نصوص أدبية
كرخستان - رصافستان
كابوس بغداد عام (٢٠٠٦)
نصٌّ كُتِبَ في أعوام الفجيعة
غزالٌ في الرِصافةِ مرَّ قُرْبي
وفِي عينيهِ دمعٌ وإزْورارُ
ينادي أنَّ لي في الكرْخِ خلّاً
ولكن دونهُ إمتدتْ بحارُ
تنائى الكرْخُ مصحوباً بِنصْفي
فكيفَ الوصْلُ إذ بَعُدَ المزارُ
شطرْتُ القلبَ للصوبينِ عشقاً
وهل معنى الهوى إلّا إنشطارُ
يمينُ القلْبِ في كرْخي تغنّى
وغنّى في رِصافتها اليسارُ
طوى الجسْرِ المُعلّقِ شاطِئيْها
كما يطوي كواكِبَهُ المدارُ
على الجسْرِ المُعلّقِ حطَّ قلبي
ولمْ تقْدِمْ فأدماهُ إنتظارُ
تناستْ موعِدي فانهارَ جِسْرٌ
كأنَّ الوعْدَ موتٌ وإحتِضارُ
أضاعتْ موعِدي سلمى فضعْنا
كما ضاعتْ بلادي والديارُ
على ميعادِنا يبكي السُنونو
كسيرَ القلْبِ يحدوهُ إنكِسارُ
أرى ريمَ الرِصافةِ وهْوَ يرنو
لِشطِّ الكرْخِ أعياهُ الدُوارُ
يرومُ الجِسْرَ لكن ألفُ ضبْعٍ
مساعيرٌ بأعْيُنِها شَرارُ
برأْسِ الجسْرِ ناصِبةً فِخاخاً
وفِي أنيابِها يعوي السُعارُ
دمىً سكْرى بأفْيونٍ زعافٍ
وفِي (روما) الخديعةُ والقرارُ
دمىً رقصتْ على أشلاءِ شعْبي
وخلْفَ البحْرِ في (زِرٍّ) تُدارُ
تمادى في حِمى أهلي صِغارٌ
سُكارى بالذي منحَ الكِبارُ
سكارى أدْمنوا أفيونَ غِلٍّ
وكُلُّ الخمْرِ آخِرُهُ خُمارُ
مقامرةً تمنوْها وظنّوا
على أجسادِنا يحْلو القِمارُ
وعاثوا في الورى ألْساً و دلْساً
وشاءوا كُلَّ مُرْزِئةٍ تثارُ
إذا صدّقْتَ دعْواهم سأشْدو
بِملْء الصوت: مُتْ يا حِمارُ
فَتِنّينٌ بدجْلتِنا ترائى
لَهُ في جوْفِ وادينا خُوارُ
وغيلانٌ تماهتْ في سَعالٍ
تهاوتْ من ضراوتِها قِفارُ
***
سَلوا جِسراً غدا جاراً لروحي
لعلَّ القلْبَ يشفيهِ الجِوارُ
سلوا (جِسْرَ الأئِمّةِ) وهْوَ يحنو
على (الحيّيْنِ) ما طلعَ النهارُ
على تيكَ المنائِرِ سامِقاتٍ
لأهْلِ العشْقِ والتقوى منارُ
على تلكَ الحمائمِ سابحاتٍ
لها في (الصحْنِ) مسرى أو مطارُ
فَمِن عشقِ (المُعظَّمِ) لي قميصٌ
ومن شَبْلِ (الكواظِمِ) لي إزارُ
وتأبى (الحضْرتينِ) سِوى عِناقٍ
ويأبى الملتقى إلّا وَقارُ
أحبْلُ أللهِ مشدود كجسرٍ
لذي الصوبين أم مَسَدٌ مُغارُ؟
إماميَّ إشْفَعا لي عِنْدَ ربّي
فقلبي صَدَّ من هتَكوا وجاروا
فما لوّثْتُ في أزٍّ لهاتي
ولم يخْطُرْ على قلبي شِعارُ
كما أرجو شفاعَتكم لِأُمّي
فكم ناجتْ وقد رُفِعَ السِتارُ
أراها مثلما حال الثَكالى
تَحَنَّى في مدامِعِها الخِمارُ
ترَيّثْ أيُّها الموتورُ نادتْ
فهذي النارُ عقباها شَنارُ
فما ردَّ البعيدَ دُعاءُ أُمِّي
ولم يأبهْ بما قالتْهُ جارُ
فصاحتْ تنتخي ما بالُ أهلي
هشيماً في لهيبِ النارِ صاروا
وقد ساروا بليْلٍ مِثْلَ ليلي
ولا يدري فُؤادي أيْنَ ساروا
فلاذتْ بالمعوذةِ من دُعاةٍ
علا أفواهَهم ذُلٌّ وعارُ
***
سألْتُ (البازَ) في بغدادَ غوْثاً
وأدري في الشدائِدِ يُسْتَجارُ
ولي في الأكحلِ (الكرّارِ) سيفٌ
إذا ما ضاعَ حقٌ يُسْتثارُ
وعهدي فيهما فُرْسانَ حقٍّ
ومن دون الفوارسِ يُستشارُ؟
فيا نارَ الوغى كوني سلاماً
كما كانت (لإبراهيمَ) نارُ
على (دارِ السلامِ)عرينَ أهلي
ورِفقاً إن بدى منهم عِثارُ
زهتْ أسماؤها الجذلى دهورا
مُدوّرةٌ و زوراءٌ ودارُ
سلامٍ في خيالِ الكونِ يزهو
وألفُ مدينةٍ منها تغارُ
أيا أحلى عروسٍ في رُؤانا
أيبلى حولَ مِعْصّمِكِ السِوارُ
أزُرّاعَ الرزايا في بلادي
تُرى يُرْضيكموا هذي الثِمارُ
أعَرّابَ الخطيئةِ ته دلالاً
غداً نصحوا فهيهات الفِرارُ
غداً تصحوا شعوبٌ بعدَ سُكْرٍ
وتنزاحُ النوائبُ والعَثارُ
غداً تنجو الضمائِرُ من سُباتٍ
ولن يُنجيكَ جِبٌ أو دِثارُ
غداً نبني بدمعِ الروحِ بيتاً
لهم أوهامهم ولنا الخيارُ
فمن طينِ العراقِ نمتْ حُروفٌ
وضوء الروح منها يُسْتعارُ
تجلّى الحرْفُ عن أبهى لُغاتٍ
فغنّى شاعرٌ وشدا هزارُ
بأزكى الطينِ روح الله فاضت
فشعَّ الحرْفُ وإبْتدأ الحِوارُ
***
مصطفى علي
