شهادات ومذكرات

الشيخ عبد الحميد كشك.. جحا العوام الزائف (3)

محمود محمد عليفي شهر مايو 2018 نشرت صحيفة الدستور المصرية مقالاً للدكتور محمد البارز بعنوان : هل كان الشيخ كشك عميلا لأمن الدولة ؟ حيث يتساءل الباز عما إذا كان الشيخ كشك عميلاً لجهاز أمن الدولة مستشهداً بحقبة الانفراجة في عهد السادات وواضعاً أمام القراء تساؤلات عما كان يقوله الشيخ كشك في خطبه حول معلومات دقيقة عن خصومه .. وعن ثروتهم وأموالهم وتحركاتهم وضرب مثالاً علي هجوم الشيخ كشك علي الصحفي محمد حسنين هيكل والذي كان معلوماً خصومته مع السادات .. وتساءل الكاتب من أين حصل الشيخ كشك الضرير علي هذه المعلومات التي لم يكن يعملها أحد في مصر سوي أجهزة الأمن والمخابرات.

وبتفصيل أكبر يقول محمد الباز (مع حفظ الألقاب): "مشكلة الشيح كشك أن الكيد السياسي كان يعميه نفسياً أكثر من عماه الطبيعي، والكراهية التى يكنها لخصومه السياسيين كانت تقوده، فيقول عنهم أى كلام، بصرف النظر عن كون هذا الكلام من بين ما يغضب الله أو يرضيه، فهو ينتقم حتى يشفى غليله فقط، ولم يكن من بين ما قاله شىء لله أبداً... ما أراه يؤكده كشك ربما دون أن يدرى، فهو يكشف خبيئة نفسه، بقوله: هكذا نشر له دجال مصر الأكبر حسنين هيكل، الذى دفع بالمسلمين إلى ما وراء القضبان، فقد كان فى زمانه هامان لفرعون.. هنا تظهر النفس السوداء التى يحملها كشك بين جنبيه، إنه لا يغار من مكانة هيكل فقط، ولكنه يغار من ثروته، يقول: نشر هذا الكلام هيكل، الذى يقول أنا يسارى وطنى، ومرة رأسمالى، ومرة اشتراكي، ما دام الكلام يشترى عزباً فى برقاش، ما دام الكلام يشترى عزباً هناك، عزب المانجو والبرتقال والمزارع والطيور، ما دامت الاشتراكية سترفعك إلى القمة، فهو اشتراكى" ..

ويستطرد محمد الباز فيقول أيضاً:" لا توجد مرجعية لكلام الشيخ كشك، كما لا توجد مرجعية لكثير مما كان يقوله على طول خطبه وعرضها، لكنه كان يخوض فى سيرة الناس وأعراضهم، ويؤلف عنهم الحكايات، لا ليثبت وجهة نظره فقط، ولكن لينتقم ممن يعتقد أنهم خصومه.. لم تكن المعلومات التى تحدث بها كشك عن هيكل معلومات عادية، خاصة تلك التى لمح بها ، أو على وجه الدقة غمز ولمز فى ثروته وعزبته ببرقاش، وهو ما يجعلنى على ثقة بأن الشيخ كشك لم يكن يجمع معلوماته ممن يقرأون له، أو هؤلاء الذين ينقلون له الأخبار ويحكون أمامه عما يرونه فى التليفزيون، والسينما ، أو يسمعونه فى الإذاعة، كانت هناك مصادر على أعلى درجة من الاحترافية، هى من تمد الشيخ بالمعلومات، وتحديداً تلك التى كان يهاجم بها عبدالناصر وعهده؟... سأقول لك مباشرة ما أريد أن أفصح عنه، ولن أقول لك إن هناك مصادر أكدت لى ذلك، أو أشارت لى به من طرف خفى وطلبت منى ألا أنشر ما لدى، ولكنه تحليل لمجمل ما قاله وفعله الشيخ كشك وتحديداً فى عهد الرئيس السادات... أكاد أجزم بأن الشيخ كشك كان واحداً من عملاء أمن الدولة فى مساجد الأوقاف، أكاد أرى المسئول عنه وهو يهمس فى أذنه بمعلومات خاصة، ليرددها على الناس من فوق منبره".

ثم يؤكد محمد الباز فيقول كذلك : ما أقوله هنا ليس اتهاماً، ولكنه توصيف لحالة كان عليها كشك، وليس عليك إلا أن تتأمل فيما كان يقوله من معلومات، من الصعب أن يصل إليها داعية، ليس من عمله أن يتعقب المعلومات أو يتقصى عنها، ولكن غاية ما عليه أن يقدم عظة للناس لا أكثر ولا أقل... ستقول لى إن هذا أمر لا يمكن أن يصدقه عقل.. سأقول لك: تحقيق يقوم على المنطق واستقراء الأحداث، وحده هو الذى يمكن أن يجيبنا عن هذا السؤال: هل كان كشك عميلاً لأمن الدولة فى مساجد الأوقاف؟.. سؤال أعتقد أن الإجابة عنه تستحق أن ننتظر إلى الغد.. كان حضور الشيخ كشك طاغياً، ففى السنوات الأخيرة من حكم السادات، كان من المستحيل السير فى شوارع القاهرة دون سماع صوته الجهورى، فإذا ارتقيت إحدى سيارات الأجرة الجماعية فستجد السائق يستمع لإحدى خطب الشيخ على جهاز الكاسيت الموجود بالسيارة، وإذا توقفت لتناول عصير الفاكهة على ناصية أحد الشوارع، وبينما ترتشف الشفتان عصير القصب أو المانجو، تنهمر على الأذنين عبارات آخر الخطب التى ألقاها الشيخ، تنبعث من جهاز التسجيل القديم الذى يمتلكه البائع، بين وصلتين، الأولى لكوكب الشرق أم كلثوم، والثانية أغنية مشهورة لأحد المطربين الشعبيين "أغلب الظن أنه أحمد عدوية ولا أحد سواه".. وإذا رجعت إلى منزلك ستسمع صوتاً منبعثاً من الشارع يطرق أذنيك بلغة القرآن الفصحى، فالبواب الذى يجلس على مقعده ليلاً ونهاراً يستمع لكشك".

وفي التاسع والعشرين من يناير لعام 2019 نشر محمد الباز مقالاً أيضاً (بجريدة مصراوي الإلكترونية) بعنوان "كشك صانع فتنة وسبب انضمام الشباب للإخوان" قال الباز:" إن هناك ثلاثية جديدة من الكتب يعدها، "القرآن في مصر"، "الرسول في مصر"، و"الله في مصر"... وأضاف الباز، أنه صدر مؤخراً من هذه الثلاثية كتاب الله في مصر، ويتبقى كتابا القرآن والرسول في مصر، مؤكداً أن الهدف منها ليس دينياً بحتاً.. جاء ذلك خلال ندوة كتاب "كشك وعدوية.. أيام الوعظ والسلطة"، للكاتب الصحفي محمد الباز، بقاعة كاتب وكتاب بمعرض الكتاب.. وأوضح أن كتابه يجمع بين شخصين ظهرا في توقيت واحد بظروف مشابهة، يمثلان أهم الظواهر في فترة السبعينات والستينات، أحدهما من محافظة المنيا أحمد عدوية، والآخر من محافظة البحيرة الشيخ كشك.. وتابع الباز: "أرى أن الشيخ كشك صانع فتنه، وكان سبباً في التغرير بالشباب للانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين"... وقال الباز، إن عدوية وكشك الاثنين يغنون، لكن عدوية كان أصدق من كشك، وعدوية لم يكن له شكل يؤهله أن يصبح نجماً..

وفي مقال آخر للكاتبة غادة حمادة، نشر في 21 نوفمبر، 2019 بعنوان "مظلومات الإخوان ومدرسة الشيخ كشك"، قالت فيه إن عبد الحميد كشك كان أول من روج لفكرة الظلم والتعذيب بالسجون المصرية، بقصص خرافية فكاهية لا يصدقها عقل لتعذيب المؤمنين حفظة القرآن واغتصاب الفتيات الحرائر، واستخدام الصعق الكهربائي وتكسير عظام الأيدي والأرجل وانتهاك أجيال الشباب بالسجون.. وأضافت الكاتبة أن كشك هو أول من كفر رجال الجيش والشرطة علانية بالمساجد، وأطلق عليهم جنود الطاغوت، ورجال فرعون وأول الهالكين..

واستطردت الكاتبة غادة حمادة: "إن كانت كتابات السابقين هي من قدمت الأفكار التكفيرية إلا أن السيد كشك وأمثاله من شيوخ الفتنة هم من استطاعوا تحويل تلك الأفكار المكتوبة إلى أقوى آلة إعلامية متسربلة بعباءة الدين بأسلوب مبسط"...وتابعت:"ستجد أن الشيخ عبد الحميد كشك نفسه قائد وأستاذ مدرسة شيوخ التكفير والتطرف لم يكن ليتخيل يوماً هذا القدر من النجاح لخطه الإخوان الشيطانية فى خلق جيل كامل من الإرهابيين والانتحاريين ويتبعهم فريق كامل من المتعاطفين المتسلفين أو المتأخونين فكرياً الذين ينحازون وينجرفون ببساطة خلف أكاذيب الالة الإعلامية الاخوانية".

وثمة نقطة أخري نود الحديث عنها في هذا المقال وهي أنه في عام 2017  نشر مقالاً بعنوان باليوم السابع بعنوان كيف تصنع خطب الشيخ كشك ارهابيا؟ لكل من الصحفيين : محمد السيد - أحمد عرفة؛ حيث  يقول كاتبي هذا المقال أنه: وفي المقابل ركزت الصحيفة علي ما رددت بعض الصحف الإسبانية عن تحقيقات الشرطة عن منفذ هجوم برشلونة وقالت إنه كان قبل العملية يستمع لخطب الشيخ كشك لتفتح الباب لعدد من الكتاب لنقد الشيخ ووصفه بالتطرف والإرهاب ؛ حيث لا يمكن فصل العمليات الإرهابية التى تشهدها دول العالم خلال الفترة الراهنة عن شرائط الكاسيت لمشايخ السلفية والإخوان خلال الاعوام الماضية والتى كانت تتضمن تحريضاً على العنف وتتسم بالتشدد وبالتأكيد عندما نتحدث عن التشدد لابد أن نذكر الشيخ كشك التى كانت تتسم خطبه بالتشدد وتكفير الآخر لينكشف مفاجأة جديدة مفادها أن أحد المتسببين فى تنفيذ العمليات الإرهابية فى أوروبا استمع إلى الشيخ كشك قبل تنفيذه للعملية الإرهابية... صحيفة إسبانية كشفت أن الهجمات التى وقعت فى برشلونة وكامبريلز، عام  2017، أمضى إرهابي "ريبول" إدريس أوكابير عدة ساعات فى سماع خطب الإمام المصري "عبد الحميد كشك" حول الجنة وكيفية مواجهة الموت، وكان سيتوقف عن العمل الإرهابى ولكن فى النهاية تراجع، ونفذ الهجوم على برشلونة.. ووفقا لصحيفة "بوث بوبولى" الإسبانية فقال موسى شقيق أوكابير، إنه كان خائفا للغاية من تنفيذ العملية الارهابية التى وقعت فى برشلونة، وكان يقضى ساعات لاستماع مقاطع الفيديو على موقع اليوتيوب للشيخ عبد الحميد كشك، وأكدت التحقيقات ذلك. ووفقا لخبراء فإن ما فعله إرهابي ريبول دليل على وجود احتمال بأن المتطرفين من الممكن أن يعيدوا التفكير فى مشاركتهم فى أى هجمات ارهابية، إلا أن مرؤوسيهم من قادة التنظيمات الإرهابية يدفعونهم للاستمرار فى الأعمال الإجرامية.

ويستطرد الكاتبان فيقولا : كما قالوا في وصف الشيخ كشك عن تعذيبه في سجون عبد الناصر بأنه وصف خيالي واسطوري خاصة وأن الشيخ كشك يتحدث عن حيوانات مفترسة داخل المعتقلات وعن اغتصاب لأهل المعتقل وعد اغتيال أوصاله ما رأي البعض أنه يبالغ دون إنكار وجود تعذيب لكن لم يصل إلي هذا الحد خاصة، وأن شهادات المعتقلين أنفسهم تتحدث عن مثل هذه الأمور، وقالوا إن ذلك جاء في إطار حملة السادات علي حقبة عبد الناصر ما عزز رواية إلي وجود علاقة تجمع بين الشيخ كشك واجهزة أمن السادات؛ لا سيما وأن الشيخ حتي عام 1979 حين زار السادات إسرائيل لم يكن ينتقد الرئيس السادات ولم يوجه له لوماً واحداً.

وننتقل إلي مسألة أخري مهمة هنا في هذا المقال وهي أنه بعد أن أعلن الرئيس السادات عزمه الكنيست الإسرائيلية ولاحت بوادر السلام بين مصر وإسرائيل في أواخر السبعينيات، عمل السادات علي إسكات أي صوت يعارضه .. فشن حملة علي السياسيين والصحفيين والكتاب والمثقفين ورجال الدين .. وفي عام 1981 لتضم سجون مصر ألاف المعتقلين من النخب المصرية بما فيهم الشيخ كشك وفي نفس العام اغتيال الرئيس السادات ليخلفه الرئيس حسني مبارك الذي أمر بإخراج جميع المساجين بما فيهم الشيخ كشك وأجبر كثير منهم علي اعتزال العمل العام، وكان من بينهم الشيخ كشك الذي مكث في بيته حتي عام 1996 ، حيث وافته المنية عن عمر ناهز 63 عام ، ليرحل الرجل في صمت دون تغطية إعلامية.

وفي مقاله أخري صدرت في التاسع من ديسمبر 2014 للأستاذ حسام الحداد بعنوان" مؤسس مدرسة الشتم والسب على المنابر.. قال الكاتب :" فقد كان الشيخ كشك رائداً لمدرسة جديدة في الخطب المنبرية تهتم" بسفاسف الأمور" ، وتحول القضايا الكبرى إلى " إفيه" بلغة الفن،  فرغم امتلاكه لأدوات الخطابة من لغة، وعلم بالحديث، والسير، إلا أنه كان يؤثر على نفسه إلا الخوض في لهو الحديث بسخريته من هذا وذاك، فلم يفوت حدث، أو أغنية، أو موقف لفنان، أو سياسي، إلا واستخدم طريقته الساخرة الهاجية، وحضوره النافذ في نقده، و"تلاسنه" من فوق المنبر.

ويستطرد حسام الحداد قائلاً:" لقد أنتج لنا الشيخ كشك مجموعة من الخطباء على شاكلته في كل زاوية ومسجد، فالخطاب الشعبوي الذي يخاطب به البسطاء،  كان وسيلة سهلة لإيصال نوع من الوعي الزائف الذي يبعدهم عن مناقشة قضاياهم وهمومهم بشكل حقيقي وعملي وموضوعي إلى تحويل هذه القضايا إلى مادة للسخرية “والإفيه” من ناحية؛ ومن ناحية أخري يؤكد على أن سبب تلك المشكلات والقضايا من غلاء أسعار وقهر وخلافة هو بعدنا عن الإسلام وليس لأسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية تعمل على إعادة انتاج الفقر بشكل مستمر دون أن يلفت انتباهه ان معظم الدولة المتقدمة والمتطورة دول ليست اسلامية بحال.

وفي نهاية مقالنا نقول بأن أسلوب السخرية في خطبه على المنابر قد جذبت إليه بلا شك الكثير من المريدين من عامة الناس، وأقنعهم بأفكاره بلغة "عامية" بسيطة ، وركز على تناول مفردات وهموم الحياة اليومية للناس، وربط أسباب هذه الهموم ببعدهم عن الإسلام بغض النظر عن الأسباب الاقتصادية والسياسية المنتجة لهذه الهموم ، فكان كالقنبلة الموقتة التي انفجرت فينا لتفرز لنا شظايا ما يسمي فيما بعد بالخلايا النائمة ، تلك الخلايا التي عاضدت جماعة الإخوان المسلمين لتصل بهم بمساعدة أمريكية إلي سدة الحكم في مصر وفي دول عربية أخري عقب ثورات الربيع العربي في 2011م.

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

.........................

المراجع:

1- د. محمد الباز:  هل كان الشيخ كشك عميلًا لأمن الدولة؟..(مقال).

2- ـــــ،: أيام كشك الأخيرة... ومن قال أن الشيخ كان مجاهدا؟..(مقال).

3- ـــــ: أيام كشك وعدوية (1).. "يا صباح الخير بالليل"..(مقال).

4- ـــــ: كشك صانع فتنة وسبب انضمام الشباب للإخوان..(مقال).

5-ـــــ : كشك وعدوية..(كتاب).

6- حسام الحداد: الشيخ كشك : مؤسس مدرسة الشتم والسب على المنابر.. (مقال).

7-  غادة حمادة: "مظلومات الإخوان ومدرسة الشيخ كشك".. (مقال).

 

 

 

في المثقف اليوم