تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

نصوص أدبية

مُطلق / مسلم السرداح

كنا نسند خطوط الجبهة الحربية، والتي نعتبر ظهيرا لها وجزءا منها. ايّ اسناد مدمّركان اسنادنا ؟ الويل، كل الويل ان دخلنا المعركة. نقتل بصواريخنا الجبارة، حتى جيشنا المشتبك مع جيش العدو.!! وبقايا المدنيين الذين لم يغادروا ارضهم بعد.

حتى تسواهن، الشهيدة، قتلت بصواريخ لونا..... وكان ذلك اثناء معارك العزير الدموية، وقراها المتناثرة. كما قيل لي.

 اثناء معركة، نهر جاسم، الشهيرة، حدثت القصة التالية:

هوتف آمِرُ وحدتنا العسكرية، إن غازَ الأعصاب المهلك، قد الُقي فوق الأرض الحرام، واُمِرنا الإسراع في لبس الأقنعة الواقية من العوامل الكيمياوية السامة. وشاءت الصدفة ان اكون واحدا، ضمن مجموعة صغيرة، من نفرٍ من الأشخاص، ممن لم يتم تجهيزنا بها، ولم نهتم نحن لذلك، طيلة الفترة السابقة. بل وكنا نتهرب، للتخلص من مسؤولية التجهيز، وما يسمى، الذمة العسكرية، ولم يهتم لأمرنا احدٌ.

 تمادى بعضُ لابسي الأقنعة من اخوتنا بالهزء بنا والضحك على ذقوننا بنكات سمجة، في غير أوانها، تظهر استهزاء القوي المتغطرس بزلل الضعيف الحائر. ومعللين ذلك انه قد حدث بسبب إهمالنا وغبائنا. ولقد ندمنا على ذلك حقا. اضافة الى ما وجّه من كلام جارح وتأنيب لنا.

عندها وبسرعة، قررنا العدْوَ بعيدا عن موقع الحرب، جاعلين الريح خلف ظهورنا، بغض النظر عما في الطريق غير السالك، من اذى، وما يكمن امامنا من فرق للاعدام قد تتربص بنا ونحن في مغبة هروبنا من موت مؤكد.

طاردتنا الريح الملوثة بالعوامل الكيمياوية السامة، دون ان تتمكن منا، بسبب سرعتنا الفلكية، التي هي سرعة الهارب من قدره.

حين انتهت الضربة الكيمياوية عدنا بعد سويعاتٍ لنجد، انّ جميع من بقي من اخوتنا متكئا على قناعه قد مات، بسبب القدم، والخزن السيء، للاقنعة الواقية. اللتين تمت الاستهانة بهما، ومن ضمنهم، طبعا، ويا للاسف، اخوتنا، ممن استهزأ بنا.

 

مراهقة 

منذ ايام مراهقته الأولى، في قريته، اكتشف مالم يعرفه، من قبل، اثناء طفولته باكملها. ان الانسان َجزيرةٌ مجهولةٌ. وان في الجانب الآخر، البعيد، الاكثر غموضا، من تلك الجزيرة، يكمن عالمٌ مدهشٌ بجماله وتصميمه، وغرائبيته، لا يمكنه إطالته، اسمه المرأة.

 كانت نساءُ القرية يتجمعن عصرا لقتل الوقت. حيث تجلس كل مجموعة متجاورة منهن، قرب احد أبواب بيوتهن، في نفس الدرب (الزقاق) يتسامرن متكئات بظهورهن على جانبي الدرب المتلوي، الضيق الذي يفصل البيوت المتراصة عن بعضها. وكان وهو المراهق يخاف، حذرا وخجلا، أن يمر بين تجمع من النسوة لأنه كان يعتقد، وهو المراهق، إنهن سوف يجردن أشياءَه كلها، خيرَه وشرَّه، وسوف يظهرنه كما يشاء سونارهن الدقيق عنه. وكان يعتقد النساء كائنات انبثقت من خلف الأسوار القابعة في نصف ثان بارد من العالم.

 وكانت أمّه وهي الجزء الأحلى والأكثر روعة من بين النساء، والتي تخلو من العيوب كلها، برأي ابنها، قد قالت له من باب الحرص والاحتياط، ان من الحكمة لك أن تسير قرب الحائط، خلف ظهر النساء - أي بين النساء والحائط - وان لا تمر بوسطهن، لئلا تصاب بالأذى لان من يسير وسط النساء يتعرض إلى الم الظهر القاتل. ولم يعرف السرَّ في ذلك لكنه وضَعَه ضمن قائمة عقائد الفلكلور الغامضة. معتبرا ذلك خارج الإدراك العلمي.

ترى هل جربت امي ذلك في ابي ؟

 

إقطاعي

الابن الصغير للإقطاعي مالك الأرض، يغازل فتاةً جميلةً جدا. ولكنها ابنةٌ لفلاح فقير الحال، يقول لها:

- إنني احبك. وهو يركض خلفها لإقناعها بحبه وقبول الزواج منه. وتروح هي تتغنج، كعادة الفتيات الرصينات. حتى شاع ذلك الخبر بين الناس، الذين راوه امرا عاديا، ولم يستهجنوه كثيرا.

عند ذلك انبرى له شقيقه الأكبر، حين سمع الخبر. قال له مع صفعة بيده اليمنى على خده الأيسر:

- لماذا تغازل الفتاة التي بإمكانك أن تلهو بها دون أن تخضع لها بالغزل. فهي وأهلها من أملاكنا....ألا تعلم ؟

 

عجيب امور

الإقطاع ثم الرأسمالية الصغيرة الحرفية والبضاعية، ثم رأسمالية الدولة. هكذا مرت المراحل التاريخية للطبقات في بلادنا في قرنه العشرين.

يتباهى الإقطاعي بأطيانه وممتلكاته، ويتباهى البرجوازي بأمواله وعقاراته. وهما - الإقطاعي والبرجوازي - ينظران للناس من منظار فوقي كسيدين لا يطالهما احدٌ وان أملاكهما مقدسة، وإنهما يستطيعان اطالة أيِّ شيء بما فيه الإنسان لان القانون، الذي أسساه، بحكم الامر الواقع، يحميهما.

لكن، الموظف الكبير رغم انه يمتلك الكثير من المال بما يفوق هذين الاثنين فلا يتباهى بماله بل، ويدعي الفقر، خوف اتهامه بالفساد والسرقة، الغير المشروعة.

والحقيقة التي لا جدال فيها ان الثلاثة هم ثلاثُ صورٍ تاريخية مقدّسة للحرامية. ولكن الأخلاق الإقطاعية والبرجوازية، رسّخها الأولان بحكم القدم الزمني. وقد تترسخ السرقة للثالث قانونيا، بعد عقدٍ من الفساد الحازم.

فهي بلادنا، ولا يستغرب فيها الغريبُ من الأمور.

 

مسلم السرداح

بصرةُ العراق

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2023الثلاثاء 07 / 02 / 2012)

في نصوص اليوم