نصوص أدبية

طلاسم غناء الساقية

نعشق العيد في ظل الوطن

عيدنا أرجوحة بين جذعي نخلة

سعيد ذلك العيد .. كان

 

ليست حافية القدمين ولا رثة الأثواب ...عروس وثوب عرسها فاخر ...تتقدم نحوه خطوة وتتراجع خطوات ...هاجسها الخوف والتردد..تبتسم كأي امرأة في يوم عرسها أمام الآخرين معلنة ملامح وجهها غبطة مغلفة بخيوط حزن عميق ..وتصدع قلبها الغض ..مراجل غضب تغلي داخل أحشائها التي لم تجرب بعد ما ينتظر أيامها القادمة ..حملقت بعينيها المتعبتين اللتين ترقرقت بداخلهما دمعتان حاولت إخفاءهما ....تتسارع نظراتها تتفحص وجوه حشد الفتية في قريتها ..تتطاول رؤوسهم باتجاه غيمة مجنونة .....لا تحمل سوى دخانها الأسود ....ضرب الصمت أسواره حول المدينة يقطع صمتها مواء قطة بين الأدغال تصرخ باحثة عن زاد لصغارها

يصرخ الفتية أيضا ولكن بحروف صامتة ..

ارتدى سوق المدينة ثوبه العاري

لما يسمونه ..الحصار

لا يسمع آهات الصغار

أحلوا فيه لعبة الموت

بخشوع ترتفع أياد غضة

يخيفها صرير العربات المهاجرة

تارة صوب الجهات الأربع

وتارة صوب العدم

 

وئدت أحلام رباب ضاعت منها الشهادة الجامعية ....يتلألأ وجهها ببراءة طفولية  لأنثى لم تذق طعم طفولتها ..ها هي بقوامها الأهيف وسمرتها المغمسة بشحوب الفقر ..

إبنة  السابعة عشر ...تشعر بذهول أبيها دون أن يشكو ..حين يفرك كفيه ويعقد ما بين حاجبيه ..يعصر الحزن قلبها وتعرف أنه ما زال يكابد محنته ..

تشد أزره في تربية الأغنام والماعز كونها أكبر أبنائه ..

اتكأ  بجلسته واضعا ذراعه فوق وسادتين ..زوجه الصغرى مع صغيريها التوأم تناغيهم بقربه دون أن يلتفت اليهم أنه في انتظار تاجر الأغنام الذي تعود أن يمنحه القروض المالية ..صوت ريح يقطع قلق صمتهم ..

تحمل رباب مواد البطاقة التموينية تضعها أمام أبيها ليشطرها الى نصفين .منه ما يبيعه ومنه ما يحتفظ به في صندوق مقفل ويدخره لسد حاجة أسرته كأنه دواء

ما زالت عيون رباب في انتظار ذلك القادم  الذي قد تمقته روحها ..انجلت غبرة الطريق عن قامة طويلة تترجل من سيارة من نوع  ( بيكب ) يلقي تحيته بصوته المتهدج الغليظ .....لا يعرفون عنه شيئا سوى أنه يسكن الحدود لأحدى الدول المجاورة ..

خارت قوى أبي رباب وإحترقت روحه مثل أعواد  كبريت ....إنفرجت شفتاه عن كلمات غير مسموعة ....يا ترى ماذا يبيع ....؟؟..بعد أن باع مزرعته ودار سكناه ....وأكوام القروض التي لم تسدد بعد ..

فقد طالت سنون الحصار .......وتدلت عذوق النخيل خاوية

بفضول يتطلع رجال القرية يسترقون السمع  ... ينتظرون مصير الرجل الذاهل ..!!!

تقع رباب بين نارين كل منها يسلخ روحها البريئة .

تبدي إعجابها بعرض التاجر وتقنع الجميع برأيها ...تتجاهل تفوقها في اعداديتها  .....وتتجاهل نظرات الشاب أبن قريتها الذي يراقبها في ذهابها وإيابها .....وتتناسى خفقان قلبها حين تراه ...وكم ليلة سهرت تحلم بلقائه ....وكيف أنها حلقت بجناحي  يمامة صادحة حين أبتسم لها في أول يوم للعيد ..فبادلته بابتسامة خجلة ..!1

ما يشغل بالها الآن  تضور أخوتها للمأكل والملبس ...!!

في درس التعبير وصفت دارنا

شيده أبناء قريتنا  ( فزعة )

سقفه من جذع النخيل

ليصبح للرقطاء مأوى

 

لم يسعفها المطر ذابلة زهور حديقتها قبل تفتح الأكمام....سارت تجر أذيال ثوب عرسها بمحاذاة ساقية.. رفيقة طفولتها ... ترتجف يدها وهي  تنثر أمانيها فوق صفحة الماء تتلقفها موجات النهير  لتدفنها في أعماقها السحيقة ..تسمع آهات الساقية تمتزج مع حفيف الشجر وصفير الريح مكونة سيمفونية التلاشي لتلك الأماني ..

رضيت رباب بقدرها ...وقد وعدت أخوتها أن تبعث لهم المال والهدايا .. إن وفى تاجر الأغنام بوعده...!!...وجعلها زوجا له حقا ..!!!!

أو ربما يعرضها مع بضاعته للبيع على الحدود ..!!!!

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1329 الجمعة 26/02/2010)

 

 

في نصوص اليوم