نصوص أدبية

بلادٌ في هيأةِ الأفعى

أنا ممسِكٌ حتى النهايةِ بالعصا

ولستُ بملقيها لكي تُذهِبَ الرَّوْعا

أنا الآنَ من موسى أحقُّ بجذبةٍ

من النارِ ياربّاهُ عطفَكَ إذ أُدعى

سأصمتُ لا خوفاً من الصَّوتِ إنَّما

سأصمتُ يا مولايَ كي أرهِفَ السَّمعا

فإنَّكَ حتى آخِرِ العشقِ هزَّةٌ

بصمتي وإني عاشقٌ خابَ في المسعى

وما خابَ إلا كي يكونَ هيامُهُ

أحقَّ بوصفِ العشقِ  لو واجهَ المنعا

***

 

لا صديقَ لنا، نحنُ مُستمسكون بخيباتِنا، نحن لا نتخلّى عن الأرضِ، نسرقُ  نيرانَ  آلهةٍ  قطُّ ما فكَّروا بالحنادسِ إذ يخبطُ  الناسُ فيها، وما فكَّروا ببني آدمٍ : ما الذي أكلوا؟، ما الذي شربوا؟، قطُّ ما فكَّروا كيفَ في غسقِ الليلِ نحوَ حبيباتِهم يقصدُ  العاشقون، وما انتبهوا أنَّ للنار وجهاً  يحنُّ إلينا، وليسَ له أيُّ قصْدٍ  بأن يتناوشَ أجسادَنا بالعذاب.

لم يذوقوا – وقد أوجدوا الأرضَ من أوَّلِ الخلق طعمَ التراب.

متى ما تذوَّقَ  طعمَ  الترابِ  إلهٌ  تقزَّزَ منه، ومن فمه يخرج القيءُ، من أنفِه ينزفُ  الدمُ، ثمَّ يصيبُ الإلهُ الذي جرعةُ الأرض قد قزَّزته  زكامٌ وحمّى ...

 

لا بلادٌ  لنا في الحقيقةِ، أبداننا – وهي  أبداننا – لا نحسُّ بها حينَ تنتبه الروحُ إلا لماماً، وحين نشاطرُها رغبات الغريزة نسعفها بالخيال، فترقى وترقى، إلى أن تشفَّ كثيراً  كثيراً، فتصبحُ أرواحُنا وهي  – في قبضة الشعر – واحدةً ، هي أرواحُنا وهي أبداننا، بعد هذا، فهل سوفَ يبقى لبلدانِنا أيُّ معنىً سوى أنّها عنبٌ حامضٌ، أو فقل هي في طبقٍ بلحٌ أصفرٌ، أو على كتف الماء نعنانةٌ....

 

إنَّ بلداننا يا أخي لا يكونُ لها طعمُ نهدِ الحبيبةِ إلا متى اهتزَّت الأرضُ من تحتِها، فدخلنا إلى نفقٍ آخرٍ لا يؤدِّي إليها.

 

وبلدانُنا كلَّما قد رسمنا لها صورةً لم تكن هيَ  في الصورةِ المنتقاة.

هنا نرسمُ الآن ياسيِّدي بلداً فنرى بدلاً منهُ أفعى!.

هنا نرسمُ الآن ياسيِّدي بلداً آخراً فنرى السُّلحفاة!.

 

قد يكونُ لنا الحقُّ أن نعشقَ الآنَ مثلَ جميعِ  بني آدمٍ، أن نرى في وجوه النساءِ عوالمَ غامضةً ليس يدخلها غيرنا، ونعانقُ  ليس النساءَ تماماً، ولكن نعانقُ  أطيافَهنَّ، نعانقهنَّ على شرفاتِ الخيالِ ونبكي، نراهنَّ أجمل مما تصوِّرُهنَّ الحقيقةُ،  لا عريهنَّ لنا مطمحٌ فيهِ، ليس العفافُ لهنَّ نراهُ  كما هو للأخرياتِ  اللواتي زهدْنَ  بنا بيرقاً  يستحقُّ أناشيدَنا، نحنُ ليس الذنوبُ لها نحونا مسلكٌ، نحن  يا سيِّدي فوق  طهر ورجس النفوس، إلى مستوى أنَّ أنفسنا الزئبقيَّةَ كائنةٌ في بريق الضميرِ الذي شعَّ من كلماتِ العتاب.

 

لنقدْ ضدَّ أنفسنا حملةً علَّها في النزالِ العصيب إلى ضدِّها تستجيب، ضدِّها – الجوهرِ اللانهائيِّ فيها – وإنَّ لها بين أضدادِها رتبةً

هي ما يجعلُ النفسَ عرشاً وربّاً، جناناً وناراً، وجيشَ ملائكةٍ، ومصاحفَ تُتلى

 

نحنُ  في الخطواتِ إلى الخلفِ ندفعُ أجسامَنا باتّجاهِ العصور التي سوفَ  توجدُ مسْتقْبلاً، ونواجهُ أهلاً أعزّاءَ ليسوا لنا الآنَ أهلاً، فنقبَّلُ ما بين أعينِهم ونقولُ لهم :- أيُّنا الوالدُ المتحنِّنُ أو أيُّنا الإبْنُ، من كان من قبلُ؟ من حلَّ ضيفاً، ومن صاحبُ الدار؟ في عيشِنا هاهنا قد تكونون أنتم ونحنُ بلا زمنٍ أو مكانٍ، وقد لا نكونُ سوى شررٍ ظلَّ متّقداً منذُ كينونةِ الماءِ في أوَّلِ الأمر……

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1113  الاحد 19/07/2009)

 

 

 

في نصوص اليوم