نصوص أدبية

شجرة الخلاص

atif aldarabsaقلتُ لها :

ضاقَ عليَّ ثوبُ سيزيف، فحجمُ مأساتي أكبرُ ممّا تتخيلين، كلّما أعلنتُ للملأ أنّني انتصرتُ على يأسي وبؤسي وفقري وحروبي الداخلية والخارجية، أكتشفُ أنّني ما زلتُ مهزوماً كطفلٍ مهاجرٍ يصرعهُ موجُ البحر في ليلةٍ عاصفة .

كُنتُ أَسألُ عن الطّريقِ إلى القُدس؛ هل يمُرُّ من دمشقَ أو بغدادَ أو صنعاءَ أو عمّان؟ فإذا بي أسألُ الآنَ عن الطّريقِ إلى دمشقَ وبغدادَ وصنعاءَ وعمّان .

لم يتركوا لي جسراً يحملُني إلى العيد، فرؤيةُ الهلال في موطني مُستحيلةٌ لأن الغُيومَ القاتلة لا تأتي إلّا صيفاً .

ما أصعبَ التعذيبَ بالقهر ! ما أقسى التعذيبَ بنشرة أخبار المساء! وما أقذرَ ما يفعلونهُ حينَ يجعلونَ وعيكَ بالأشياءِ ممسوخاً، مُفرّغاً من كُل شيء إلّا من الهواء الفاسد، فالدّينُ لديهم ضروبٌ وأنواع : دينٌ مُتطرّفٌ ودينٌ مُعتدلٌ ودينٌ وسطيٌّ ودينٌ مخلوطٌ بالعلمانيّةِ، ودينٌ بالفلفلِ الحار، ودينٌ مع سَلَطة .

ويتمادونَ أكثر في تزييف الوعي فيتّخذونَ العولمةَ احتكاراً، ويُقدّمونَ الاستبدادَ والتّسلُّط على طبقٍ من ديموقراطيّة بدون سَلطة، ويُسوِّقونَ الفوضى الخلاقة بوصفها نظاماً، ويعتبرونَ تقسيمِ البلادِ تعدّدُية، والفتنَ الدّاخليّة خلاصاً، وتطهيرَ البلادِ من أعراقها وأربابها إعادةَ إنتاجٍ للسُلطةِ والدّولة .

قالوا لنا : آخر الزّمان يحكمُ هذهِ الأرضُ دجّال، وأنا أقول في الشّرقِ وحدهُ ألفُ دجّال، تعالوا نزرعُ شجرةَ الخلاص قبلَ أن تُسلمَ هذهِ الأرضُ نفسها للطوفان .

 

د.عاطف الدرابسة

 

 

في نصوص اليوم