تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

نصوص أدبية

قصائد عبرية رافضة للاحتلال (2) / فاروق مواسي

 

دافيد أدلر

ولد في القدس سنة 1945، وهو خريج التخنيون في موضوع الألكترونيكا، وحصل على الماجستير والدكتوراة في علوم الطب من الجامعة العبرية. ثم واصل بحوثه ليكون في مجال متقدم في العلوم الطبية، وله صولات وجولات في هذه الميادين العلمية.

نظم الشعر منذ سنين، لكنه بدأ بالنشر في الآونة الأخيرة، فنشر ديوان "مُخَطّـط لصورة غير مكتملة" – بالعبرية (2012)، وذلك بعد أن فاز بجائزة "الشعر الجديد" سنة 2010، والقصيدتان وردتا في هذا الديوان (الأولى ص 114، والثانية ص 108)

 

1-    المدافع هي أخلاقية

في أعقاب نشر نتائج جزئية حول سلوك الجيش الإسرائيلي في الحرب على غزة في حملة "الرصاص المصبوب" التي وقعت في نهاية سنة 2008، وقد نشر التقرير أو التحقيق يوم 22/4/2009.

قادة الجيش صادقون

التحقيقات

تدل

على أن المدافع

لم تقصد

أن تقتل أبرياء.

لمن لا يعرف-

فهم أخلاقيون جدًا.

هناك من يقول

أعني: مختصون في الإحصاء

وهم بالصدفة أو بغيرها

مختصون أيضًا في علم القذائف

إن المدافع هي الأسمى أخلاقًا في عالم

الأسلحة.

لكن ما العمل

فهذه الحقيقة

يرفض فهمها

أولئك الذين هم في نقطة الإحداثيات

أو بضع مئات من الأمتار حولها

فلهم هذا يبدو

لسبب ما

من زاوية معكوسة.

هذي طريق العالم

منذ فجر الحروب.

كذلك الأطفال الأميون(1)

من غزة لم يتعلموا هذي

(بدلاً من أن يتعلموا

كانوا ينبشون في القمامة

كما عرض التلفزيون) !!!

وعندما يستطيعون أن يعرفوا

في أعقاب التحقيق

يكون ذلك متأخرًا قليلاً

كالعادة.

 

هم قالوا (طبعًا بالعربية)

لحظة من قبل:

"الله أكبر"

هم ويا لأسفهم لم يعرفوا

أن هذا الإحصاء

هو الذي يقرر كل شيء.

 

2-   في جوانب حي جيلو(2)

في جوانب حي جيلو

المخَـلِّصون الجدد

المخَـلّصون للوطن

جرافات ضخمة

تتقصى فقط ما هو أمامها

مترًا ثم مترًا

تطْـلق غضبها(3)

تولجه قويًا في الأرض

أو لعلها هي ذراعهم القوية

مثل سيكلوب(4)،

يقلعون شجر الزيتون

المتشبث عبثًا في الأرض.

 

في جوانب حي جيلو

عندما تكون نظرتهم جنوبًا

فإنهم لا يشاهدون بيت جالا

وكنائس بيت لحم، لا ولا شجر الزيتون والمدرجات

كأنها معدومة، حتى ليست ظاهرة.

 

يُجْرون ترتيبًا جديدًا

 

ترتيبًا جديدًا بالتمام

منذ أيام حكم القضاة

 

الوعر أصبح سهلاً

فرحة مقاول

أشغال حفريات

قلبه اتسع

قلبه مسفوع وشعراني الصدر(5)

جيبه تعمق وتمزق

إلى حد أنه أثقل عليه.

 

أرض مفتتة في اللون البني

فيها ندوب صخور فيها خرْز عتيق(6)

في أحمر أصفر أسود أبيض

وكل ما بينها كان رمادًا

موثوقًا

بالرمادي

الأكثر رماديًا

رماد السهل.

 

المسّاحون ضبطوا القياس:

السكك الملونة بالأحمر

حددت حدود التقطيعة

بضبط الديسمتر.

عندما يصِلون هناك وتكون نظرتهم جنوبًا

فإنهم لا يشاهدون بيت جالا

وكنائس بيت لحم، لا ولا شجر الزيتون والمدرجات

كأنها غير قائمة، ربما هي ظاهرة.

 

في الأسوار لم تكن أية ضرورة

في طرف السهل الجديد

الموثوق بالأبيض أو الرمادي

حسب ساعات النور

منحدر جديد، شديد الانحدار

أنشئ  وجودًا من عدم

متراس ضخم

خُرْدة حجارة حديد وخشب

جنزير الجرافة

مثل منصة جديدة

مثل سور لا يجتازه أحد

غطت أشجار الزيتون العريقة

بعض منها مقلوع

يضطجع على جنبه

بعضها الآخر يحتضر

وهي واقفة منتصبة، عنيدة

عناد مَن ظل أجيالاً

ربما من العهد القديم

وليس له ما يخسره

سوى كرامته.

 

اشجار زيتون أخرى

بعيدة

سدت وجه الصخور

العظيمة

التي من عظمة ثقلها

هوت إلى الأسفل أكثر

في المنحدر الأشد انحدارًا

يدوسون في طريقهم عددًا من أشجار زيتون

لكنهم يقفون في معركة كبح يائس للسيارة

بسبب أشجار جريئة وقوية

من التي لم تهوِ ولكنها ظلت معاقة.

 

أشجار الزيتون في حكمتها القديمة

لا تنتظر في مجلسها لقرار الرسل(7)

هي لا تنحني

هي تعرف يقينًا

من هم أصحاب هذي الأرض الحقيقيون

حتى هذا الموعد

ومن هم أعداؤها المتبدلون.

 

.......................

ملاحظات توضيحية:

1- يكتب الشاعر بسخرية (إيرونيا)، فهؤلاء أطفال غزة الذين يتحدث عنهم هم الذين تسقط عليهم القذيفة، والأمر انتهى مع نهايتهم، وهو يسخر من هذا الإحصاء الذي يقرر كل شيء، فهو "الكبير" بغطرسته الذي يقرر موتهم، وهذه مقابلة لقولهم قبيل الموت: "الله أكبر!". وقبل ذلك أظهرهم التلفزيون أميين يعيشون في فقر، وكأنه حريص على تعليمهم وسعادة عيشهم.

2- حي من أحياء القدس الجنوبية، وقد بني بعد حرب 1967، وجدير أن أذكر أن الاسم (جيلو) فيه جناس مع معنى السطر الثاني والثالث (المخَـلِّصون أو الـمـنـقذون) فهي بالعبرية (جوأليم) بنفس لفظ الكلمة، وبالطبع فهو يسخر من هذا الإنقاذ.

أما الاسم جيلو فهو - كما يقولون- إن أصله من التوراة، وأصل المعنى (جيلا= الفرح)، وقد وردت في سفر إشعيا الإصحاح 55/18 ، ويعتقد الذين أطلقوا الاسم أن جيلو هي مكان جيلا القديمة التي عرفوا مكانها  بفضل جبل جيلا القائم جوارها.

3- يستخدم الشاعر مصطلحًا توراتيًا يدل على غضب الرب.

4- سيكلوب حسب الأسطورة اليونانية له عين واحدة، ويعمد إلى قوته أكثر من عقله، فالعمى أصاب هؤلاء الذين يقتلعون الزيتون. وقد ورد في الأوديسة أن أوديسيوس ورجاله  يقعون في أسر بوليفميوس ابن بوسيدون، وهو عملاق بعين واحدة يطلق عليه اسم سيكلوب.

5- يصف المقاول الذي أثرى جدًا، وهو يظهر كثير شعر الصدر، ويبدو أنه أخذ هذه الصفة من صورة عيساو في التوراة، أو من الرأي الشائع أن الرجل كثير شعر الصدر عادة يكون رجلاً قويًا وقاسيًا.

6- نوع من الفطريات على الصخور وتكون ملونة بسبب قدمها.

7- كأن للأشجار مجلسًا، ويبدو أن الرسل فيها إيحاء للعهد الجديد، والرسل وقرار الخلاص ليسوا بالانتظار.

 

* ألموج بيهار:

ولد في نتانيا، ويعيش اليوم في القدس. شاعر وكاتب، حصلت قصته "أنا من اليهود" على جائزة القصة القصيرة سنة 2005، وقد ترجمها محمد عبود، ونشرها في مجلة الهلال المصرية: له أربعة كتب، أولها ديوان عطش آبار (بالعبرية- 2008)، وفي هذه السنة نفسها أصدر مجموعته القصصية "أنا من اليهود"، وقد تبع هذين الإصدارين ديوان شعر آخر ورواية.

 

1- هذي القرى الخالية

القرى الوادعة هذي، وقد كانت عمياء لنظرتنا العمياء عشرات السنين

بقيت مكنونة عن العين العبرية، حيث تعلمتْ  هذي العين أن تلعب

بتبديل الأسماء وحرصت على ترقيق ثقل العين والحاء الشرقيتين.

والقرى في سكونها حافظت على جدران بيوت  بقيت صامدة

منفردة مثل شواهد بعد أن تلاشى صدى التفجيرات، دافعت عن حجارة انتثرت

بين عشب نما بريًا، ورددتْ في قلبها المهجور منذ جيل أسماءها الممحوة.

كما في الطريق الصاعد غربي القدس: بيوت لفتا ما زالت تنصبّ في المنحدر الجبلي،

وليس هناك راع ليدخلها، فهي نصف مهدمة، نصف مهجورة، تتصدى لرياح

التغييرات  المصنوعة من صًـلْب وللأسماء المستجدة.

لفتا مأهولة فقط بأشباح الموتى، وبالتائبين والمرنّمين من أبناء برسلاف(1) القادمين

ليتطهروا بماء العين، وكذلك بالمغمضين أعينهم عقب أسئلة الفتيات العابرة، وهم يقفوت أزواجًا

حيث حبهم يحوجهم بشدة إلى سقف وجدران،

ولفتا تتناثر فيها إبر المخدرات المرمية.

في منتصف النهار، بين هذه البيوت الملأى بالنُّفايات الجديدة جدًا التي يخلفها ضيوف

يتغيرون. ضيوف لم يدعهم أحد، أخذ حلم يقظة يجتاح رأسي، وأنا أتذكر نبوءة س. يزهار(2)،

التي كانت كُتبت في أيام الحرب تلك، الطويلة، القاسية، الحبلى بالقدر:

لن تستطيع هذه البيوت الخالية -إلى الأبد- أن تستمرعلى صمتها،

سيأتي يوم فيه ترفع أصواتها بصدى صراخات قديمة، والجدران تذكّـر بماضيها

وهي ترويها لسكانها الجدد، وهي تتحدث بلغة سكانها القدامى،

الذين خلّـفوا وراءهم سريرًا غطاؤه دافئ، والقهوة قبيل الغلي، وكتاب أدعيات

ما زال ينتظر أن يكون مقروءًا في ذلك الدعاء نفسه.

الهيكل الثالث -الأخير- سيهبط من السماء في أحد الأيام، وكله من صنيع الله.(3)

وكذلك القرية، القرى الكثيرة هبطت من سماء الله مع سكانها الذين شاخوا كثيرًا،

وبذا تتم نهاية شتاتهم الطويل على الأرض، بين مخيمات  اللاجئين الفلسطينيين

ذوي الذكريات المغتاظة. وفي لحظة عودة الأصوات القديمة:

ثمة نداء الاستيقاظ للصلاة ونداء الأمهات، أصوات الغناء في الحب والأعراس،

وأصوات القصاصين الكهول ذوي الشوارب الكـثـّة، وبسماتهم المتسعة

وهم يصفون خلال ألف ليلة ويوم كيف خلت البيوت وكيف عادت لتكون عامرة.

في أثناء ذلك آباء كثيرون -مثل الله الواحد أيامذاك- يأخذون أبناءهم

(كما حدث مع موسى نبي بني إسرائيل قبيل وفاته)، حيث يُـرونهم البلاد الموعودة المزروعة بالقرى الخالية، وذلك من جبال نبو الشامخة الكثيرة التي تعلو حولها.

 

2-  إلى مروان مخول، قصيدة وداد

"مخيم النَّـيْـرَب- مكان فيه انتبهت إلى أنني  منه أنني أكتب عن قضيتي، وليس منها" مروان مخول في قصيدته "مخيم النيرب(4) تقريبًا 29/1/2007

وماذا نعرف عن الحياة. عشرين وبضعَ سنين

نحن محتارون بين نشرات الأخبار

وبين حركات الغيوم في السماء، نتحرك بين

صمم العيون وبين بكم القلب. سافرتَ

ووجدتَ لك منفذًا تمر منه، عن طريق كف يد شيخ

لتدخل إلى مخيم اللاجئين- النيرب.

ربما بعد أن يموت الشيخ نمسك نحن بمطرقة

وندق بدلاً منه في مساميره التي صدئت

حتى نثبّت سلمه الخالد على كتف السماوات.(5)

ربما نلقي نحن بالمطرقة بعيدًا كأنها مفاتيح السماء.

عشرين وبضع سنين

نمنا، نربّـي على جراح آبائنا كالغرباء،

ننشئ مخاوف جريئة تتوّج شعرنا. وصمتنا،

ننشد عن الحرب كما السموءل أنشد على أطلال الموقد

حيث كانت قبيلة حبيبته.

ماذا نعرف عن الحياة، عشرين وبضع سنين

ونحن محتارون، وليس هناك من يخلّصنا من هذه الحَـيرة.

سافرتَ ودخلت مخيم اللاجئين

من ثنايا سكون العرس، من ثنايا المخاض الذي هيمن

على امرأة، وأردت أن تتراجع

لا لكي ترى ما قل من مشاهد رأيتها. وكيف

نصلح سقوف الزنك المتهاوية، التي تؤدي إلى

عويل الصبايا الجميلات؟ كيف نوسع الأزقة

التي تحول دون مرور النعوش، على الأقل

حتى نتعلم كيف نأمر الموت أن يتوقف؟

وماذا يجدي إذ نخجل؟ وكلانا كافران، تقيان،(6)

والقصائد  على ألسنتنا رخوة، وليس فقط الشعارات.

عشرين وبضع سنين

نحن حيّـان، وماذا نعرف عن الحياة؟ ماذا

نعرف من أشواق الأرامل، من أغاني البكم،

عن رغبات مقطوعي الأرجل أن يركضوا،

عن ذكريات الموتى؟

وقصيدتنا –في آذان الصمّ- ماذا يعرف هو

عن آذانهم؟

عشرين وبضع سنين ونحن حيّـان،

وما زلنا نكتب عن الحياة،

وحتى الآن ليس منها.

 

........................

ملاحظات للتوضيح:

1- أبناء  برسلاف: جماعة يهودية متزمتة، جاءوا من هذه المدينة.

2- س. يزهار: كاتب عبري كتب روايات ومسرحيات منها "خربة خزعة"، وهي معروفة بحدة نقدها.

3- في نهاية الأيام كما أجابني الشاعر بخصوص ذلك، وهو له ميوله الدينية، حيث لا يتعارض في رأيه مع عودة اللاجئين، ويعطى كل ذي حق حقه.

4- النيرب: مخيم اللاجئين الفلسطينيين قرب حلب.

5- يتناص الشاعر مع قول مروان في قصيدته:

دخلت المخيم/ من كف شيخ.. يدق/ مساميرسلمه الأبدي/ على كتف السموات

6- تناص آخر مع قصيدة مروان:

ففي البيت ضيق يضيق/ وجدت بصدر الممر صبايا جميلات/ ينحن/ يحدقن في  سقف زنك تهاوى/ رفعت عيوني اكتشفت/ على سطح دار فلان:/ فلان يناول آخر نعش فتاة تموت...... لعلي أخبئ جهلي/ وكفري التقي هناك.

 

 أهارون شبتاي

ولد سنة 1939 في تل أبيب. كان إصداره الشعري الأول سنة 1966، ثم تلته حتى اليوم ست عشرة مجموعة. له ترجمات في المسرح اليوناني القديم. حاضر في مادة الأدب اليوناني والشعر في جامعة تل أبيب .

ورد في التعريف به في موقع ويكيبديا:

"في السنوات الأخيرة أخذ يكتب الشعر السياسي، فقصائده الأخيرة تتناول العدوان على القرى العربية، وخاصة بلعين وبدرس، وذلك في أعقاب سور الفصل (أو جدار الفصل) في الأرض المحتلة، وكذلك كتب دفاعًا عن طالي فحيمة."

 

جزيرة حــــب

في  وسط بحر كراهيـــة

سنحفظ جزيرة حب

حبَّ يد الخياط

للقُماش الرمادي  للبنطال

وحبِّ كل دَرْزة

في أيام الشتاء لعمق اللحم

أنتم فرحون

بدماء الأطفال العرب،

وأنا كنت أفضل

بدلاً من فرحتكم

أن ينبت لي رأس حصان

ومنخاران مرسَلان إلى العشب،

أو أن أكون رِجْـلَ كُـرسي

في مدرسة

بنيت من إطارات العجلات.

يا أيها الناس، الناس،

الميرمودونيون، جنود أخيل*،

خلقوا من الموانئ،

وأنتم متى تولدون

من خيوط ضمادة واحدة؟

        هآرتس 24/2/2012

............

* أخيل هو ابن حورية البحر تاتيس وبيلؤوس ملك الميرمودونيين في بيتيا (جنوب شرقي تسيليا).

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2226   الاربعاء  26/ 09 / 2012)

في نصوص اليوم