شهادات ومذكرات

محمد حسنى مبارك.. محاسنه ومساوئه! (2)

محمود محمد علينعود ونكمل حديثنا في هذا المقال الثاني عن حسنى مبارك وأهم مميزات ومساوئ حكمه، وفي هذا يمكن القول: مضي مبارك في استراتيجية حُكمه باسترداد آخر الأراضي المغتصبة وهي طابا ولم يهدأ له بالًا حتى رفع العلم المصري على أرض طابا بنفسه في إشارة إلى عدم التفريط في شبر واحد من أرض مصر واحترامًا لتراب هذا البلد ومشاعر هذا الشعب العظيم ووضع مبارك على كاهله مهمة بناء مصر الحديثة فمشروعاته القومية خير دليلِ على ذلك فاهتم ببناء الكباري ومد الطرق مثل كوبري 6 أكتوبر الذي لولاه لاختنقت القاهرة والجيزة وبناء الطريق الدائري الذي يستحيل المرور بدونه فتسبب في سيولة مرورية داخل القاهرة الكبرى ويَسر على المسافرين كثيرًا ولعل مترو الأنفاق هذا المشروع القومي المعجزة الذي حقق نقلة نوعية في وسائل المواصلات بالقاهرة الكبرى وغيرها من المشروعات الكبرى التي تخدم المواطن مثل بناء المدن الحديثة والمشروع القومي للإسكان لمحدودي الدخل واستصلاح الأراضي وتشجيع الاستثمار في شتي المجالات ودخول شركات المحمول السوق المصري وتشجيع وتنمية مجال السياحة المصرية وفتح فرص عمل للملايين العاملين حتى يومنا هذا في مجال السياحة، وتوسع في بناء المدارس التعليمية والجامعات المختلفة لتواكب الزيادة السكانية والحفاظ على مجانية التعليم وأولى اهتمامًا بالغًا بالقطاع الصحي وبناء المستشفيات ولعل إعادة هيكلة منظومة الإسعاف المصري في عهد مبارك دليلًا صارخًا على اهتمام الرئيس بكل ما يهم المواطن المصري ولن يستطيع التاريخ أن يغفل أو يمحو هذه الفترة المهمة من حكم مصر وذلك حسب قول عبدالعال محمد البهنسي في مقال له بعنوان الرئيس مبارك.. ما له وما عليه ! .

قال عنه كرم جبر في مقاله مبارك.. ما له وما عليه! يذكر لمبارك فى بداية عهده أنه رفض تشويه سمعة زعماء مصر، وأوقف حلقات محمد حسنين هيكل فى الأهرام التى استهدفت الانتقام من السادات وتحقيره وتشويه صورته، خصوصا الحلقة التى تناول فيها عن أم السادات بألفاظ وعبارات عنصرية، ومبارك أيضا هو رفع شأن حكام مصر فى خطاباته، ولم يتحدث عن أى زعيم إلا باحترام وتقدير، وليس من الأمانة التعتيم على دوره فى الحرب، فالانتصار ملك لمصر وجيشها وشعبها وليس ملكا لمبارك، والضربة الجوية التى قصمت ظهر إسرائيل، كانت لنسور الجو المصريين، والحرب والانتصار الذى تحقق فخر لنا جميعا.

وقال عنه إمام علي في مقاله "خدعوك فقالوا: ولا يوم من أيامك يا مبارك":"  ليس من الشهامة الطعن فى رجل أصبح خارج السلطة بلا أى مظهر من مظاهر القوة والجاه، التى تمتع بها على مدار 30 عاماً، وليس من الأخلاق الدخول فى معركة مع رجل تجاوز التسعين ويقضى ما تبقى من عمره بين أبنائه وأحفاده فى منزل لا يغادره، وليس من العقل النظر إلى الوراء وإضاعة الوقت والمجهود فى جدل مفتعل حول مرحلة انتهت تماماً بما لها وعليها، لكن للأسف الشديد البعض يصر على أن يجرّ الآخرين إلى محطة قديمة غادرها قطار الزمن، واللعب بصبيانية شديدة في وحل الماضي، ولأنه، كما قال الأديب الكبير نجيب محفوظ «آفة حارتنا النسيان»، فإننا ننسى حقيقة هذا الماضي، ونجتزئ من الذاكرة ما يخدم مواقفنا فقط دون مراعاة لأى سياق أو ظروف محيطة أو تقييم جاد وموضوعي.

كما قال عنه آخرون : لقد تحمل مبارك ما لا يستطيع أن يتحمله بشر ولما لا فهو ابن المؤسسة العسكرية الوطنية التي تتصف بالقوة والصبر ورفض أن يغادر البلاد هاربًا من المجهول المنتظر وكأن السجن أحب إليه من رغد العيش خارج مصر وأكد أكثر من مرة أنه سيموت على أرض مصر، لقد تحمل ويلات السجن منذ ثورة يناير ورضي بقضاء الله وتحمل التردد على المحاكم باحثًا عن برائته التي يؤمن بها مواجهًا الرأي العام بكل شجاعة حتى ظهرت برائته من قتل المتظاهرين وهي التهمة الأعظم والأكبر في سلسلة اتهامات أخرى وبمرور الأيام والسنين جلت الحقيقة للجميع.

أما المعارضون له فيرون فيه  دِيكتاتورًا فاسِدًا حكَم البلاد لثلاثين عامًا، انحاز طِوالها إلى طبقة رجال الأعمال، وكرّس الزّواج بين المال والسياسة، وابتعد بالتّالي عن فئة الفُقراء والمَسحوقين الذين يعيش حواليّ 40 بالمِئة منهم تحت خطّ الفقر ولا يجدون قوت يومهم، وساهم في تدمير العراق بتأييد الحرب ضده، ولهذا لم يكن غريبًا، ولا مُفاجئًا، أن تتم الإطاحة به بثورةٍ شعبيّةٍ انطلقت يوم 25 يناير عام 2011، وكان عِمادها شباب مِصر الذي طفَح كيله وهو يرى بلاده تتعرّض ثرَواتها للنّهب، وتتراجع فيها الحريّات والخدمات العامّة الرئيسيّة.

وقد قال عنه آخرون: إن مبارك أفسد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنيابية في أواخر عهده وترك المشهد لابنه يفعل ما يحلو له عن طريق لجنة السياسات بالحزب الحاكم ولكنه حتمًا لم يقتل ولم يخطر بباله أن يقتل مصريًا واحدًا من أجل حُكمِ زائل والأيام كشفت كثيرا من الحقائق الغائبة عن عقولنا مثل التمويلات الأجنبية التي تدفقت على مصر من أجل تنفيذ أجندتهم المشبوهة ولولا تدخل الجيش ويقظة الأجهزة السيادسة للبلاد لضاعت مصر في براثن المجهول شأنها شأن دول الجوار التي تم تدميرها باسم الثورات والتغيير.

علاوة علي أن طبقة رجال الأعمال الفاسِدة عزلت الرئيس مبارك عن الشعب كُلِّيًّا، وأقنعته بتوريث الحُكم إلى نجله جمال الذي كان رأس حربتها، وأسيرًا لفسادها، باعتِباره واحدًا من رُموزها، ويُسجَّل للمؤسّسة العسكريّة الحاكمة، رفضها للتّوريث، وهيمنة طبقة رجال الأعمال، وإن كان البعض ينتقد بشدّةٍ إلغاءها جميع الأحكام بالسّجن التي صدَرت في حقّ الرئيس مبارك ونجليه وعددًا من رجال حُكمه بتُهم الفساد والتسبّب بمقتل 800 من شباب الثّورة المِصريّة المُباركة، وهي تُهمٌ مُثبّتةٌ بالوثائق وشُهود العيان، ولا تحتاج إلى إثبات.

بلغ حسني مبارك من العمر 91 عاما ، فقد كان حكمه كان شموليا وتسبب في أزمات عدة في البلاد ومنها الفساد ... ومن أهم المحطات اكبري في حياته السياسية هي الإطاحة به من الحكم وذلك في عام 2011 بعد ثورة يناير، وكان ذلك في خطاب التنحي وحكم بعد ذلك الرئيس محمد مرسي وفي عهده ظهر حسني مبارك أمام القضاء الجنائي في محاكمة تاريخية تتعلق بقتل المتظاهرين وتبديد أموال الدولة وحقوق الإنسان وحصل علي الحكم بالبراءة من قضية قتل المتظاهرين، وفي خضم تلك الأحداث التي شهدتها مصر توقع كثيرون هروب حسني مبارك كما كان الحال في تونس بعد هروب بن علي لكنه قال كلماته الشهيرة التي أنهت ذلك الجدل:" إن هذا الوطن العزيز هو وطني مثلما هو وطن كل مصري ومصرية .. فيه عشت .. وحاربت من أجله ودافعت عن أرضه وسيادته ومصالحه وعلي أرضه أموت وسيحكم التاريخ علي وعلي غيري بما لنا أو علينا ". .. المغردون غردوا حسب انتماءاتهم السياسية ، خاصة في مسالة المقارنة بين وفاة الرئيس محمد مرس ووفاة حسني مبارك.

فتح الجدل والنقاش، بشأن التركة السياسية التي خلفها الرجل، الذي حكم مصر على مدى ثلاثين عاما، وهو جدل لم يتوقف منذ أطيح بمبارك، في أعقاب ثورة شعبية، في يناير من العام 2011، ضمن ما عرف بثورات الربيع العربي.

كان مبارك متشبثا بالسلطة بقوة بعد أن أدخل البلاد منعطف الفساد والفقر ، واستمر ذلك الوضع حتي وصل تزايد الغضب من الفساد وعدم العدالة الاقتصادية إلي مرحلة الغليان في 25 يناير 2011 ؛ حيث خرج مئات آلاف من المصريين فى كل المحافظات تقريبا، يحتجون فى الشوارع ضد سياسيات الإفقار والتجويع والتجهيل والقبضة الأمنية، وسقط أول شهيد فى محافظة السويس، وتعامل الأمن بـ"عنف مفرط" فى فض ميدان التحرير مساء اليوم، وكانت قوات الشرطة السماء تمطر قنابل دخان على الميدان، الذى شهد كل ثورات المصريين تقريبا منذ التحرك الشعبى العظيم فى سنة 1919 ضد الاحتلال الإنجليزى، ما دعا البعض إلى تشبيه نظام مبارك بالاحتلال، لكنه احتلالا وطنيا فى حالته، واستمرت الحالة الاحتجاجية فى الشوارع حتى مساء 27 من يناير، استعدادا لمن أطلق عليه الشباب، دعاة التظاهر، "يوم الغضب"، وقد كان.

ملايين المصريين خرجوا من المساجد عقب صلاة الجمعة، والهتاف واحد "الشعب يريد إسقاط النظام" و"يسقط يسقط حسنى مبارك" و"بكرة نقول كان قهر وعدى.. لما مبارك يوصل جدة"، فى إشارة إلى هرب الرئيس التونسى زين العابدين بن على إلى المملكة العربية السعودية، واقتحمت الجماهير الغاضبة أقسام الشرطة فى المحافظات الكبرى وأضرموا فيها النيران، وسيطر محتجو العاصمة على مقر الحزب الوطنى الديمقراطى وأشعلوا فيه النيران احتجاجا على عصر كامل من الفقر والجوع والمرض وتعذيب وقتل المصريين فى أقفية الشرطة السفلية.

ولم يكن خطاب مبارك فى منتصف ليل 28 يناير كافيا، ولم تكن الجماهير وقياداتها المعتصمة فى ميدان التحرير، وكل ميادين مصر ترضى بأقل من رحيل الطاغية العجوز عن الحكم.

واستمر اعتصام المصريين فى الميادين، وخطب مبارك الثلاثاء، الأول من فبراير "خطابا عاطفيا" وقال فيه جملة ستظل شهيرة "لم أكن أنتوى الترشح لفترة رئاسة جديدة"، وفى اليوم التالي لخطابه حدثت "موقعة الجمل"، ودافع المتظاهرون عن الميدان ضد البطجية الذين حاولوا اقتحامه بالجمال والبغال التى أرسلها قيادات حزب مبارك الحاكم، وسقط العشرات ما بين القتلى والجرحى، وكان انتصار المعتصمين وحفاظهم على الميدان إيذانا بانتصار الثورة وسقوط مبارك بعدها بأيام فى 11 فبراير 2011... وللحديث بقية !

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل.

 

في المثقف اليوم