نصوص أدبية

حالة اغتصاب

والبيض المقلي تفطرهم وتغديهم، وتوزع عليهم رؤىً، ويحاول الجنود أكلها بعيونهم التي خربتها جبهات القتال. حتى إن كل مسافر يمر بها يمضي وهو يحمل بداخله أفكارا عنها، واحساسا بلذة خافتة مصحوبة برغبة أن تكون خليلة او صديقة او زوجة ويذهب وهو يحكي لعائلته وأصدقائه عنها. حتى ان الجميع كانوا يأسفون لجلوسها في الشمس. فمثلها يستحق القصور لا السماء العارية.

فتاة، جميلة بيضاء، يعشقها أي مسافر يمر بها لمجرد إن ينظر في وجهها. فتنة عجائبية مع ابتسامة أخاذة، لايمكن وصفها بسهولة إنها تجعل كل من يمر بها يحلم أحلاما لم تمر بخاطر احد.

هي أحلام، الفتاة الصغيرة التي لم تتجاوز الثامنة عشرة. وهي تهب أحلامها مجانا مقابل لاشيء.

أما هو، المتخلف، فتجاوز، الثلاثين من العمر، يسوق باصا خشبيا، اتفق معها وزميلات لها ان يأتي بهن فجرا من مناطق سكناهن حيث يقفن على جانب الطريق بالقرب من بيوتهن. ثم ليعود بهن إلى محلات سكناهن بعد ان ينهين بيع بضاعتهن من القيمر والزبدة والبيض وغير ذلك، لقاء اجر متفق عليه.

أعجبته الفتاة مثل كل رجل أمام تحفة جميلة. ولأنه كان قرويا متخلفا، فانه يقرا الحب بطريقة أخرى. فراح يغازلها بالطريقة التالية :

_ احليمة *، أنا أريد النوم معك.

لقد وضع في باله مضاجعتها بأي ثمن يذكر، بالطريقة التي يريدها هو.

أما هي فكانت تضحك مما كان يقوله معتبرة ذلك هزءا. في حين كان هو يردد ذلك باستمرار وفي مرأى ومسمع الجميع أحيانا حتى.

قال له احد المارين عبره :

_ يا رجل، لكي تجذب إليك الفتاة غازلها أولا. فالنساء يحببن الغزل.

_ وماذا أقول لها؟

_ قل لها كم أنت جميلة، ان الذي خلقك لم يخلق مثلك من قبل. ثم تغزل بقامتها الهيفاء وبياضها الثلجي وعيونها الواسعة وشعرها الأصفر الذي يشبه أشعة الصباح الذهبية، وانفها الارستقراطي، وفمها الصغير الذي يكاد يتمزق أمام الكلام حين تتحدث، وخصرها الناحل الذي يكاد يشطرها إلى نصفين.

سمع الرجل النصيحة ولأنه كان متخلفا لم يحفظ منه سوى الآتي :

_ احليمة، ما اوسع عيونك، أريد.............

كانت الفتاة الجميلة تضحك منه وكان هو يزداد إصرارا وتعلقا برغبته.

تزوجت الفتاة وزاد جمالها جمالا. ذلك لان الفتيات قبل الزواج في العراق يُحضر عليهن الماكياج وكل ما يمت بصلة إلى الجمال بأي حال من الأحوال.

ان بعض سكان العراق من أهالي الأرياف يعتبرون المرأة هي المعيل الرئيسي للعائلة فهي التي تلد و تربي الأطفال والماشية وهي التي تنتج وهي التي تبيع واما الرجل فهو الذي يلبس أثمن الدشاديش ويرتدي أحلى الغتر وأرقى العقالات**. ويجوب المقاهي والدواوين العشائرية.

النساء يخرجن من البيت للعمل يحملن الحليب ومشتقاته أو الأسماك، وأطفالهن الصغار. ثم يعدن بعد انتصاف النهار يجلبن ما حصلن عليه بعد جهد يوم طويل ليقوم أزواجهن باستلام المبلغ كاملا والويل ثم الويل لمن لاتعطي لزوجها محصول يوم كامل من الجهد.

بيت المتخلف في قرارة نفسه القيام بأمر ما. ذهب مباشرة إليها وحدها، فجر ذلك اليوم دون صاحباتها، وقام بتحميل بضاعتها في السيارة. وحين صعدت هي إلى السيارة الخشبية الشائعة في جنوب العراق. سألته الفتاة :

_ أين بقية البنات؟ ولماذا لم ياتين معك؟

_ ان البنات قررن عدم الذهاب لهذا اليوم. لان بضاعتهن قليلة وقررن بيعها في نفس مناطق سكناهن. هكذا قال لها وبطريقة مفبركة جعل الفتاة البريئة براءة النباتات البرية، والتي لم تتسخ روحها بعد، تصدق ذلك، والتي كانت تظن ان كل ما يقال بين الناس لا يتجاوز الكلام.

للوصول إلى المكان الذي تبيع فيه بضاعتها قرب مرآب السيارات تسير السيارة في طريق طويل وتمر أثناءه بجسر طويل بدائي يربط جانبي نهر شط العرب عند منطقة النجيبية حيث يشتد جريان النهر.

أوقف السائق المتخلف سيارته فوق الجسر المصنوع من جنائب حديدية مربوطة مع بعضها البعض على عرض النهر الجبار وعند وسط النهر تماما حيث النهر في أوج جريانه، وراح يقذف ببضاعة الفتاة في النهر العريض. قذف بصواني القيمر وقدور اللبن والزبدة وسلال البيض والخبز الحار، وأدوات وأواني الشاي والطبخ والتقديم. والفتاة المسكينة تلطم الوجه والخدود وتولول على حظها العاثر.

_ ماذا تفعل؟ سألته الفتاة وهي في غمرة بكائها. وأضافت :

_ سيقتلني زوجي حين أعود إلى البيت خالية الوفاض.

ان زوجها حاله مثل حال السلالة البشرية التي ينتمي إليها سوف لايسال المراة عما جرى لها ذلك اليوم ولا في أي يوم آخر، ما دامت ستجلب له مدخولها اليومي الجيد. وكلما ازداد مدخولها ازدادت بشاشته وترحيبه بها ولا تهمه الطريقة التي ستجلب بها المال. وسوف يطلّقها طلاقا خلعيا، ان لم يقتلها،حين تعود له بلا شيء.

ان السائق المتخلف يعرف جيدا هذه الحقيقة ولهذا راح يساوم الفتاة قائلا لها:

_سوف اشتري لك أواني جديدة، وملابس جديدة وحليا ذهبية وأقراطا وسوف أعطيك مبلغا مضاعفا سيفرح به زوجك وتكبرين في عينه. هكذا راح يحاول إغراءها بأشياء تحبها النساء.

وراح المتخلف يضع شرطه الوحيد أمام كل هذه المغريات. والذي تعرفه البنت ليس بغريزة المراة وحدها بل لأنه كان يصرح بذلك كثيرا، ما كانت تعتبره نوعا من المزاح كعادة هؤلاء الأفراد. ولان الرجل كان يمتلك صلافة وجرأة تليق بالأميين الهمج من أبناء مثل هذه السلالات. ولكن حضرت اللحظات الجدية الآن.

راحت الفتاة تتوسل بالمتخلف أن يعيد لها أشياءها وان يتركها لحالها ولكنه كان يزداد إصرارا أمام خضوعها له. وقال لها :

_ ان الجميع يفعلن ذلك، سواك أنت. افعليها معي مرة واحدة وسوف أكون خادما مطيعا لك مابقي من عمري.

كان يحاول اصطياد لحظة ضعف منها، وهي الفتاة الأمية التي لاتمتلك من الثقافة سوى ما ورثته غريزيا من طبع خاص بها.

لو إنّ الفتاة فعلتها لما كان هناك من سيلومها على ذلك، سوى ضميرها الذي سيموت أمام وطأة الحياة البالغة الصعوبة التي ستمر بها، والتي ستزداد مع الأيام، وسوف يندمل ذلك الجرح الذي سيسببه ذلك المتخلف وأمثاله ممن يهينون الحياة في كل يوم وكل ساعة.

ان زوجها المتخلف الآخر وأمثاله ممن استخدموا النساء كبضاعة مربحة بعد ان استلبوا منهن الصفات الآدمية اللائقة بالإنسان وهم المستلبوا الإنسانية بسبب عدم فهمهم للمعنى الذي تنطوي عليه الحياة. سوف لن يهمهم ما تفعله المرأة مادامت تجلب لهم المال، ليهنأوا هم بحياة الراحة الرخيصة التي توفرها لهم معاناة غيرهم مثل حيوانات تتغذى على الفطائس.

قالت الفتاة للمتخلف وهي في غمرة توسلاتها، بعد ان يئست منه :

_لو كنت استطيع ان افعل ذلك معك او مع غيرك فما الذي سيجبرني على افتراش الشمس العارية، أمام معاناتي مع الآخرين من أمثالك، أو أمثال غيرك في جحيم يشبه المعركة؟ فانا لو أعطيت نفسي إلى أي عابر سبيل فسيعطيني أكثر مما احصل عليه من مهنة لاتجر لي سوى معاناتي مع الآخرين.

قالت ذلك وأضافت :

_سوف أكون جثة هامدة خير لي من ان تتمتع بي أنت، او زوجي النتن القابع هناك بانتظار ما سآتيه به من المال، حتى ولو كان ذلك على حساب عفافي.

قالت ذلك وألقت بنفسها في النهر الكبير، الذي امسك بها بحرص،لأنها نقية مثله، وراح يتدحرج بها جميلة فوق الأمواج.

 

.......................

*طريقة للمناداة بالتصغير يستخدمها سكان الأرياف.

**هي ملابس يرتديها الرجال في الريف.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1781 الثلاثاء 07/ 06 /2011)

 

 

في نصوص اليوم