شهادات ومذكرات

محمد مهران رشوان والمنطق عند العرب

محمود محمد علييعد الدكتور محمد مهران رشوان (1939-2012م) أحد رواد أساتذة المنطق المتميزين في عالمنا العربي، استطاعوا توظيف المنهج التحليلي الذي طبقه بدراساته في الفلسفة المعاصرة، خاصة علي فلسفة برتراندرسل، ودراساته حول فلسفة اللغة، علي المنطق العربي، بحيث يستطيع الباحث المدقق أن يجد الصلة بين جهوده في هذين المجالين.

وقد عرفته من خلال كتاباته المنطقية التي كانت تُدرس لي في مرحلة التعليم الجامعي بجامعة أسيوط (سابقا)، حيث كان يشرح منها أستاذنا الدكتور "نصار عبد الله" مقرر المنطق الرمزي (بالفرقة الثالثة) حين كنت طالباً بقسم الفلسفة بكلية الآداب بسوهاج، وحين تخرجت وحصلت علي ليسانس الآداب، ذهبت إلي جامعة القاهرة لأكمل دراساتي بقسم الفلسفة، وكان هدفي الأساسي أن أسجل رسالتي للماجستير والدكتوراه في تخصص المنطق وفلسفة العلوم، وقد بحثت عن الدكتور مهران فوجدته معاراً بدولة الأمارات العربية، وحين عاد سيادته في أواخر 1996، ذهبت لمقابلته أنهل من علمه وفكره ومنذ تلك اللحظة لم تنقطع علاقتي به، حيث كنت أتابعه باستمرار من خلال المؤتمرات والندوات والمناقشات (سواء رسائل الماجستير أو الدكتوراه) .

والدكتور محمد مهران قد تتلمذ علي يديه المئات سواء في مرحلة الليسانس أو الدراسات العليا وحصل الكثيرون معه علي درجات الماجستير والدكتوراه، والدكتور مهران (بشهادة الدكتورة سهام النويهي في مقال لها بعنوان محمد مهران والمنطق) يعد أحد رواد أساتذة المنطق المتميزين في العالم العربي في وقتنا المعاصر فلأنه بدأ الاشتغال به منذ بداية السبعينيات وخاصة الاشتغال بالمنطق الرمزي الذي كان يعد في ذلك الوقت موضوعاً غريباً إلي حد ما ولم يألفه أحد قط فلم يكن بين المشتغلين بالدراسات الفلسفية إلا عددا ضئيلا من المهتمين به نظرا لصعوبته وظهوره بصورة أقرب إلي تخصص الرياضيين منه إلي تخصص الفلاسفة . كما كانت المكتبة العربية نادرة الاحتواء لمؤلفات عربية في هذا النوع من المنطق . ولقد ساهم الدكتور مهران بمؤلفاته في المنطق الرمزي في تعريف القارئ العربي بهذا النمط من الدراسة بأكبر قدر من الوضوح وأبسط طريقة يمكن أن يقدم بها هذا التعريف . فرغم عدم بساطة المنطق الرمزي سواء في طبيعته أو في لغته إلا أن د. مهران قد توخي في كتاباته البساطة في العرض والوضوح في الفكرة دون الاخلال بعمقها وهذا ما يتضح في الكم الهائل من الأمثلة الممعنة في التبسيط التي ترد في كتاباته، وهي أمثلة عادة ما تكون من الواقع بحيث امكنه ربط المنطق الرمزي المتسم بالتجريد والصورية الكاملة بما هو واقع وهذا مما يمكن القارئ بصفة عامة من الفهم بيسر وسهولة، فهو لا يتكلف أساليبه بل إن غايته هي إيصال الموضوعات بأكبر قدر من الوضوح، كما أن من أهداف الدكتور مهران توضيح طبيعة التفكير المنطقي كما نمارسه في حياتنا اليومية . فقد أراد دائما أن يثبت أن القواعد المنطقية ليست مجرد قوالب صماء جوفاء ولكن لها تطبيقاتها في حياتنا اليومية فكما يقول هو في مقدمة أحد كتبه " قواعد المنطق بلا تدريب او تطبيقات في أحوال شتي يحيلها إلي قواعد جوفاء، تماما كما يكون التدريب علي التفكير المنطقي دون فهم جيد للقواعد تدريب أعمي يسير بغير هدي ".

وكان الدكتور مهران نعم الأستاذ الذي يتسم بالكبرياء الواضح، والحوار العميق، والمستوى الرفيع في إدارته للجلسات وإعطائه للكلمات وتعقيبه على الانتقادات، علاوة علي أنه كان يتميز في كلامه بتلقائية صريحة، حيث كان خفيف الظل، عميق الفكاهة، مبهرًا ومتألقًا ورائعًا ؛ ولقد صدق الدكتور مصطفي النشار حين وصفه (في كتابه رواد التجديد) :" بأنه لم يكتف بأداء مهامه في الأستاذية تدريساً وبحثاً وإشرافاً علي تلاميذه، بل قام لدي هؤلاء التلاميذ بمهمة الأب والراعي لهم والمدافع عنهم والذي يتصدى بشجاعة إلي حل مشاكلهم فتحول لديهم من مرتبة الأستاذية الحانية إلي مرتبة الصديق المدافع ليس فقط عن هؤلاء التلاميذ، بل عن هؤلاء الأصدقاء. لقد تفرد الدكتور مهران بفضيلة الجمع بين الأستاذية والصداقة لتلاميذه لدرجة كان يشعر معها هؤلاء التلاميذ أنهم يتحدثون ليس إلي أستاذهم بل إلي صديقهم الودود الذي لا يمل من شكواهم ولا يضيق بمشكلاتهم . إنه الأستاذ الذي كان يؤمن بأن قيم الإنسانية تفوق قيم الأستاذية وأن البحث العلمي والتقدم الاكاديمي لطلابه وتلاميذه مرهون بإحساسهم بالأمان إلي جواره والأنس إلي رفقته ومحبته .ولذلك ضاقت المسافات بينه وبينهم رغم فارق السن والخبرة والأستاذية، إنه علي دراية بكل دقائق حياتهم يفتح لهم بيته ومكتبته ويهبهم الساعات الطوال في صحبته لا يبخل عليهم بنصيحة ولا يتوقف عن رعايتهم ماديا وأدبيا وعلميا، والمدد عنده لهم بلا حدود . لقد اختلط بهم واختلطوا به حتي أصبحوا في مرتبة أبنائه وأصدقائه دون تكلف أو إدعاء .

والدكتور محمد مهران رشوان، من مواليد قرية الصلعا بمحافظة سوهاج، مارس 1939، وعين معيدا فى كلية الآداب جامعة القاهرة، وحصل على الماجستير عن موضوع البحث "فكرة الضرورة المنطقية" تحت إشراف د.زكى نجيب محمود ثم د. توفيق الطويل عام 1968م بتقدير عام ممتاز، ثم عين مدرساً مساعداً وبدأ رحلة البحث في الدكتوراه بين جامعة القاهرة وجامعتى السربون بباريس ولندن بإنجلترا، حتى حصل عليها من جامعة القاهرة تحت إشراف د. يحيى هويدى فى موضوع "منهج التحليل عند برتراندرسل" عام 1974م بمرتبة الشرف الأولى. تدرج د. مهران بعد ذلك في الوظائف الجامعية، حتى تولى الإشراف على كلية الآداب بجامعة القاهرة فرع بنى سويف، وشغل منصب عميد هذه الكلية منذ عام 2000 حتى 2005.

كما يعد مهران أحد الرواد القلائل في ميدان دراسات المنطق بمصر، وتعد أعماله مراجع رئيسية للباحثين في المنطق الصوري والتحليلي، وفلسفات فتجنشتين وجورج مور وبرتراندراسل، الفلاسفة الإنجليزي. وامتلك مهران قدرة هائلة علي شرح المنطق، بخاصة المنطق التحليلي عند جورج مور. ومن كتبه "مدخل إلى المنطق الصوري" 1975، "مدخل إلى المنطق الرمزي" 1976، "فلسفة برتراندرسل" 1976، "في فلسفة الرياضيات" 1977، علم المنطق 1979، مدخل لدراسة الفلسفة المعاصرة 1985، في فلسفة العلوم ومناهج البحث 1985.

ولعل  أهم ما يلفت الانتباه فيما قدمه الدكتور مهران من أعمال في مجال المنطق هو اهتمامه بالدراسات المنطقية عند العرب، فهو من الرواد في التوجيه إلي أهمية الاشتغال به، وهذا ما يتضح كذلك من إشرافه علي العديد من الرسائل العلمية في هذا المجال حتي أنه يعد بحق صاحب مدرسة في البحث العلمي في الدراسات المنطقية عند العرب .

وقد يكون من أهم ما قام به من أعمال في هذا المجال هو ترجمته لكتاب نيقولا ريشر "تطور المنطق العربي" إلي اللغة العربية لأنه بنقله لهذا الكتاب (الذي يقع في 576 صفحة)، كان يعي أنه إنما يفتح مجالاً جديداً للدراسات المنطقية المعاصرة في العالم العربي، ومن ثم فقد قدم لهذه الترجمة بدراسة وافية عن الكتاب وأهميته، وسد بهذه الدراسة ثغرات كثيرة فاتت علي ريشر في ثنايا كتابه .

واسمح لي عزيزي القاري أن أذكر لك جانباً من مقدمته لهذا الكتاب، إذ يثير لنا الدكتور مهران مجموعة من الإشكالات المهمة التي ارتبطت بالنقاش الذي فتحه المناطقة والفلاسفة المسلمون حول المنطق وقضاياه، خصوصا في الفترة الممتدة من بداية الخلافة العباسية حتى القرن العاشر هجري، ويمكن تقريب هذه الإشكالات من خلال ما يلي:

1- إشكالية التسمية (المنطق العربي): حيث أرجع الدكتور محمد مهران بهذه المشكلة إلى النقاش الذي دار بين السيرافي ومتى بن يونس حول طبيعة المنطق، هل هو واحد مرتبط بالفكر، أم إنه مرتبط باللغة ومتغير بتغيرها؟ وهو النقاش الذي خلده أبو حيان التوحيدي في كتاب "المقابسات".

2- مشكلة المنطق بين العلمية والآلية: حيث أرجع الدكتور محمد مهران بهذه المشكلة إلى اختلاف موقع المنطق في علاقته بالفلسفة بالانتقال من أرسطو إلى المدرسة الرواقية، فإذا كان الأول جعله منفصلا عنها، فإن الرواقيين اعتبروه جزءا لا يتجزأ من الفلسفة، حيث تنقسم لديهم إلى العلم الطبيعي، ثم الجدل فالأخلاق.

3- مشكلة المنطق بين المادية والصورية: حيث أرجع الدكتور محمد مهران بهذه المشكلة إلى أرسطو والتأويلات التي أعطيت لأعماله المنطقية، فقد جعل المنطق علما بما هو كلي؛ أي أنه يعتني بالصور المجردة التي هي انعكاس لصورة الأشياء في العقل. رغم هذا الطابع الصوري، فإن الصورية لا تعني الفراغ من كل مضمون، وهذا هو الرأي الذي ساد لدى أوائل العرب الذين اهتموا بالمنطق الأرسطي، قبل أن يتبنى المتأخرون موقفا حاولوا من خلاله تجريده من مادته التي تتخذ تارة صبغة برهانية، وتارة أخرى صبغة جدلية أو خطابية أو شعرية.

4- الأورغانون بين أرسطو والعرب: أكد الدكتور محمد مهران خلال مناقشته لهذه القضية، أن الإسكندر الأفروديسي هو الذي حدد المنطق بالأورغانون، وتركب لديه من كتب ستة هي: المقولات والعبارة والتحليلات الأولي والتحليلات الثانية والجدل والسفسطة، وأكد د. مهران أن هذا الترتيب ليس زمانيا، وإنما تمت فيه مراعاة الانتقال من البسيط إلى المركب ومن المبادئ إلى تطبيقاتها، فتراكب المقولات يشكل العبارة، وتراكب العبارات يعطي قضايا، تتوالد من بعضها بالقياس، وهو توالد قد يتخذ نفحة برهانية أو جدلية أو سفسطائية مغالطة. وبالتالي يضاف لى هذه الكتب الستة كتابان، هما: الخطابة والشعر.

5- قضية التقسيم الثنائي للمواد المنطقية: بعد إثارته لهذه القضايا، سينتقل الدكتور محمد مهران في تقديمه لكتاب "تطور المنطق العربي" لمناقشة قضية أخرى، تتعلق بالتقسيم الثنائي للمواد المنطقية لدى المناطقة العرب، إذ تنقسم لديهم إلى تصورات وتصديقات، من خلال فهمهم للمنطق على ضوء خصائص لغتهم العربية.

6- الطرق التي عالج بها المسلمون المنطق :، وقد جعلها كالتالي: طريق الترجمة والنسخ، والشروح المنطقية، النظم، الحواشي، المختصرات، التشجير. أما بخصوص دخول المنطق إلى العالم الإسلامي والعربي، فقد اقترن حسب الدكتور محمد مهران بالطب، وانتهى به المطاف مقترنا بعلم الكلام، ذلك أن جالينوس أكد أن دراسة الرياضيات والمنطق شرط مسبق لفهم الكتب الطبية فهماً واعياً، فكان المنطق بمثابة تعليم أولي يسبق دراسة باقي العلوم، وقد انتقل هذا التقليد إلى العرب في المشرق والمغرب، ونجده عند ابن سينا وابن ميمون، وقد ساهم بيت الحكمة في العصر العباسي في توفير الكتب المنطقية التي تلازمت مع ترجمة الكتب الطبية والفلكية.

ولقد فتح كتاب تطور المنطق العربي مع الدراسة العربية التي قدم بها الدكتور مهران (بشهادة د. النشار في كتابه رواد التجديد)، آفاقا واسعة  لإعادة النظر من قبل دارسينا العرب في تراثهم المنطقي وإسهامات المناطقة العرب في تاريخ المنطق وتعددت الرسائل العلمية التي أشرف عليها الدكتور مهران في هذا المجال، وقد بدأت باكورة هذه المدرسة الجديدة في دراسة المنطق العربي برسالة د. إسماعيل عبد العزيز تحت إشراف الدكتور مهران عن مدرسة بغداد المنطقية .

وتوالت في هذا الاتجاه عند ترجمة كتاب ريشر والدراسة التي قدمه بها لكنه بدأ سلسلة من الأبحاث الأصيلة في نفس الاتجاه علي طريقته التحليلية الفريدة فكتب دراسة رائدة عن الروح العلمية في القرآن الكريم تحدث فيها عن عناصر المنهج العلمي في القرآن الكريم وأكد علي الروح العلمية والاستدلالية المنطقية في الكثير من آيات القرآن الكريم وتلك العناصر وهذه الاستدلالات المنطقية القرآنية هي ما تحلي به علماء وفلاسفة الإسلام الأوائل الذين نجحوا إلي حد بعيد في استلهام هذه الروح العلمية والتجريبية في القرآن الكريم ليقدموا أروع الأبحاث العلمية في معظم العلوم المعروفة آنذاك، بل ويؤسسوا علوما جديدة لم تكن معروفة قبل عهدهم مثل علم الكيمياء وعلم البصريات بالإضافة إلي تأسيسهم للعلوم الإسلامية كعلم الفقه وعلم الحديث وعلم أصول الفقه حسب الأصول المنطقية واستلهاما لهذه الروح العلمية في القرآن الكريم (وذلك حسب شهادة د. مصطفي النشار في كتابه رواد التجديد).

كما كتب دراسة تحليلية رائدة عن الغزالي وكتابه القسطاس المستقيم ذلك الكتاب الذي حاول فيه الغزالي استخراج الأقيسة المنطقية الأرسطية بأشكالها المختلفة من القرآن الكريم ذاته وإن سماها الموازين القرآنية، وهذا مما جعله يؤكد علي أن القرآن وليس أرسطو هو المعلم الأول، وقد أوضح أهمية هذا الكتاب للغزالي ودوره في تمرير دراسة المنطق والفلسفة في العالم الإسلامي، حيث يستعرض الدكتور مهران في هذا الكتاب للفكر المنطقي عند الإمام الغزالي في بعض مؤلفاته" معيار العلم، مقاصد الفلاسفة، محك النظر"، مع التركيز على كتاب (القسطاس المستقيم) فيبدأ بدفاع الإمام الغزالي عن الفلسفة والمنطق، ثم يتعرض للمنطق بأسمائه واصطلاحاته المختلفة، ثم يناقش أهم معايير العلم وموازينه فيتعرض للمعيار العقلي والنقلي ومدى التطابق بينهما وعلاقتهما بالقياس المنطقي. ويحاول الإمام الغزالي استخراج أصول القياس من الآيات القرآنية والتعبير عن بعض هذه الآيات بأقيسة منطقية وهو أمر كانت له دلالة كبيرة بالنسبة للدراسات المنطقية في الإسلام

كما كتب أيضاً سبع دراسة هامة بعنوان " دراسات في المنطق عند العربي"؛ ستة منها في المنطق وواحد حول الروح العلمية في القرآن الكريم، منها أربع حول المنطق في الأندلس وأعلام المناطقة فيها مثل بحث ابن حزم وكتابه " التقريب لهذ المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية"، وببحث آخر عن ابن رشد وشروحه المنطقية علي أرسطو وقد تساءل في هذا البحث الأخير هل كان ابن رشد مجرد شارح لأرسطو وكانت إجابته النهائية علي التساؤل تشير إلي أن ابن رشد لم يكن مجرد شارح حرفي لأرسطو ؛ فما آثاره من موضوعات وما ابتدعه من مصطلحات وما لجأ إليه من تأويلات قد أعطي لشروحه وتلخيصاته طابعا مميزا لا يخلو من ابداع وإن لم يتعارض هذا الإبداع الرشدي مع أرسطو ومنطقه. كما قدم بحثا آخر عن ابن الأزرق وثقافته المنطقية من خلال كتابه " روضة الأعلام" وأكد فيه علي أنه رغم أن ابن الأزرق عاش في فترة انكسار الحضارة الإسلامية في الأندلس إلا أن هذا الانكسار لم يحل دون أن تظهر العقول المفكرة القادرة علي الإبداع والإضافة إلي نهر المعرفة الإنسانية حتي الرمق الأخير . وقد ختم الدكتور مهران هذه السلسلة من الدراسات المنطقية بدراسة هامة عن الوضع الحالي للدراسات المنطقية في مصر والمعروف أن مصر ومناطقتها ودارسيها في هذا المجال هم الرواد في مجال الدراسات المنطقية في العالمين العربي والإسلامي (وذلك حسب شهادة د. مصطفي النشار في كتابه رواد التجديد).

وفي نهاية حديثي لا أملك إلا أن أقول تحية وفاء وعرفان واحترام لهذا الأستاذ الجليل الذى لم يُضف إليه مقعد العمادة ولم تغيّره المناصب، وظل معدنه أصيلًا لامعًا لا يصدأ أبدًا، فهو ذلك الذي كان متربعًا على قمة أساتذة المنطق وفلسفة العلوم في الوطن العربي، رغم محنة ضعف البصر نتيجة الكر والفر بين صفحات الآلاف من الكتب والدراسات والمقالات التي تعامل معها الدكتور محمد مهران فى رحلة أكاديمية فريدة كانت أدواته فيها هي الذكاء المشتعل والنظرة الحكيمة والبصيرة الواضحة والرؤية الشاملة.. فلقد كان رحمه الله صاحب قلب كبير، وعاطفة جياشة، وكبرياء لا ينحنى، ونفس تعلو فوق كل الصغائر. رحمه الله بما قدم لنا ولغيرنا من إسهامات مجيدة فى ميداني المنطق وفلسفة العلوم.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل - جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم