شهادات ومذكرات

من أرشيف البيت الهاشمي: منهجية "الأمام الحسن" السلميّة

abduljabar noriيذكرني هذا اليوم 15 من شهر رمضان بطفولتنا البريئة حاملين الفوانيس أو الشموع ونتراكض ونتدافع بشغف ومحبة في أحدى أزقة بغداد الحبيبة، ونهزج بهذه الكلمات بدون أن نعي معناها {ماجينا --- يا ماجينا ---} وعند تقدمَ بنا العمر سلمنا راية هذا الفولوكلور التراثي إلى الجيل اللاحق في محلتنا، وعندها دفعني الفضول أن أسأل صديق والدي الشيخ عبد الرزاق الواعظ – فأجابني {أبني، لولا ولادتك يا حسن ما جينا}

ترك البيت الهاشمي بصماتهُ في السفر العظيم لتراث الأمة، في ثقافة الأدب والشعر والنثروفن الخطابة في السهل الممتنع ودقة المنهجية العلمية، والفروسية، ومكارم الأخلاق في الوعظ والأرشاد، والكرم والجود بالنفس لتحقيق الوحدة المجتمعية .

واليوم نحن أمام أحد أعمدة البيت الهاشمي وأقماره " الحسن أبن علي" طودٌ شامخٌ، وقورٌ صبورٌ، سيّدٌ، كريمٌ، ورحيمٌ، وحليمٌ، ومتواضعٌ، ومن ألقابهِ المجتبى، الزكي، كريم أهل البيت، ريحانة رسول الله، كيف لا وقد نَهَلَ من المدرسة النبوية لسبع سنوات، ومن المدرسة العلوية ثلاثين سنة لذا أصبح حضورهُ بارزاً ومميّزاً في شخصيةٍ محوريةٍ أسمهُ الأمام " الحسن أبن علي" نجددُ ذكرى ولادته الميمونة والمباركة في 15 من شهر رمضان 3 هجريه – المصادف 4 آذار 625م، وأستشهد الغائب الحاضرفي 7 صفر 50 للهجرة، بالسّمْ على يد زوجتهِ جعده بنت الأشعث الكندي بأمرٍ من معاوية – خصمهُ ومنافسهُ ومغتصب حقهُ افي الخلافة – مروج الذهب /ج2 ص36) .

 

الصلح أو التنازل

الأسباب: يصحُ هنا أنْ نقول لكل حادثٍ حديث، والحديث فيه طويل وخاضع للصح والخطأ، الأفضل أنْ نلقي الضوء من الكاشف التأريخي حول هذهِ النقلة النوعية والمفصلية في حياة الأمة، وثُمّ نترك للقاريء المثقف أنْ يقييّم مبادرة الأمام السلمية ، أو الصلحية:

الأحداث تتسارع حول الأمام

1- قلة عدد أشياعه، عدم أيمانهم بمبدأ " الأمامة " وأزدواجيتهم في الولاء، وميلهم لحب الدنيا، وولائهم لسلطة الأقوى وطمعهم في أغراءات معاوية المالية وتوزيع المناصب وموائدهِ الدسمة (كتاب الحسن أبن علي- عبد القادر أحمد اليوسف ص 60).

2- كان عند الحسن أهم قضية – بعد أستشهاد أبيه – هي مواصلة القتال ضد معاويه، فأنشأ جيشاً بقيادة أبن عمهِ " عبيد الله أبن العباس " ولكن معاويه أرشاه فأنقلب على الحسن،

3-تعرَّض إلى ثلاثة محاولات أغتيال : الأولى/ رماهُ أحدهم بسهم عندما كان يصلي وجاءت بذراعهِ، الثانية / ضربة خنجر أثناء الصلاة، الثالثة / وهي الأخطر طعنة رمح في فخذهِ في طريقهِ إلى المدائن . (كتاب التوحيد/ لأبن خزيمه، الطبري – الجزء الرابع)

4- معاناة الحسن * حزنهِ على فراق جدهِ، وأبيه، * شهد الهجوم على دار أمهِ فاطمه، وما حصل عليها من أعتداء، وهتك حرمة دارها، * وشهد ما تعرّض لهُ أبوه "علي" من الظلم والجفاء وغصب خلافتهِ، والتعرض لشخصهِ على المنابر، وقنوت الصلاة، *شهد طعنة أبيه بالسيف أمام عينيه في المسجد وأستشهادهِ، * قتل معاويه أصحاب أبيه واحدا تلو الآخر. (الكامل في التأريخ- لأبن الأثير).

5- ثُمّ أنّ معاويه أكتسب الشرعية على أدارة بلاد الشام عندما عيّنهُ الخليفة الراشدي الثالث والياً عليها، وأستقل بها عند خلافة علي، وهذا مما ساعده على تكوين جيش أموي شامي موالي لهُ بالأغراء والقوّة، والمعروف عن معاويه أنهُ من دهاة العرب وأحاط نفسهُ برجالٍ مثلهِ "كعمر أبن العاص" الذي يلقب بثعلب العرب الماكر، وكما يقول المثل (شبيه الشيء منجذبٌ أليهِ)، كما أنّ معاوية أستعمل سياسة الشدة حيث صفى جميع أصحاب علي وخصومهِ من مؤيدي الحسن، بأستعمال (السُمْ) حين وصفهُ المؤرخون بأنّ لهُ {جيشٌ من السُمْ} .

الخلاصة// أختار الحسن الصلح بدل الحرب لتحقيق هدف الأصلاح في الأمّة ِ، وفضحَ نوايا عدوهِ الدنيوية، وطلب الهدنة من معاويه " لحقن دماء المسلمين وقطع دابر الفتنة، والقضاء على التفرقة " (مروج الذهب /ج2 ص36،ومقاتل الطالبيين)، ثُمّ أنّ قول جده الرسول فيهِ لا يفارق ذهنهُ عندما قال: {أنّ هذا أبني سيّدْ وسيصلح الله بهِ بين فئتين عظيمتين من المسلمين} رواهُ البخاري، وختم قراره السياسي بهذهِ العبارة المؤثرة التي تدل على حكمة وعقلانية وحنكة هذا القمر الهاشمي   {فوالله لأنْ أسالمهُ وأنا عزيز، خيرٌ منْ أنْ يقتلني وأنا أسيرهُ أو يمُنّ عليّ فتكون " سُبَةً " على بني هاشم إلى آخر الدهر}، وقد ترك الدنيا الفانية رغبة في الآخرة الباقية، في حقن دماء الأمة، وأجماع الكلمة على أميرٍ واحد(البخاري) – وسلامٌ عليك يوم ولدت ويوم تبعثُ حيا -----

 

عبد الجبار نوري/ السويد

في 3-تموز-2015

في المثقف اليوم