نصوص أدبية

وسارت سوهاد ..

سهاد حسنوجاءت تلك الفتاة  التي تدعى سوهاد تقطع طريقها وسط زحام افكارها وزحام السيارات التي كانت تسير في وسط شارع مظلم. كأن في وجهتها شيء من المجهول والمعلوم معا. تلك الفتاة كانت تبلغ خمس وعشرين ربيعا، عفوية جدا الى الحد الذي يناديها فيه احدهم "صغيرتي". واخيرا وصلت وجهتها التي تريد وقالت بعد ان القت التحية وبعض من كتبها:

"عزيزتي نور كيف حالك؟"

اجابت نور وعلى وجهها ترتسم بعض علامات الدهشة "انا بخير وايضا الاطفال". كانت تهمهم في نفسها لأعداد الطعام الى شقيقتها من الرضاعة (سوهاد). ولكن الأخيرة كانت تهم بشيء اخر يشغل تفكيرها المزدحم بأفكار جعلتها تهرم قبل اوانها. تنفست سوهاد  وكأن شيئا من الغصة تلون صوتها ثم سألت "اين عزيز قلبي احمد؟" قالت بحيرة لازلت اتذكرها "ذهب ليتسامر مع بعض من أصدقائه"

نثرت سوهاد اوراقها وكان جل ما يهمها حينئذ هو ايجاد مسوده وقلم. كان التعب قد نال منها لأنها كانت تعمل كأستاذة في احدى الكليات، شيئا من القلق والتعب وقلة الراحة امتزجا معا ليشكلا معا الجدة وليست الفتاة سوهاد. مزقت ورقة من احدى كتبها وخطت يدها بعض الحروف. تلك الحروف كانت تشكل معا رسالة اعتذار لذنب لم تقترفه ولوعد وثقت به.

"الى الروح ! اعتذر"

 ثم لصقتها على المرأة التي من المتوقع ان يراها احمد ريثما يستيقظ من نومه صباحا. وخرجت سوهاد مسرعة من البيت. بعد بضع اميال ، اتصلت تلك الفتاة بأحمد التي كانت تحتفظ به في جهات اتصالها  تحت اسم "ملاك". بعد رنين مطول، اجاب وكان جوابة جاف كجفاف ليلة من ليالي تموز. انهى حديثة ولم يأبه لوحدتها وتركها تصارع ظلمة ليل الرابع من اكتوبر بمفردها. لم تتعبها الاميال ولكن اتعبها جفاف الصوت الذي اعتادت على دفئة.

 توقفت سوهاد لبرهة وسط الظلام ثم رفعت طرفها الى السماء وسقطت دموع عيناها ولكن نظارتها كانت جديرة بإخفاء تلك الدموع. كانت تلك الدموع لا تليق بمستواها الاكاديمي ولا تليق بمجتمع ضالته الكبرى استغلال ذلك الضعف. خيم الصمت وخيل انها توقفت عن البكاء ولكن قلبها وعيونها كانا ينزفان بقوة. الا ان الصوت عاد موهناً يكاد يختفي لوجه هزيل بارد، قدمان بالكاد يستقيمان وقوفا، ثم وضعت كفاً فوق الاخرى وتحركت شفتاها  لتمتم " سأذهب لأموت عند أهلي كالغزلان". دفء راحتي يدها وحرارة الالم ودموعها كلها كانت انيسها الوحيد في ذلك الظلام الدامس.

 تابعت المشي لبعض الاميال واذا بها تبحث عن قلم كمجنون يبحث عن الدواء وسط كتبها الهزيلة لتكتب فوق غلاف الكتاب الاول: " وما زال قلبي يشتكي لك وحدة تركتني انت فيها، وحدة تسبب لي الجنون كلما تذكرتها. حسنا، حياة اخرى تناديني منذ امد بعيد وحان الوقت للقائها. وداعا، وداعا ثم اعتذر"

 ما ان انتهت من كتابة تلك الحروف حتى شعرت ثمة ضوء يقترب منها، كان بؤبؤ عيناها شاحبا هزيلا كقنديل أتعبته كثرة الضياء لمن حولة. ما ان رفعت طرفاها نحو ذلك الضياء التي ظننته ضوء سيارة من تفتقده حتى اصطدمت بها سيارة ولدت دموع ودم سقط بعض منه على غلاف ذلك الكتاب ليكون ذكرى. ثم سقطت سوهاد جثة هامدة تناثرت فوقها الكتب التي كانت تحملها معها وبعض الوريقات. ورحلت سوهاد بصمت مدوي في السابع من شتاء 2018.

 

سهاد حسن

 

في نصوص اليوم