رولز يرى ان المنافع التي يتمتع بها أعضاء المجتمع الأكثر حظا تساهم بمستقبل الأقل حظا. الفيلسوف المعاصر بيتر سنجر يجادل بان المواطنين الأثرياء في العالم عليهم مسؤولية أخلاقية لمساعدة المحرومين والفقراء في العالم. أي اطار مناخي عادل سياسيا ومسؤول أخلاقيا يجب ان يستلزم موازنة مستمرة بين أفعال الامم الصناعية وتأثيراتها على الشعوب الأضعف.

حتى الآن، استغلت الامم الثرية في العالم  فوائد استخراج الوقود الاحفوري بينما تكرس في نفس الوقت زيادة معاناة الناس الأقل حظا في الكوكب. الدول النامية لا تستطيع المحافظة على نفس نسبة الكاربون المرتكز على النمو التي تمتعت بها سابقا الدول المتطورة. الأقل مسؤولية تجاه تقلبات المناخ هم الأكثر حساسية له، ويتحملون اخطاره المدمرة . شعوب العالم المتطور يجب ان تفهم الاخطار التي يواجهها اولئك الذين في الجبهة الامامية لتأثيرات الاحتباس الحراري العالمي.

العلم

حاليا، عند حرارة فقط تسعة بالعشرة  من الدرجة مئوية، ترتفع مستويات البحر ثمانية بوصات. وبالنتيجة،يصبح الملايين في العالم النامي عرضة لتصاعد العواصف الساحلية. الأعاصير الاستوائية تشكل أكبر ضرر لفقراء السواحل، بينما تسخين المحيطات يفتح الطريق لإطلاق قوتها التدميرية. ومع استمرار ذوبان القطب الجنوبي والصفائح الثلجية لغرينلاند، ذلك يدفع للتنبؤ بارتفاع مستوى سطح البحر  ثلاثة اقدام اخرى وربما ستة اقدام عام 2100 . هذا يعني ان مستوى التسخين الذي تم بلوغه سلفا سوف يدفع ملايين الناس  في العالم للهجرة. ثقافات كامل المنطقة الاستوائية ربما تتبعثر وتتحطم طرق حياتها التقليدية. أزمات اللاجئين الكارثية سوف تتفاقم بنطاق اكبر بسبب الآفات الزراعية والأمراض الاستوائية والزيادة المستمرة في الحرارة وحرائق الغابات والجفاف وما يتبع ذلك من فشل المحاصيل. ضحايا التهجير المناخي سيكونون في مخاطرة اخرى عندما تشتد التوترات السياسية والاجتماعية. ذلك يجعل العالم يشهد اكبر فترة انقراض متواصلة منذ ظهور الدينوصورات على الارض. العديد من الدول تستمر في إطلاق غازات البيوت الزجاجية بنسبة عالية رغم امتلاكها معلومات عن الاحتباس الحراري منذ اكثر من عقدين.

دمار غير عادل

من الواضح ان الكوكب الذي نأمل تركه للأطفال اليوم ولذريتهم غدا سيكون عالما لتحطيم بيئي غير عادل. اذا لم يُتخذ اجراء حاسم الآن سيبقى العالم في معاناة متصاعدة وجوع ومجاعة والقليل جدا من التنوع البيئي. أعضاء العالم الصناعي يتحملون مسؤولية أخلاقية للنتائج المستمرة لسلوكنا الحالي. هناك ادراك منذ وقت طويل عن كيفية كبح الاحتباس العالمي من خلال اتفاقيات تسعير الكاربون. وبدلا من ذلك، جرى تأجيل الفعل، والعديد من القطاعات الصناعية والسياسية ذوي المصالح المالية تجاهلت مجتمعة، وشجعت (واحيانا موّلت) هجوم زائف وغير أخلاقي على حقائق العلم.

ان عدالة المناخ والضرورات العملية تتطلب من الامم الثرية ان تساعد العالم النامي في معالجة التهديدات المتصلة بالمناخ والتكيف بشكل مستدام. وكذلك، يجب على الدول الثرية ان تتصرف بحزم وبجهد مخلص لتجنّب الوصول الى عتبة الـ 2 درجة مئوية. القيام بهذا يُعد ضرورة عملية وأخلاقية تتطلب الشروع بخطط تخفيف ملزمة قانونيا، وزيادة الاستثمار في البنية التحتية الدائمة، واعتماد التكنلوجيات المتجددة. لو فشل العالم في تجنّب الـ 2 درجة حرارية، وهي الإمكانية التي يجب ان نكون مستعدين لها،فان فعلا حاسما لو يُتخذ الآن سيكون امرا هاما وسيضع الجيل القادم في وضع أفضل في البناء على جهودنا والتعلّم في نفس الوقت من أخطائنا. الصعوبة في الموقف الحالي لا تبرر التردد الأخلاقي.

 

حاتم حميد محسن

.......................

الهوامش

(1) حسب تقارير المناخ (climate.gov) ان درجة حرارة الارض زادت بمقدار 0.08 درجة مئوية لكل عقد منذ عام 1880. وبشكل عام جرى اعتبار حرارة الارض ارتفعت حوالي 1 درجة مئوية او 1.8 فهرنهايت منذ بداية الثورة الصناعية حوالي 1750.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم