تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

نصوص أدبية

لو نظرت إلى وراء يا والدي / فاطمة الزهراء بولعراس

أخذت كل زادي وكل يقيني.

آه يا والدي

لك وحدك حديث قلبي والوجدان، ولك عصارة روحي التي بذرت ترابها و أسقيتها ماء الحياة الصافي.... من مهجتك المتأججة بإكسيرها....

حبيبي يا والدي

لا أعرف أعمق من سويداء القلب تتربع على عرشه....... ولا أغلى من العين يحتضنك بؤبؤها......

رحلت بيقيني....يوم رحلت وتركتني بلا يقين...كل الظلال بعدك تكشفت لي عن حرها اللاهب، فضاعفت آلامي وحرقتي......ما اعتقدته حَرّا عندك كان ظلا من ظلال الله في الأرض....رعشة الروح وحشرتها تتلهف لنظرات الحنان في عينيك يا حبيبي يا والدي...ظمأ السير في الفلوات المقفرة والعيون التي تحجرت فيها النظرات القاسية،أفقدني بصيص أمل في وجود نقطة ماء فيها.....

ترى هل نسيتك أبي؟؟

عشر سنوات مرت والقلب يذوي في فضاء الشوق واللهيب لحظة لحظة....قلبي الذي أصبح قفرا....وروحي لا أنيس لها وأنت هناك تأنس بما وراء العقل والإدراك......ذات يوم طوت فيه السنة صفحتها الأخيرة وهمت بالرحيل،رافقتها تاركا في صفحتي كل الأسى......ذات قدر قاس ودعت ليلة رأس السنة ببسمة ودعاء لا تلوي على بقاء....ذات فجيعة غادرت بسلام لا تنظر إلى وراء.......

يا والدي

لو نظرت إلى وراء قليلا، لرأيت الفؤاد يتدفق ويسيل على جبينك البارد،ذات شتاء مثلج وليس له نظير....

يا والدي...

لو نظرت إلى وراء لرأيت شفاهي تندلق على يدك التي أعطبها الدهر*،

فصارت أصدق رمز للأبوة والعطاء.....لو التفت إلى وراء لرأيت روحي مسجاة أمام جثمانك...تلتصق به ولا تغادره إلا لفراغ الفراغ

يا بابا أيها الحبيب الأول والأخير

.ضمة شفتي على لفظك العذب الحبيب...أول قبلة و....آخرها

في صقيع الصقيع تركتني ينخرني برد الموت ورجفة الرحيل بلا وداع

في صقيع الصقيع ارتعشت أوصالي...وجمعت بقاياها لتنتحر فوق جبينك البارد يوم الوداع...

في برد البرد وظلمة الظلمة كشر الحزن عن أنيابه في وجهي، وأخرج مخالبه، يفترسني ،ويلتهم ما بقي من أيامي.....

يا والدي.....

بعد فجيعة الغياب كلما مرت لحظة، زادت في عمر أحزاني دهرا،وكلما دار يوم حفر في أعماقي قبرا.....حنيني إليك يقهرني .....يحصرني...يرميني.....في وهاد الأسى واليأس.......

هل نسيتك أبي؟

اسأل خافقي يجبك عن سواد الأيام والليالي التي دارت بعدد دقاته...واسأل شهقاتي التي تحشرج اسمك صبح مساء...اسأل آهاتي التي أحرقتْ مهجتي في حرّها......واسأل صمت الصمت وحسيسه القاتل....واسأل الكلام والهمس..... والزفرة والنظرة..... والصّبر وصبر الصبر....اسأل سهادي والأرق المبلل بالدموع، والعيون التي من فجيعتها لا تنام.......

يا والدي...مال بي العمر إلى وراء..حيث وجهك يسنو نورا يدلني على أشجر الفرح وأهلة العيد.....حيث بسمتك المضيئة تضئ قناديلي وتهزم عتمتي اللا متناهية

حبيبي يا والدي.....

وجد الشعر لينشد في حضرة جلالك....والقوافي حُلِى لا تنضد إلا وساما على صدرك الكريم يا من استحى الجود من كرمه.......والأغاني ترفع تاجا فوق رأسك الشامخ بالعطاء....

فهل نسيتك يا والدي...؟

قد تهزمني الأحزان وتمتص مني الخلايا ورحيق الحياة...قد تستنزفني ذكراك قطرة ...قطرة... ترمي بها بإهمال فوق تربة جافة وقاسية لكن لن يستطيع أي كان ولا أى شئ..أن ينزع صورتك البهية من قلبي...ولا جبينك الوضئ من جفوني.....وعندما يشرق الموت بآخر أنفاسي في غرغرته الأخيرة سيكون اسمك آخر ما تسمعه الحياة من شفتي وستفتر بعدها عن ابتسامة الرضى ...لأني أكون بعدها قد انتقلت إلى عالم

الطمأنينة ....حيث أنت هناك يا أبي.....

توضيح/ إشارة إلى يد والدي اليمنى التي أصيبت في حادث

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2012 الاربعاء 25 / 01 / 2012)

 

 

في نصوص اليوم