نصوص أدبية

ليْلةٌ في حانةِ الأقدار

مصطفى عليدرْدشةٌ حوْلَ موقِدٍ ذاتَ شِتاء خبّت به

الريحُ فإنطلقخبَبَاً أتعبهُ فَتَدارك

(تداعياتٌ حُرّةٍ لخافِيَةٍ حُبلى)

 

أمضى في الحانةِ ليْلَتَهُ

ذاتَ شتاءٍ دُونَ رِفاقْ

لَمْ يسكرْ لكنّ الساقي

أبصَرَ فِيهِ طيْفَ ذُهولْ

وروامِسَ صمْتٍ وذُبولْ

فأشارَ تبسّمْ يا هذا

فالحانةُ فيها سُمّارْ

لاذوا في جمرِ مواقِدِها

لِيُريحوا بالدِفْءِ نُفوسْ

***

في البرْدِ تَسَمّلَ أنْبِذَةً

عَتّقها سِرّاً باخوس

إن غازلَ دَنّاً باللّمْسِ

أو شاكسَ زَقّاً بالهمْسِ

فاضَ نبيذُ الكرْمِ القاني

يوقِدُ ناراً ليْلَ الحانِ

فإصْطَفَقتْ في الحانِ كُؤوسْ

أصغى المكلومُ لِحكْمَتِهِ

فالحكْمَةُ بوْحُ المتْعوسْ

يرشِفُ في صمْتٍ فلسفةً

فيها أسْرارٌ تَتَوارى

فيها أشواقٌ تتبارى

كالشطحَةِ عِنْدَ العُرّافْ

و بدتْ حكمتُهُ تتسوّى

كالطينِ بأيدي الخزّاف

إذ يرْتِقُ ذاكرةً شاختْ

كسِمالٍ عِنْدَ الروّاف

فمضى قلبي دُونَ دليل

مُعْتلّاً يحبو وعليل

يَتَأبّطُ حَدْسَ القيّاف

للنُدماءِ يحِلُّ الطلسمْ

و يُكابِدُ رمْزَ الناموس

***

قُدّامَ الموقِدِ قد جلستْ

إذ سكبتْ في الكأسِ ( شَموسْ)

وَ وَراءَ الشُبّاكِ سنيني

مرّتْ شعواءً وضروس

المِلقَطُ في يدِها اليُمنى

يحْرُثُ في روحي ويجوس

بديارِ الذكرى مُصْطَلِماً

لِيُلامِسَ سِرّاً محبوس

بِفُؤادٍ أدْمتْهُ النجوى

عُمُراً فَوْقَ الجمْرِ يدوس

و قرينُ الشعْرِ تَلَبّسَهُ

يوْماً فتصابى الممْسوس

بصهيلِ النغمةِ سكراناً

و لُهاثِ الحرف المهْموس

بحواسٍ يلقُطُ شفْراتٍ

و يسافرُ خلْفَ المحْسوس

لخفايا الروحِ تراودُهُ

لُؤلُؤةُ السِرِّ المحدوس

***

أ تُقلِّبُ حقّاً موْقِدَها

أم جمراً يلهثُ في صدري

إذ ترمي جمرات المعنى

بعُروقي كدبيبِ الخمْرِ

و الْحَمَأُ المسْنونُ تشظّى

بينَ الجُلّاسِ فمن يدري

في عينيها ألفُ بريقٍ

تشْعِلُ أحزاني كالجمْرِ

فَدَنوْتُ وقلبي يسألني

أيُّ النارينِ بهِ تسري

أ تُحِبُّ النارَ تُرى ؟ سَألتْ

فإنْبجستْ في الروحِ (شُموس)

قد أحببْتُ النارَ كثيرا

أهواها مُذْ كُنْتُ صغيرا

يا فاتنتي كنتُ غريرا

تجمعنا ليلاً جَدّتُنا

مِثْلَ طيورٍ حوْلَ الموقد

نقرأُ أشعاراً تتواري

في خيطِ شُعاعِ الفانوس

نفترشُ الأحلام حصيرا

تُطعِمُنا تمراً إذ تحكي

آناءَ الليلِ أساطيرا

فَنُهوّمَ حتى يوقظَنا

في شهقةِ تنّورِ الفجرِ

صوُتُ أذانٍ أو ناقوس

***

يا سيّدتي كنتُ فقيرا

وعفيفاً قلباً وضميرا

أ فقيرٌ من بلدِ النِفطِ؟

سألتني فأثارتْ سُخطي

كانَ الريْعُ عليَّ عزيزا

أخطأَني فالقسْمةُ ضيزى

يبقى الخيرُ لديَّ غزيرا

ويظلُّ القسّامُ ضريرا

قرأ التاريخ فلم يفهمْ

إلّا غبراءاً وبسوس

انهارٌ ، نخلٌ وحقولٌ

جفّتْ في بلدٍ منحوس

بُستانُ البصرةِ مسروقٌ

والحارسُ خانَ المحروس

عافَ الزرّاعُ مناجلهم

وبكتْ في البستانِ فؤوس

ومُليكٌ أعمى يتلّوى

في قيدِ الداءِ المهْووس

إحذرْ مقصلةً لم ترحمْ

من أفنى في السوحِ رؤوس

فقدَ الناطورُ شكيمتهُ

وإنطفأتْ في الحقلِ نفوس

زُرّاعُ الحقلِ بمملكتي

أبهى من عرشِ الطاووس

***

دَمعتْ عيناها وإشتعلتْ

فيها أنوارٌ  وطقوس

غادرْتُ الحانةَ مُكتئباً

وبقلبٍ باكٍ وعَبوس

 

في نصوص اليوم