نصوص أدبية

حكاية ايام زمان / مسلم السرداح

سافر جارنا الى السعودية لاداء فريضة الحج . وكان السفر في تلك الايام يستغرق اشهرا لبدائية المواصلات والطرق . ولما لم يكن لدى جارنا ولد واحد و زوجته المتوفية، ولان لديه تسع بنات وهو  قريبي فقد استودعني امانة ثقيلة، بناته التسعة وطلب مني الاهتمام ببيته وعائلته، طيلة فترة غيابه عن البيت . واردف :

-    لذلك ومن منطلق الحرص والاخلاق كنت انام بين التسع  البنات  وكاني الشقيقة العاشرة لهن . وراح يكركر بصوت عال اذ قال كلمته الاخيرة وكركر معه جليساه . واضاف قائلا :

-    وحين عاد قريبي سال بناته عني واخلاقي كل واحدة على حدة فكان جوابهن واحدا هو الاشادة باخلاقي لذلك زوجني باحدى بناته التي هي ام شلّال زوجتي الحالية، التي تعرفونها، دون ان يطلب مني فلسا واحدا . بل وجهزني من ماله الخاص، لانه رجل ميسور ويريد الستر . اما انا فقد رضيت بما اختاره لي ولم احدد واحدة لان الجميع سواء بالنسبة لي .

وقال الثاني :

-    كنا في الصيف، في الازمان الفائتة ننام على سطوح بيوتنا . وكانت البيوت متلاصقة مع بعضها تبدا من بداية القرية عند النهر الكبير وتنتهي بنهايتها الا اذا فصلها زقاق عابر . ولايفصل بين الدور الا ستارة من الطين او الطابوق او الصفيح . واضاف :

-    كنا خمسة اخوة اولاد اشقاء وبنتان تزوجتا وذهبتا الى بيتي زوجيهما . اما هو جارنا فلديه خمس بنات ولا ولد واحد وكلهن شابات بعمر الزواج . وبين سطحينا ستارة من الطابوق تابعة لنا تهدمت اثناء ترميم اجراه جارنا في بيته  ذاك ولم يقدم على بنائها بعد ذلك  . بل وانه استاذن والدي استخدام طابوقها لحين توسعة الحال الذي لم يتسع . وبقيت دارانا بلا ستارة تفصل بينهما ولك ان تتخيل الحالة . خمس  زهرات متهيئات للقطف لايفصلهن عن خمسة اولاد شباب سوى اشبار . واردف :

-          لم يفكر الرجل حتى ببناء الستارة لانه وجد ان لاشيء يستدعي بناءها .

وقال الثالث :

 

-    كنا نحن ابناء محلة واحدة وكانت القرية التي نسكنها تقع فوق فم النهر الذي يتفرع من شط العرب وتمتد بيوتنا فوق حافته مباشرة . وكان الماء في تلك الايام غزيرا ونظيفا يمكنك شربه دون تعقيم،  حتى انه حين يحاول احد ان يلقي فضلاته في النهر يقف جميع رجال القرية أندادا له مسخرين الدين ورجال الدين للعنته . وكانت كل تلك الظروف اكثر من ملائِمة للاغراء بالسباحة في النهر الذي كنا ننزل فيه صبيانا وبناتا، صغارا وكبارا والغوص فيه بديلا عن وسائل التبريد والتكييف التي لم تكن قد توفرت انذاك . وما كان من احد ينظر للاخر او يضايقه بنظره ولا لاحد شان باحد . وكنا نتصرف مع البنات كاخوات لنا .

-    ولم تحدث ولو نظرة عابرة من فوق الماء او تحته . بالعكس من هذا الزمن الذي يعتبرون البنت صيدا ثمينا يقع في ايديهم . بل ويتهمونا بالغباء لاننا لم نكن نفعلها .

وقبل ان يفترق الشيوخ  الثلاثة راحوا يترحمون  طويلا على زمان وايام زمان وعلى اخلاقهم التي لايوجد مثلها ابدا .

نهض الثلاثة من فوق العشب الاخضر الذي كانوا يجلسون عليه، كما في عصر كل يوم ونفضوا بقايا الزرع اليابس والتراب عن ثيابهم . كان ذلك قبل صلاة المغرب بقليل، حين ذهب كل واحد من الكهول الثلاثة الى بيته بعد ان ادّى كل واحد منهم  الصلاة في مسجد القرية القريب من بيوت الجميع . وكان كل واحد من الثلاثة يتذكر حكايتي رفيقيه ويبتسم مع نفسه احيانا وهو يمر بخياله على القرية ووقوعها على النهر والسباحة وقت مابعد الظهيرة وسطوح الدور المشتركة المتلاصقة وحكاية عم ابوشلال وامانته .

ثم استذكر الرجال الثلاثة الحكايات الطريفة كل واحد لرفيقيه امام ابنائه وبناته . فاعجب الجميع بالحكايا وبايام زمان واخلاقه العالية .

في الليل نام الرجل الاول مع زوجته وراح يستذكر معها الايام الخوالي وليعبر لها عن حبه قال :

-    اتذكرين كيف كنت انام بينكن انتن البنات التسعة ولم يدر بخلدي وخاطري الا الزواج منك انت مع علمي بانكن كنتن جميلات لحد  اني كلما مددت يدي لم تصطدم الا بمؤخرة طرية او نهد رخص . وكنت اقضي الليل اقارن بينكن جميعا من حيث الجمال فلم يقع اعجابي الا عليك انت وحدك .

وقال السباح وهو يحدث زوجته :

-    كم كنت اعجب بك حين اراك تسبحين معي ايام زمان حيث تلتصق ثيابك المبللة فارى طائرين مبللين ابيضين . وكنت انظر لكل البنات فارى لقالقا  مهاجرة . اه كم عبثت معهن . لكنك  مع ذلك كنتِ حظي .

وقال الثالث صاحب الستارة لزوجته بعد ان سالته :

-          هل لازلت تذكر جارتكم المطلقة فلانة ؟

-          نعم اتذكرها . كيف خطرت على بالكِ الان ؟ .

-          انتَ بحكايتك مع رفيقيك .

-          استغفر الله من ذنبها . ما حكايتها  ؟

-    يقال انها حملت سفاحا . وارادت ان تحافظ على حملها . ولان هذا عمل صعب . فقد ادعت سفرا الى بيت خالتها البعيدة . وحين حاصرها المخاض اتفقت مع صديقة لها متزوجة على تبادل الادوار وفي ليلة الولادة دخلت صديقة المراة المستشفى بعد ان ملات ثيابها الداخلية قطنا وبالاتفاق مع الممرضة المسؤولة تمت عملية الاستبدال لقاء رشوة .

-          هل تعلمين ان علاقتي مع تلك المراة قديمة جدا . وهي عجوز الان .

-          الم تقض معها وقتا ما ؟ سالته بخبث .

-    كانت جارتنا شائعة للجميع . ولولا انتقالهم الى سكن بعيد، لحدثت مشكل كثيرة . والمهم ان ذلك قد حدث في قديم الزمان، وايام زمان .

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2060 الخميس 15 / 03 / 2012)

في نصوص اليوم