نصوص أدبية

الزوجة الصماء

 ولكنها تعيد نفس الجمل بصوت مرتفع ظنا منها أن رفع صوتها سيجعلني أقتنع أخيرا بما تقوله . وللأسف عصبيتها تزداد حتى بات الحديث معها مستحيلا.

راقبتها أثناء عملها المنزلي . بالتأكيد لديها مشكلة عويصة.. أتحدث اليها ولا تسمعني، هل يكون السبب مشكلة في سمعها، ام ترفض الحديث معي؟

قلت لها اننا يجب ان نذهب الى طبيب مختص لفحص سمعها. غضبت مني وثرثرت كلاما لا رابط بين جمله . فهمت منه ومن اشاراتها انها تتهمني بأني اريد أن أجعلها مريضة بالقوة، وأني انا مريض في رأسي .. وقد عافت نفسها من تصرفاتي.

سامحها الله . صرت أقل من الكلام معها حتى لا اربكها .. ولكنها كلما مرت بي تثرثر بدون صوت، أنظر اليها وأقول : " سامحك الله " وهذا يغضبها لسبب لا أدريه . ومرة لم أعد أصبر . قلت :

- اذا كان لديك شيء ضدي قوليه لأسمعه .

فانفجرت بالضحك .

- لم أقل شيئا مضحا؟

- ....

- قولي بصوت مرتفع وواضح لأسمعك جيدا .

-  ....

فأعطتني ظهرها مفضلة الصمت .

شاورت أولادي حول حالة أمهم .. فضحكوا بشدة . سألت : " ما الداعي للضحك؟" ابني الصغير كان أوقحهم. قال بصوت قوي جدا مقربا فمه من أذني:

- المشكلة لديك يا أبي .

- كدت تطرشني . لا تفعل هذا مرة أخرى .

قال الابن البكر :

- سنذهب لزيارة الطبيب .. سأحجز لك دورا عنده .

- احجز لأمك هي التي لا تسمع .

- حسنا .. أمي ترفض .. سنشاور الطبيب عن طريقة لعلاجها . انت ستشرح له المشكلة .

- فكرة جيدة

في اليوم الموعود جاء ابني لمرافقتي . عبثا حاولت اقناع زوجتي لمرافقتنا، الححت، فصرخت باذني :

- الله يساعدني عليك .

- انت حرة .. نريد ان نساعدك ولا تريدين ان تساعدي نفسك .

خرجت من المنزل مع ابني البكر الذي لم يتوقف عن الضحك، ربما بسبب عناد امه ورفضها العلاج .

استقبلنا الطبيب مبتسما . شرح له ابني مشكلة أمه . ولكنه قرر فحصي . لا أعرف كيف سيساعد فحص الزوج في علاج الزوجة؟

أدخلني غرفة زجاج مغلقة، بعد ان أفهمني ابني بأن أرفع اصبعي كلما سمعت صوتا . وهذا ما فعلته .

عندما انتهى فحصي سألت الطبيب :

- كيف سيساعد هذا الفحص زوجتي؟

ضحك وقال بصوت واضح :

- سيساعدنا على تحديد المشكلة .. ولكن انت أيضا لديك مشكلة في السمع .

- ربما .. ولكن المشكلة الصعبة لدى زوجتي.. نادرا ما تسمعني !!

نظر الطبيب مبتسما الى ابني، وشاوره قليلا، ثم قال لي بصوت واضح :

- انت ستساعدنا على علاج زوجتك، بما انها ترفض المجيء للفحص، سنوكلك باجراء فحص لها.

- حسنا ... كيف أفعل ذلك؟

- عندما تكون منشغلة قف خلفها على بعد ستة أمتار. واسألها:" ماذا تفعلين؟". ثم اقترب لمسافة اربعة أمتار واسأل نفس السؤال .. واذا لم تسمعك اقترب لمسافة متر واسألها نفس السؤال وانتبه لا تغير قوة صوتك في الثلاث مرات .. ولنرَ النتيجة ..

- فكرة جيدة ..

في اليوم التالي كانت تحضر صينية بطاطا بالدجاج، ومشغولة باعداد الفطائر لأن أحفادنا سيحضرون للغداء عندنا.

وقفت على بعد ستة أمتار وسألتها:

- ماذا تفعلين؟

لم تسمعني. اقتربت لمسافة أربعة أمتار وسألتها :

- ماذا تفعلين؟

لم تسمعني. اقتربت لمسافة متر وراء ظهرها، وسألتها:

- ماذا تفعلين؟

التفتت الي غاضبة جدا . يكاد الشرر يطير من عينيها، وصرخت بوجهي بقوة :

- للمرة الثالثة أقول لك صينية بطاطا بالدجاج .

انسحبت بهدوء..

 غدا سأخبر الطبيب بنتيجة الفحص !!

 

نبيل عودة – كاتب، ناقد واعلامي – الناصرة

[email protected]

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1148 الثلاثاء 25/08/2009)

 

 

في نصوص اليوم