تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

نصوص أدبية

دَع الشّمسَ تأتيك / محمد الهجابي

لا تدعْها تغزلُ شَعْرَ الحكاية بنبالها الذّهب.

دع الشّعرَ سبطاً،

حُراً،

يرتجّ كما لسان النار،

إذا ما استفحلَ الحريق.

دع اليدَ تمتدّ شلواً،

منك إلى أبعدِ مساحات العمر،

ثمّ منها ترتدّ إليك

من غير عتَبات.

لا تدع عتَباتك توقّعُ على جسدِ المتن

ما يماثلُها في مجرى البصر،

دع البصرَ يمتشقُ ما في القاع،

غير حسيرٍ.

دع الغوايةَ تعودُ من شطوطِها مثقلةً بالأهواءِ،

إذا ما البصرُ حطّ على شفا جُرفِ الحكاية.

قليلٌ منَ السذاجَةِ يَكفيك،

وكثيرٌ من أسرار الحرفة

قد يفري خيوطَ الحبكة،

ويضعُها على مقاس شخوصٍ مقدّرة،

وللأنامل الهسيسُ.

دع أناملك تُسأْسئُ بدابةِ السّرد،

وتفردُ بيْنَ الأسطر ظلالك.

دعْها تمجدُ التواترَ،

وتجسرُ المعابرَ،

وتقطّبُ فواصلَ الكلمات،

كي تستوي على حالٍ غيْر مُنتظر.

دعْها تفتحُ كتابَ الجرح بلا آخر،

لتندفعَ منه فلولُ الحروف زرافات،

ثمّ تنصرف حيثُ تهشّ بريح صرصر

على قطَع العساكر الصافنة،

حتّى تنهارَ على سعةِ الرّقعة،

الواحدة في عقبِ الأخرى،

وحتّى يبقى الملكُ عارياً يقصّ الأثرَ بلا جدوى،

حدّ أن يضيّعَ عنوانَ مِشْيَتهِ،

كيف كان،

وكيف يكون.

دع الأميرةَ تمضي مع العاشق الهَبل،

تراقصُ أصنافَ العُبّار،

تكسّر متكأَ الإعجاز بالغنج،

تخبئُ سكونَ الليل الطافح بيْن دفّتيْن،

تتَجنّبُ عسسَ أبراج الفصول.

دع الهَبلَ العاشقَ يرسمُ علامات التشوير،

كيفما صادفَ،

ويختمُ بأكبرِ الحَماقات.

دع المُزْنَ يهمرُ في الدواخل مدراراً،

ثمّ يجرفُ نحوَ الفيْض البرّاني اللاّحب

أنصابَ الأشياء،

وأقانيمَ الكلمات.

دع النطفةَ تنخصبُ في سديم الرحم،

بالتّطهيم،

والتّخليص،

والتّنقيع،

والتّذكية،

والتّشوية،

والتّقطير،

وتأتيها موجاتُ السيول

دفاقاً،

تباعاً،

تخرقُ بها غشاءَ المَشيمَة

بأنكرِ الأصوات.

دع الأصواتَ تبسطُ الأجنحةَ في المحيط،

وتقفزُ في الفراغ إلى ذروةِ المطلق،

كما الغيابُ الفادحُ،

كما آخرُ الطلقات.

دع الشمسَ في تَمامِ البُهرة تأفلُ،

قريباً منَ السّمع،

بعيداً عن النّطقِ،

بحذاءِ البصر،

عند مفترق حواس الشمّ.

دعْها تأتيك

وقتَ الحنينِ إلى السفر.

دع الشمسَ معلّقةً،

لا تفضي إلى منحى صائب،

وتغيبُ بمقدارٍ معلوم،

وتحضرُ بِجِد.

دع السيمورغ

يحملُ وزرَ الحكايةِ،

عبرَ السّربِ المُشتهى،

عنك،

منك،

فيك،

إلى كوْكبِ الكواكِب،

إلى الأبيضِ اللاّيُحد.

                                    

 

فجوُ القوْسِ

 

(1)

تهفو الرّيح إلى غصنٍ،

وأهفو أنا إلى ورقة،

قد تسقطُ منْ فرطِ الانتشاء،

فأمسكُ بها في الهواء،

قبل أن تدهسَها قدمٌ،

ثمّ أصنعُ بها مركباً،

وأقذفُ به إلى مجرى الماء،

وأديرُ دفّته بالعيْن،

فيما أنا أجاريه منْ على الضفة،

وأهشّ عليه باليديْن

حتّى لا يغيّر المسار،

أو يفقدَ التوازن،

أو يخذلني عند أوّل عثرة،

فينقلب،

أو يعود القهقرى

قبل أن يبلغَ المرفأ الأخير،

ويرسو بأمان.

 

(2)

في خلواتي  المتواترة،

تأخذُني مراياي إلى مرابعِ الصّبا،

ولا تأخذني إلى الهُنا.

لا تنزعُ منّي غيرَ أصداءَ رؤى

تظلّ تنأى عنِ الهُناك.

وكالقصبة تصدحُ بنداء

يأتيها منْ تجويفٍ ثخين،

يعبره منذ الأزل،

ومنه تستنفجُ أطيافَ الزّمن البدئي،

لعلّها تفضي ببوح،

أو تجودُ بالاندماج بيْن المهجتين،

كما في الأصل،

وقبلَ الانشراخ الهائل.

لمراياي وجوهٌ

تداولَها الوقتُ منْ عمري بنهمٍ زائدٍ،

وللصّبا ما طاب منْ انزياحات الرخص.

لا تستقيمُ وجوهي

إذا ما تعاكستِ المرايا

أو تحدّبت

عندَ مفترق الإقامات.

فقط، يتسعُ لها المدى

متى تجادلَ الشّيء وضدّه.

تماماً، كما الهُنا

إذ يحتدمُ الحريقُ في الكيان،

وكما الهُناك،

يومَ راقصَ طائرُ الحسون

طفاوةَ أحلام.

 

(3)

نفجُ الحقيبةِ لا يهنأُ له كرسي،

الدوّارُ، والثّابتُ، والهزّازُ،

لا فرق.

لا يهنأ،

إلى هذه الدرجة!

يأبى الكرسي أن ينصاعَ للرّغبة المسعورة،

أيّ محنةٍ هذه!

وهذا الصدّ له مكرُ الغواية.

وله عنوانٌ متوارثٌ،

كالخطيئة،

منَ السُّدّة البعيدة إلى السُّدّة القريبة.

وله رهبةُ الليلة الأولى

منْ كلّ فتحٍ،

إذا ما انفجى القوسُ بيْن السّياط والعرش.

وله قعدةُ البداية،

تتلوها قعدات،

وها نفجُ الحقيبة يقيمُ المأدبة منْ سبك عرق الساهدين،

ويصدحُ بنشيدِ فتحِ الفتوحِ.

والعادةُ آفةٌ،

وقماطٌ،

وحبلٌ سرّي،

وقارورةُ رضاع،

وثمنٌ،

ودمٌ،

وخطوبٌ.

بيْن كرسي وآخر لا يهنأُ نفجُ الحقيبة،

وله الغابةُ يستلطفُ لوحَها،

والظلاّلُ، بها يسدّ قنواتِ الهواء،

لا يستطيبُ المصافنة،

ولا المزاحمة،

وحدهُ، ولا يغادرُ درعَ الصولةِ،

لأنّه لا يحفلُ بالبياض.

وكما الخفافيش يعتاشُ منَ الزوائد،

وفي عينيه غيابٌ فادح،

وتعبٌ يغطّي عليه بنظرٍ شريد،

هو نفجُ الحقيبة هذا،

يستعذبُ وحيداً سرّهُ.

 

خاص بالمثقف

.................................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (عدد خاص لمناسبة يوم الشعر العالمي اعتبارا من 24 / 9 / 2012) 

في نصوص اليوم