نصوص أدبية

الموتُ الجميل

عاطف الدرابسةقلتُ لها:

هذا الجسدُ

تحتشدُ به أقسى أنواعِ السُّمومِ

كأنَّها مظاهراتٌ شعبيَّةٌ

أو عصيانٌ مدنيٌّ

أو اعتصام ..

*

كلُّ الشَّرايينِ

إلى القلبِ والعقلِ مُغلقةٌ

وكلُّ الدِّماءِ

التي تسري فيها فاسدة ..

*

هذا الجسدُ

ينتظرُ الموتَ الجميلَ

الموتَ الذي يُعيدُ إنتاجَ الحياةِ

وينقلنا إلى الشَّاطئِ الآخرِ

بأمان ..

*

لا تسألي يا حبيبةُ :

كيف يكونُ الموتُ حياةٌ

وكيف يكونُ الموتُ عزاء !

*

سرِّحي النَّظرَ

في الشوارعِ والمدنِ

في الأزقَّةِ والقرى

وكلِّ الآفاقِ المجهولةِ والمعلومةِ

في وطني !

كم هي شاحبةٌ

كم هي سوداء

بلونِ العراةِ

ولونِ الفقراء !

 

لِمَ تغيَّرَ لونكَ يا وطنْ

فصارَ بلونِ الخوفِ

ولونِ الظَّمأ ؟

*

لِمَ تغيَّر عطركَ يا وطنْ

فأصبحَ كرائحةِ الرُّعبِ

أو العفن ؟

*

من أين جاءتْ هذه النَّباتاتُ الغريبةُ

لتتفتَّحَ على سطوحِ السُّهولِ

ومعارجِ الجبال ؟

*

هذا الشِّتاءُ الغزيرُ

الذي يسيرُ في شرايينِ الوطنِ

لا نجني منه سوى الموتِ

أو التَّعب !

*

ما أطولَ الطَّريقَ إليكَ

وما أقصرَ الزَّمن !

فكلُّ الزُّهورِ المهاجرةِ يُراقُ دمُها

على شراشفِ أسرَّتِهم

في اللَّيالي الحمراء !

*

كلَّما قلٌبتُ الجسدَ

لا أجدُ إلا الجِراح تزدحمُ فيه

كازدحامِ الأطفالِ في المدارسِ

أو كازدحامِ الدَّعاوى

في المحاكمِ الشرعيَّةِ

أو غيرِ الشَّرعيَّةِ !

*

كم تحملُ أيُّها الجسدُ من ذكرياتٍ

حزينةٍ أو حزينةٍ

كأنَّها مقابرُ جماعيَّةٍ للفقراءِ

على مرِّ العصور

تتراكمُ فيها الآلامُ

كأنَّها الجبالُ

تُقيمُ فيها أسرارٌ وأسرارٌ

كأنَّها أساطيرُ الفراعنةِ

أو اليونان !

*

وداعاً أيُّها الجسدُ المسَّمومُ

فكلُّ المواقدِ مُطفأةٌ

وكلُّ الممرَّاتِ إليكَ ضيَّقةٌ

فلا تسألني عن شمسِ الشِّتاءِ

ولا تسألني عن شمسِ آذارَ

فكلُّ الشَّموسِ التي تُشرقُ عليكَ

مُحرِقَة !

*

هامشٌ:

ما زالَ هذا الجسدُ المسمومُ يبحثُ عن الموتِ الجميلِ

فهل تسمحينَ يا حبيبةُ أن تَهبيهِ قلبكِ مقبرة ؟

***

 

د.عاطف الدرابسة

 

في نصوص اليوم