نصوص أدبية
كيف تركت ِ السماء فارغة ً وجئت ِ؟ / علوان حسين
من الشباك المفتوح
تنزل َ الليل ُ بنجومه
وواحاته وملائكته معها .
أدركت ُ وقتها لماذا تبدو
السماء ُ نائية ً وغارقة ً
وكيف صارت الأرض ُ تحت قدميها
تغرق ُ في الينبوع ؟
تلك الّصبية ُ المخلوقة ُ من دموع العشاق
جسد ٌ مجبول ٌ من حسرات ٍ
كيف تركت السماء َ فارغة ً
تلك العراقية الآتية من ليل الشعراء ؟
شجيرة ُ ورد ٍ تسير ُ على قدمين
قامة ٌ من فرط هشاشتها
تكون كعطر ٍ سابح ٍ في الذكرى .
قمرٌ يتخذ شكل وردة ٍ
لها ملمس الضوء
ونكهة فاكهة ٍ سماوية ٍ .
كيف آخيت ِ مابين رقة ُ النهر
ومزاج بحر ٍ طائش ٍ ؟
أتت الّصبية ُ في غير موعدها
لم أكن أنتظر فرحا ً
في قسوة العمر
ولست ُ مهيئا ً لموت ٍ
تحت إيقاع رقصتها الجنونية
فأنا لا أملك ُ سوى قدمين للمشي
وجسد ٍ خفيف ٍ كرعشة ٍ .
لا جناح لي كي أطير َ
ولا سلما َ أرتقيه نحو السماء .
أحب ُ كائنات َ الليل ِ
والغرق َ في حلم ٍ طويل ٍ
حيث كآبتي في أبهى حالاتها .
يرقص ُ الحنان ُ كالنار وهي تلتهم ُ الريح
لماذا يبدو القمر ُ الأليف ُ غريبا ً
كإله منبوذ ٍ في الصحراء ؟
كانت السماء التي تتشكل ُ بعيني طفل ٍ
خضراء َ تنبض ُ بالمطر .
هل كانت السماء ُ غابة ً خضراء َ
أم سحابة ً من رماد ؟
سماء ٌ غادرها الطير ُ
بعد أن غدر َ بها ساكنوها
وضاعت الأقمار ُ في المدن الغريبة
بعد أن ذبح َ الأوغاد ُ شهرزاد
وكسروا العود والمرآة
صارت بغداد منفى ً موحشا ً .
بغداد نافذة ٌ سوداء
ونهر ٌ يحلم ُ بالمطر .
بغداد هادئة ٌ كموت ٍ
يسير ُ مع النهر .
بغداد تحلم ُ بالمطر
وليس لها سوى السياب
يهطل ُ من قصيدة .
في شوارعها تتجول الأشباح ُ
تحدق ُ في الفراغ .
تبحث ُ عن كسرة خبز ٍ
أو نظرة ٍ من حنان
والشجر ُ يسعل ُ وهو يموت ُ في هدوء .
الفرات ُ العذب ُ لم يجد مكانا ً
أو حبقا ً ولا ماء
كي يبلل َ لحيته ُ البيضاء .
أصغي إلى ( موفق محمد ) * وهو يرثي الفرات
بحنجرة ٍ ينزف ُ منها الغناء ُ
أصغي إليه وهو يرى البساتين َ
موحشة ً كالمقابر وقت َ الليل .
لا عذوبة في الفرات
ولا عشاق تلوح ُ ظلالهم على صفحة الماء .
جثث ٌ وقمر ٌ ميت ٌ
حيث لا عصافير في السماء
أطلق الصيادون النار َ على الحياة .
بعد َأن قطف َ السيف ُ
نجمة َ البلاد الوحيدة
صارت الأرض ُ التي تنبت ُ الورد َ والنخل َ والبرتقال
تورق ُ جثثا ً .
شكرا ً لهم الأنبياء
أهدونا بدلا ً من العطر رائحة َ المستشفيات .
بدلا ً من الصباحات المعطرة بالآس
منحوا كل واحد ٍ منا جنونا ً .
لنزين القبور َ بالشموع ِ .
يمر ُ الشتاء ُ ونحن نحرس ُ البرد َ والليل َ
والريح َ المثقلة َ بالأسرار .
جاءت الصبية ُ في وقت ٍ ضاع َ
مابين اليقظة ِ والنوم ِ .
*موفق محمد شاعر عراقي شهير
شاعر من العراق يعيش في كاليفورنيا
............................ الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1520 السبت 18/09/2010)