نصوص أدبية

إبط السفينة

..وأرتاح ..ثم تربّع  على الماء..

الاجتياح كان مساء ..أعتقل البحر ناصية حنان ..ابتلعها وأبتعد بها ..نحو مداه الذي لم ينته ..كم لبث؟ الصحف الصباحية لم تشر إلى ذلك ..الخوف كان أوسع من رقعة الرذيلة ...البحر يتسع والضفيرة تتهاوى ..الصفصاف على الضفاف الأخرى في (بوسمغون)..وجبال (الظهرة)..يتهاوى أيضا ..يترنح أحيانا مع الريح ..وثمّة ضوء خافت .

وهنا دمع وجزء من الفضيحة في الصفحة الأولى لإحدى الجرائد ..التي شكلت سبقا صحفيا..لكنها لم تفصح .

ضوضاء ما في البحر..وزئيره امتزجا..ذات مساء بآخر ضفائر الشمس ..وهي توشك على الغروب ..البحر والشمس عشقا الضفيرة ..وتعلقا بحنان ..أكوام (القش) قبالة الموج لازمها إحساس بالغيرة والغريزة والرفث..لكنها نفرت من هول الفضيحة ..وديعة لكنها شرسة ..هكذا كتبت إحدى الصحف ..

آخر المساء يعج بحركة غير عادية ..

إحدى الصحف قالت إن (بغلة ولدت)..صدقتها..وامتعضت للخبر ..وقد يهطل الملح رذاذا من البحر الهرم ..

قالت ثم استسلمت للرذيلة ..

"أشح فيك ..واش أداك للبحر"

- الكبدة المحروقة ..أداتني .."

قالتها بمجوسية ..هكذا بدا للجميع ..

البحر أعور ..

قالها أطفال من بعيد ..ورددتها أفنان الصفصاف..

البحر أعور ..

سمك القرش وديع كآخر خصلة من الضفيرة ..أو كدمعة ثكلى ..

الصفصاف يشرب الماء..من الماء..

...وكانت الجوكاندا تستحم على مرمى حجر..في الماء والدخان ..والرماد ..ترتعش يداها الناعمتان من الحزن..في الحزن..

نطق دوفانشي

-الجوكاندا لي ..والبحر الأعور ..والتاريخ ..والصفصاف وماؤه لكم .

في انتشاء قلت :

-كلنا للقدر ..

رد : من وأد الجوكاندا ؟.

-البحر الأعور..يا سيدي..لا التاريخ ..ولا الصفصاف..

البحر موحل ..موغل في القدم ..والزمن تقول الشائعات ..أمة واحدة..تدين بكل الحضارات ..الخصب عم المرسى الكبير بوهران ..حينما مسنا الضر جميعا .أمما وصفصافا وضفائر ..الجوكاندا لم تنجو ..وكان ديغول لم يعتل عرش (الخامسة) بعد ..

(سانتاكروز) معقل الريح ..والأشرعة..(يعانق) أممنا ..وزمن رديء قادم من (بوسمغون) حافيا..يزحف نحو وهران ..ليعقد القران بين (سانتاكروز) (البتول)و(مرجاجو) .ويصلح ذات البين .

أحيانا البحر يشق البحر ..ليوزع الملح على الأمم..

يعتقل الملح ..مثلما حدث للجوكاندا التي تستحم إلى غاية هذه اللحظة في عرض البحر..(أخبط راسك على الحيط).يا نكار الملح ..

وأحيانا يشنق البحر البحرَ ..يا صديقي -لتطهير الحقيقة من العفن .

خافتً هذا الزمن...تتطاير شظاياه من عمق الفجيعة..ونبيع التاريخ بالأقمصة ..وأحيانا يتطهر البحر ..يبيع (نعومته .ملوحته).. يسبح في عمقه ..ويركب موجه أحيانا..وأحيانا للبحر شكل آخر ..يتبرأ منا كالشيطان ..التاريخ لا يرسم الخرائط ..ولا الجغرافيا أيضا ..

ببساطة ..عمي البشير التواتي ..(السمغوني) القرمطي ..الأمازيغي الأصل ..هو الذي نسج ملامحها..

*** ****

سيل البرقيات على الصحف الصباحية يتهاطل ..الزمن موحش..وفصول (دوفوكو) لم تتضح معالمها بعد ..في فيافي تمنراست ..عمي البشير لا يعرف غير:(ويل لكل همزة لمزة) يصلي بها كل صلواته.

*** ****

أخرج عمي البشير من الدائرة ..أنت لا تصلح للماء..مدخلُُ مفبرك لإحدى التصريحات الصاعقة ..ارحل إلى وهران مشيا على الأقدام ..الريح ..والأخطبوط يرتسمان لاحقا..في مؤخرتك ..هكذا تنبأت جدتي ..لأن طفولتك كانت (صعلكة).

البحر يبتعد ..يحمل الضفيرة بين أظافره ..الجوكاندا الوديعة ما تزال عائمة ..ودوفانشي ما زال غاضبا..

(ويل لكل همزة لمزة).

البحر ينتعل الفجيعة ..ركام الردم يغطي النواحي المجاورة ..وما تزال الضفيرة عائمة ..

عمي البشير  ..التواتي السمغوني ..القرمطي ..نظراؤك ممن لا يعرفون غير :"Bonjour monsieur ,ici le sac" " كثيرون ..

لغتك (الفرنسية) الركيكة ..في المرسى الكبير بوهران ..جدلُ اللحظات ..وسفر الإخطبوط الذي تنبأت به جدتي ..يجذبك إلى الصعلكة ..من جديد ..وأنت تحمل كيس الإسمنت على كاهلك المثقل (بالصعلكة) ..عاريا من دهرك و(ظهرك) ..غير مبال برحلة (دوفوكو) إلى أعماق الصحراء ..إلى تمنراست ..مرورا ببني عباس ..أو العكس ..العري والخوف ..والاستشراف ..وانتظارك لحمولة (طامسة) المحمدية(باريقو) إلى ميناء مرسيليا..سفرُ في ذاتك ..

...أطياف التوازي بين الضفيرة .وأعمدة الدخان وهرولة الأطفال..نحو (الماوراء) قبلة للصوت وللزمن والحناء ..والقبلة المبتورة –يا صعلوك القرية ...صمت المكان ما أعذبه ..وما أتعسه ..توازي الأزمنة ..يتراءى لك من بعيد في حبة برتقال (طامسة) من (باريقو)والقبلة المبتورة ..وهرولة الأطفال ..عراة ..حفاة ..عبر الأزقة الملتوية في (بوسمغون)..وأنت تحمل (الطامسة)..تشحنها إلى مرسيليا..بطاقة هويتك مكتوب عليها بهذه اللغة(musulman français) (مسلم ، فرنسي) ..في يدك اليسرى ..لماذا بالذات يدك اليسرى ..؟ سفرك الممتد عبر ذاكرتك ..الممدود إلى صدرك الشاحب ..وأنت تحت إبط السفينة ..صوت المكان ..والزمان ..حبة وشم في ذراعك الأيمن ..وثعبان ملتو لا يغادره ..موشوم كامتدادك نحو سفرك ..نحو مداك الذي فقدته (ربيحة) في القرية ..

غروب ذاك اليوم يشبه إلى حد ما..خرقة بالية ..وشتاء شاحب ..رغم الأمطار التي تساقطت من (الظهرة)..وذات غروب مواز في ذات مساء من 21ماي 2003..عندما رجت الأرض في بومرداس ..

Rocher Noir (روشي نوار)

*** ***

..وأفشيت السر -عمي البشير -التواتي..القرمطي..السيطرة  على الكتمان اختطفها غراب التمس ذات بدء ....ردم(القتل) مثل القش الذي يردم (عادة) زبد البحر الغاضب..هكذا الغراب.. ذات بدء(علم) قابيل وهابيل ..(واحد) منهما فنون (الردم) والدفن ..هكذا كان البدء ..لا يهم ..أيكون قابيل ..أو هابيل..(هذا لا يهم)..هو ذا البدء لديك ولدي ..ولديهم .

 

- من تكون..اختف.

-لك ما تريد ..سمعا وطاعة ..

كل شتاءاتك لك ..ماعدا شتاء واحد ..فهو لي ..

-هرول مع أترابك عبر الأزقة الملتوية ..اختف..

-لك ما تريد ..

مثلما الشتاءات كلها لك ..لا تسألني لماذا خانتني السنونو ..ولم ألتحق بأطفال الحي المهتريء ..البحر تربّع على الماء..والمساء استوى مثل الماء ..في الماء وفي البر ..وكنا نجري في غير وجهة ..حاجتك تجدها (عندي)أو تجدها في أعمدة الصحف الصباحية ..هذه وصاية الغراب ..وصاية الغراب..وصاية جدتي..ومآقي (ربيحة) وأنت وأنت..لا يهم ..لا يهم ..(أخبط راسك على الحيط) يا نكار الخير ..ثم ما الفائدة من أن أطلعك وأنت تحت إبط السفينة.ثم أن الأمر لا يعنيك على الإطلاق..

كما تشاء..أشاء..والحوت تبتلعه المسافات ..

-اختف..هذا شأني ..

-لك ما تريد ..

*** ****

تفرّخ أحداث(ديان بيان فو) ..قميصك المهتريء ..وعودتك من (مشرع الصفا) بضواحي تيارت (تيهرت)  ذات شتاء ..وذات صيف حار..تفرّخ تعاستك ..وعودتك من (مرية)  بوهران ما زلت أذكرها..(اللولب) الحديدي العالق بركبتك اليسرى ..ينخر لحمك ..ينهشه مثلما الضباع في الأدغال تنهش لحم ظبية وديعة ..

- اختف..الشظايا تتطاير من عيني ..الغضب مثله ..أغرب عني

. - لك ما تريد ..

ركبتك يدغدغها مسمار صغير ..يسكنها ..بوداعة كما تسكن (ربيحة) ذاكرتك ..يمنعك ..الشوق ..يجذبك ..(....)..يمنعك من السفر-ربما- أوحى لك بالسفر إلى ذاكرتك ..إلى فرنسا ..إلى الأندجينا..للعلاج ..ببطاقة هوية عليها هذه العبارة MUSULMAN FRANCAIS.

*** ***

كلهم عادوا إلى أهلهم ..ما عدا أنت ..لماذا ؟..

كلهم عادوا من (مرية) ربيعا ليلتحقوا من جديد ب(مشرع الصفا) ..صيفا للحصاد ..(أخبط راسك على الحيط) يا نكار الخير ..

لماذا عدلت عن السفر إلى فرنسا للعلاج ...ولولب الحديد ..ينخر ركبتك ..فرّخْ أجوبتك كما فرّخت المآسي في (ديان بيان فو) ..ألم تكن هناك ؟ (أخبط راسك على الحيط) يا نكار الخير ..يالقرماطي ..

ساق النخلة الباسقة في (بوسمغون) يثمر دوما تعاستك ..ويفرّخ الظل للقاصرات والحمير ..وبقية (الدواب) .والجوع يقطر شهدا ..ينبث عشبا ..

أتلف البحر ضفيرة حنان عبر أصقاعه ..وأنت تترنح تحت جدع النخلة ..غبت ..وغابت عن الرادارات والشاشات الصغيرة ..وعن أعين (العشية) الهوجاء...لم تكن تفرح بموتها ووأدها، مثلما ينتابك الفرح والفزع أحيانا وأنت تحت إبط السفينة ..

قالوا انخرطت في إحدى الحركات ..لم تتأكد الأنباء ..وجدتي لا تعرف ذلك ..

الضفيرة في أصقاع البحر ..ربما تقترب من مالطا ..أو جزر الوقواق ..من يدري ..هذا هو البحر ..يقذف الأشياء ..وينبئ بها ..ويبحر بها ..ويجلب البؤس من (سيدي فرج)..هذا تدركه جدتي ..قالوا إن هيمنقواي ..لم يصطد سمكا ..وأن جاره يسأله دوما عن صيده الوافر..كل ما يعرف عنه أنه (حوات) ..ذاك ما يعرفه الجار ..وما غاب عن جدتي ..

قالوا إنك وطني حتى النخاع ..لكنك صعلوك تتمرد حتى على (...)

أهل القرية لا يعرفون غير صعلكتك لماذا؟..

-الجوكاندا جاعت ..في عرض البحر ..قضمت خصلة حنان ..من الخلف ..مثلما كنت تفعل مع الحمير  وبقية (الدواب) ..تحت جدع الشجرة ..وتسترخي للظل ..وللفح القيلولة أحيانا ..كلما اقتضت الضرورة ..ولم تعبأ الجوكاندا بموتها ولا بوأدها ولا(....)وظلت تصارع الجوع ..والموج الهائج ..مثلما تصارعه أنت تحت إبط السفينة ..أنت صعلوك ..لكنك وطني ..الحمير  ..لا تبوح بالسر ..مثلما لا تبوح به أنت ..والبحر لا يبوح أيضا..

**** ***

أحاجي البحر ..والأمواج الهوجاء..والأرض التي رجت رجة واحدة أتلفت جزءا من خصر (حنان) لم يظهر له أثر..ربما أكله الحوت ..أو ابتلعته الأرض .. السماء أمطرت في ذلك اليوم ..

قالت الجوكاندا : (..كان يا ما كان..ثم سكتت..لا أدري لماذا..)

ملوحة البحر (طفت) على سطح الماء والبحر ..والسر.وضفيرة حنان ..هوت ..(تحلقت) حول كانون في قاع البحر ..تروي حكايات الجوكاندا التي سكتت ..وتصغي لأحاجي جدتي ..هي تدري لماذا ؟..

قالت الضفيرة:..(كان يا مكان .ثم سكتت هي الأخرى ..لا أدري أيضا لماذا؟))

سفن قادمة من بلاد الإغريق .كانت عرض البحر .وكانت تحمل رايات كل الأمم والقارات الخمس ..ما عدا راية أمتنا ..وقارتنا ..وأنت قابع تحت إبط السفينة ..لم تغادرها..لماذا ؟.

-غادرْها.

حنان غادرت بقية أحاجيها..والجوكاندا انتعلت أتربة وتضاريس إيطاليا..هذا ما تداولته الأخبار المتضاربة ..

جزيرة صقلية ..على مرمى حجر ..وطارق بن زياد على الواجهة الأخرى من الماء ..هذا الذي تريد أن أفصح عنه ..؟؟

-الجوكاندا لم تنتعل أتربة إيطاليا ..كذبة ..وطارق بن زياد لم يقطع جبل طارق بعد ..

-حاول أن تفك وإياه قيود الضفيرة ..الجوكاندا أنهكتها المحاولات ..وخارت قواها ..

-ملت الأنس ؟

-وحتى الصداقة ..

-لم تعد عذراء كما رسمها دوفانشي..

البحر ذرف الدمع لأنه أخطأ..

-البحر مربط الخيل ..

-هذه كذبة ..البحر لم يذرف دمعة ..فقط استسلم للنوم ..كما كل الكائنات ..حتى الأرض التي رجت ..

-والشهد تحت النخلة ؟

أغرب عن وجهي يا شيطان ..

هاها...هاها..هاها..هاها..

*** ***

سباق الخيل وصهيلها في ساحة القرية ..أيزال يقطع أحشاءك (حنينا) للصعلكة ..ويدعوك للتفريخ ..أم أنه مرآة ماض تداولته الأحاجي..لا أعرفك تقدميا..بقدر ما أعرف عنك كل أصناف النقيض ..وإن قالوا أنك انخرطت في صفوف إحدى الحركات الشيوعية ..هذا ما تداوله شبان القرية ..

-ألجم فرسك الشقي ..التعس وأصهل..

-تصفيقة حارة ..هاها..هاها..

-أضحك يا بارد القلب ..

-الآن عرفت ..ما ذا تنتظر، أصهل مثلما صهلت ذات مرة ..وفرخت الأحاجي.؟وجثم الصمت على لحظة الرشق..

الجوكاندا والضفيرة يغرقان ..يلتهمها الحوت الأزرق في عرض البحر ..

- استسلم البحر للنوم ..قارعه قبل فوات الأوان ..

-لم ينهض بعد .أنا متعب من التاريخ والتأريخ ..أمهلني إلى أن يهدأ ..

أنا مهتريء مثله ..قميصي لم يجف بعد ..تمتصه نوايا السفينة ..يمتطيه زبد البحر ..

-لك ما تريد ..

وسكت الإسكافي عن النقر ..في باحة القرية ..بينما ظلت أمواج البحر تتلاطم ...البحر أزرق..هذا لونه لم يتغير ..ولم يتلون بلون السماء ..نامَ ..نام َ..نام َ..وهربت الجوكاندا الوديعة إلى حيث لا أدري ..سألوني عنها ..

قلت : كانت جارة الخوف ..وجارة الحطاب المفترس ..

قالوا :(أصابتها إغفاءة فقط ..) البحر هو الذي نام ..نام ..نام ..

وأستيقظ الحطاب المفترس .

سألوني عن الكل ..عن الشكل : ..الحطاب المفترس ..شجرة التوت والزيتون .والتين الحمقاء ..وبقايا البلوط العالق في الشجرة ..يتطاير صوب جهات متفرقة ..وفي كل الأرجاء ...

وقالت الجدة : سافر ذات يوم ماطر ..غائم إلى (مرية) ليقتات من صفاء السماء وكدرها..وخزي الزمن..وأحجمت -عمدا- عن الأجوبة الأخرى ..وباقي الانشغالات ..وأجهشت بالبكاء ...

أجواء المدن كنقر الإسكافي الذي سكت ..وجمجمة البحر أكذوبة الجرائد ..وجف القلم .

*** ***

سطوح الأبنية أصابها الرأب ..والصدع ..كلها بدون استثناء ..ومصنع الآجر الأحمر ..تتهاطل عليه الطلبات ..والهدايا..وخزي الرشاوي ..ومناقصات على أغلفتها الخارجية هذه العبارة (لا تفتح).

ووصينا الإنسان بوطنه حسنا..وحبا جما ..

JE PENSE

TU PENSES

IL PENSE

- أكمل الباقي عمي البشير  :

je mange

-tu manges

il mange

-أكمل عمي البشير الباقي :

j’ accède

tu accèdes

il (elle) accède

أختم عمي البشير  :

j’ abrège.

-tu abrèges.

(il abrège (sans elle

-شكرا..وذخر الباقي ..لأن الجوكاندا مسحوا دعابتها..ووداعتها ..وابتسامتها وعذريتها بفسيفساء ..الفصول الأربعة :

رعد ..مطر ..ثلج ..شمس ..وبالوشاحات الجميلة ..صلبوها وما كانت لتقوى على ذلك ..وزعوا ابتسامتها البريئة ..الغريقة على المناقصات المفتوحة..وعلى الحكي والقص ..وحنكة السارد ..ما كانت لتعلم لولا قصاصات الجرائد ..ما كانت لتصلب لولا قصاصات الجرائد ..

جبلت على الطهارة .. وعلى الدنس ..وما كان لها أن تختار ..أو تفترض ..

وقد جبلت على الطهارة ..

تطأ قامتها الهيفاء ..وجيدها الفارع قاع الموج والبحر ..وما لها أن تختار ..

..هكذا جاء في قصاصات الجرائد ..

أنا ملك الأمواج ..

مهازل..مهازل ..مهازل ..

أدرجوها مادة في دفتر الأعباء ..وما كان لها أن ترفض ..وشحوها بعويلها وطهارتها ..وطرحوها للمزاد العلني في باحة قريتك ..وباقي المداشر والمدن ..وأنت مازلت قابعا تحت إبط السفينة ..لا تحرك ساكنا..أو ماذا تفعل..أراك لا تتحرك

؟ -tu penses

-j’ accède

وأنت ؟

j’ abrège

 

لك ما تريد ..لا تنس أن الجوكاندا ما تزال في اليوم تواصل رحلتها ..ودوفوكو في براري تمنراست والأبيض سيدي الشيخ يغازل الأهالي .-

؟-tu penses.

*** ***

لهم الروابي ..ولنا دفتر الأعباء ..هكذا : je pense

لكن لا تخف .عمي البشير ر ..أوراق العودة معي ..الأوراق الأصلية ..في خزانتي ..أغفلتها دفاتر الأعباء .جاءت في أخبار (إفيان .)ومائه العذب ..

*** ***

عمي البشير ..كل أهالي القرية كانوا يسمعونك تتحدث عن (مصالي الحاج) ..وعن (النورمندي)..وجيش الألمان ..وخبز (الفوقاس) كانوا يسمونك هكذا (الفوقاس) ..أنت الوحيد في القرية ..كنت تملك جهاز (TSF)

نحن كذلك نسميه ..(التيساف) ..

يحجم عمي البشير عن الحديث .. كانت شفتاه ترتجفان ..

****

السيجارة السميكة (تحت الأذن) وأنت تتأبط السفينة ..ماذا تفعل؟ إنك تنحت شيئا ما على رحم السفينة .. بمسمار يعلوه الصدأ ..بمعية إبرة (سميكة وشيء يشبه (كحل النساء) ...تغمس مرة (الكحل) في (دواة) ..وبيدك الأخرى تدغدغ إبط السفينة ..ماذا تفعل ..ماذا وراءك ..(أشبع فضولي) ..

ومرات عديدة تتمتم وتهلوس ، ماذا تقول (أشبع فضولي) ..تنقش أحرفا باللاتينية ..وزندك الموشوم بأفعى -تتلوى - وتقترب من كفك ..سميكة هي أيضا ..يحاذيها قلب (موشوم) أيضا وعبارة :

Pas de chance

... عمي البشير يعاقر النساء ..والخمر ..كثيرا ..يسمع (الشيخ العفريت)..ممتلئ بالتفاصيل ..ممتلئ أيضا بالمخزونات ..ومقاطع من أغاني (الشيخة الريميتي)الهجينة ..الماجنة .هذا ما أوردته الرياح ..عنه وهذا ما هو مشاع عنه .. لون الورق أخضر ..ولون الحرباء لا يتغير ..عنده بالرغم من الإشاعات .حتى لو كان العكس ..صرف جزءا من شبابه في سعيدة ..في وهران ..وفي (ديان بيان فو)..رجل حليم ..يتأسف كثيرا على الذين سكبوا دماءهم خارج الحدود ..نكس عيناه ..ليس من عادته ..وأنا واقف أمامه ..أعارني التفاتة بعينين يكسوهما البياض ..ثم أطرق وأنتكس .. كانت حمائم المرسى بين جيئة وذهاب ..

..تطير وتحط على رصيف (المرسى) .كان يرشقها بعينيه ..يطرق ويرشق ..وأنا منتصب أمامه أتفرج ..نكس عينيه من جديد ..فيما اقتربتْ حمامة منا .

قال : غادر المكان فورا ..الآن لي شأن خاص مع هذه الحمائم .

كان الوشم بساعده يبرق ويتلألأ ..يملأ المدى والمدار ..وماء البحر القريب من المرسى (يمزج) الوشم الساقط على صفحة الماء (بالانعكاس) ..الشمس كانت حارة ..تنذر بيوم قائظ ..وسكون بحر ..ووفرة في الاصطياد ..؟

وكنت أبتعد عنه ..

رشقني ..صعقني بصوت مزعج ..أصابني بنظرة حادة ..وصوت (غليظ) ..التقطته من بعيد :

-خذ هذه الملاءة ..وغط عورة الجوكاندا .. سيأتي يوم ترتقي فيه إلى مصاف (ملاح) ..وتعلق له النياشين ..لا تشغل بالك بالبحث عنها ..وعن هويتها (لا تكن فضوليا) سيأتي يوم أتولى أمرها.

ألتفتت لهول (الصعقة) وما بدا لي..؟؟

--لك ما تريد ..كانت لحظة الفصل ..وأشاح بوجهه عني ...

كنت أحمل الملاءة وأبتعد عنه ..

جاءت ريح همزى ..نزعها مني ..قلت للريح " قايضيني " بسعفة نخلة ..أعطني (الملاءة) أعطك ما عندي من ذبح في (الحلق) الذبيح ..وجف القلم ..

*** ****

كانت (الملاءة) أرجوحة في الماء البعيد ..

وتوهج بريق في عيني وأنا ألمحها ..أرشقها بعيني ..كان رذاذ المطر يختلط بدمعي ..وكان المدى بعيدا ..بعيدا ..رميت جبهة البحر بناظري لالتقاط الجوكاندا ومجاهلها ..أو على الأقل أمسك حفنة من ماء البحر ..نظري كان صنارة (خائبة) .كنت أرنو على الأقل إلى خصلة منها ..أو الضفيرة العائمة ..أتوسدها ..فلا الريح مالت -في صالحي - ولا الرذاذ توقف..وأفلت الضفيرة فتحت قفل الماضي العتيق ..تلذذت بتقليم أظافري وسماع أحاجي (صنهاجة)و(زناتة)..كنت أجثم على المرفأ أقتات الريح ..ورذاذ المطر والماء الذي بدأ يسخن ..أوهمت نفسي بأنني أنا السارد ..وأنا الراوي لحكايات زناتة ..و(صنهاجة .).وبقية البربر ..والذين أطلوا من جبل (مرجاجو) واقتحموا مغاراته عبر تعاقب الأزمنة .(مغراوة) وغيرهم ..

راقصت الضفاف .كان مسكني الماء والمدى البعيد والأحاجي ..وكنت كلما أقلم ظفرا من أظافري العشرة أرمه في البحر .وأحتفظ بالباقي ..بقايا أظافري العشرة ..لم أكملها ..تذكرت أن هذا المدى تسكنه (عروس البحر) ..تملكني الرعب .غادرت المكان ..في وجل ..ساورني (الطموح) .عدت إلى المكان ..علني أظفر بعشق عروسة البحر ..فأتخذها خليلة ..توهمت ذلك .

كان طموحا زائدا مفرطا ..

فتحت دفتري مرة أخرى على قفل ماض ثان ..على أحاجي جدتي ..وأيام صباي ..واصلت تقليم الأظافر العشرة ..نشب شجار في (مخيلتي) بين أن أركب (ظهر) عروس البحر فتوصلني إلى الجوكاندا ومجاهلها ..أو أن أركن للأحاجي ..فركنت لسماع عمي البشير ..يحدثني عن مجيئه ذات دهر إلى القرية ..

وسبب هجرته منها ..وعن أبعادها.

قال لي عمي  البشير ذات مرة:-تكبر وتعرف من هو (مصالي الحاج)..و(دوفوكو)وهتلر ..

غمغمت بداخلي : لماذا أقحم نفسي فيما لا يعنيني ..، غير أنني تداركت الأمر بأنني خاطبت ذات مرة دوفانشي عندما (عيرني) فلماذا لا أكون كبيرا مثل البحر الذي ابتلع الجوكاندا.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1410 الجمعة 21/05/2010)

 

 

في نصوص اليوم