نصوص أدبية

هو سيأتي لكي يجدك!

صحيفة المثقف‏"جوهرنا واحد"

‏سبينوزا

‏-1-

‏هل ينفصل النهر عن الضفة؟

‏النهر يجري يا صديقي والضفة ثابتة

‏-2-

‏في اللحظة التي ارتعش الكون فيها

‏كنت أشكو إلى النجوم آلامي الصغيرة

‏أنحني على البيانو وأرفع رأسي

‏كانت الموسيقى ترقص بين أصابعي

‏حتى جاء صوتك دافئًا

‏وقد مضى على صمتك عام

‏دون أن يطرق باب العزلة جثم على صدري

‏كاد قلبي أن ينشطر إلى نصفين

‏ألم تسمع نقر المطر على النافذة؟

‏يكفيك أن تلمس الخجل في همسي

‏ألم تشعر بعذرية الحب الأول والقبلة الأولى؟

‏إنهما ينتعشان في المرأة الحقيقية

‏مثل أخطبوط لا ينفصل عن أذرعه

‏مثل جبال السَّراة الشامخة

‏وروحك التي هيمنت على روحي

‏-3-

‏ليس لدي عقل جامد

‏لدي عينان ترى كل ما هو بعيد

‏ليس لدي فم يثرثر

‏لدي شفتان تصمتان في غيابك

‏أو تكتب على الورق الأبيض قصائد ليلكية

‏لدي غبطة البشر وآلامهم

‏ليس لدي حيزًا أو بيتًا نسكنه

‏لدي فردوسًا نعيشه

‏ليس لدي أغصان أهش بها على خطيئتي

‏لدي رياح باردة ودموع ساخنة

‏ليس لدي شجاعة

‏فأنا أجبن أمام الفضائل الصغيرة

‏أمام قبلتك النادرة

‏والطريق ضيق، معتم وخطير

‏ليس لدي هزيمة

‏عندي عظام تمشي إلى الله ودمعتان طيبتان

‏ليس لدي صوت حارٌّ ووجه شاحب في ضوء المصباح

‏ليس لدي باب أوصده

‏لدي عزلة وليل تنهض فيه صرختي

‏لذا وثقت بقلبك وأسلمتك مفاتيح أسراري

‏لماذا؟

‏لماذا وضعك الله في طريقي؟

‏ليس لدي ندم

‏فالخطيئة كالفضيلة تمامًا

‏كانت هي أقصر الطرق إليك

‏لا شيء يموت بداخلي

‏كل شيء ينام في أعماقي

‏مثلما تزهر شجرة لوز في شتاء عنيد

‏-4-

‏حين أعود لوحدتي

‏أغمض عيني وأسأل:

‏ما الذي ترسب في أعماقي؟

‏ما الذي كنت أبحث عنه؟ وماذا وجدت فيك؟

‏ما الذي ينقص روحي المهجورة؟

‏صديق عظيم؟

‏أو عدو طيب؟

‏لا يهم

‏كلاهما يخوضان الكفاح بجانبي

‏صديق أو عدو

‏ربما يكون امرأة،

‏ فكرة،

‏ عالم مجهول.

‏ربما جبين يشع منه النور

‏ربما حضن واسع أسند عليه روحي وألتجئ

‏أريد أن ألمس جسدك الحار

‏هناك رذاذ خفيف

‏عذوبة وحنوٌ عجيب

‏وفوق هذا كله أنا محتاج إلى البكاء على صدرك

‏-5-

‏"ما تبحث عنه يبحث عنك*"

‏فلا تفتك بقلبك ولا تبالغ بالاهتمام

‏لا تخرج لكي تجده

‏هو سيأتي لكي يجدك!

‏-6-

‏حين تعود

‏ أكون متوجسة من صوتك

‏أخاف أن تلمس فكرتي

‏فأفوز بقطعة منك

‏بزبدٍ متبقٍ في كأس البيرة

‏بزغب خديك يحك أسفل ذقني

‏كلمات تهتز بنبرة ملتهبة

‏تلك منطقة سعيدة تنام في البحر الكاريبي

‏في جزر جواديلوب مثلاً

‏تتحرك فوقها السماوات

‏وتنمو فيها أشجار تغني

‏تقفز فيها الأرانب ويتراكم ندى الزهور

‏حين تعود

‏أقبض على العدم

‏على الأوراق القديمة

‏على الهواء الرطب

‏وأعثر بعد هذا كله على اسمك منقوشًا على جسدي

‏في كل خلية يتكاثر

‏فلا يتلاشى ضوؤك البعيد

‏ولا ينفد عطرك الذي تركتَه في ثيابي

‏-7-

‏تعال لنعبر

‏في العبور نتخلص من الآلام

‏كل الشعوب المعذبة عبرت البحر

‏ والنهر

‏ والصحراء

‏كل الأرواح التواقة

‏العقول التائهة

‏النفوس المذنبة

‏كل العشاق

‏والملهَمون عبروا

‏لنجرب.. ولتعانقني عند حافة الجبل

‏-8-

‏لستَ من يسترخي وسط غيوم ناعمة

‏أنت من تضربك الأمواج

‏وتقذف بك الريح

‏أنت من تتعلق بلوح يطفو

‏وعيناك مثبتتان في وجهي كي لا يحزن

‏أي برودة تمتد لنقي عظامنا ليرتجف كل هذا الكون!

‏أي نور انغمسنا فيه؟

‏أي دهشة نهضت في تلك العتمة؟

‏دع شفتيك تكنس غبار النجوم

‏وعلِّق قبلاتنا على حافة السماء

‏دعها تتدلى وترقص

‏اترك صوتها يغني

‏صوتها الذي حين يرانا

‏يكون عاجزًا عن الالتفات

‏جد لهذه الحياة فسحة

‏لا تدعنا نبحث عن الوضوح

‏هذه الرغبة لا تتحمل

‏لا تلتفت

‏فعيناي المتضرعتان ستظلان مغروستين في كتفيك إلى الأبد!

***

بلقيس الملحم

‏شاعرة وقاصة من السعودية

‏.........................

‏* من كلمات مولانا جلال الدين الرومي.

في نصوص اليوم