نصوص أدبية

في استقبال إنانا

نور الدين صمودإنانا

إنّ ذا اليومَ الذي لاقيتـُكِ فيهِ

يا إنانا

واعترانا

ما اعترانا

لهو يومٌ كنتُ للعالـَمِ قد أقبلتُ فيهِ

منذ سبع وثمانين ربيعًا أو خريفـًا

وهو ما ناهز تسعين ربيعًا

جاء بالزهر ربيعا

أو خريفـًا

كنتُ فيه:

تارة زهرًا ربيعيًّا على أكمامه سربُ فـَراشْ

تـَـَشعُرُ الأطيارُ في أجوائه بالانتعاشْ

عندما قد (كنتُ أمشي دون أنْ أعيا) ولكنْ

(صرتُ أعيا دون أن أمشي) كما قال قديما

شاعرٌ إذ جاوز التسعين أوْ

ناهز القرن، وأضحَى

كوحيد القرن إذ صار وحيدْ

في قطيع من أسودْ

عندما داهمها الجوع العنيدْ

وغدا كومة لحم بين أنياب الليوثْ

قرنه الأوحد فوق الأنف عنوان الشمم

وبدالي واهنا في ساحة الموت وفي ذل الهرمْ

وأنا ما كنت في الدنيا ضعيفا

كوحيد القرن ما بين الضراغمْ

عندما أضحى عجوزا لا يُقاوِمْ

فأنا ما زلت في الميدان أستلُّ القلمْ

وأنا ما قلت: هلْ أفنيتُ (بـِنزينَ) قـُوايْ

في شبابي وصبايْ؟

وهو يومٌ كنتُ دوما أرتجيه

وبروحي أفتديهِ

ومن الأيام دوما أجتبيهِِ

لأراني في  خليج كان للأهل كحمّام ٍ خصوصي

فهو يوحي لخيالي ببديع الفِــكـَر ِ.

**

يا إنانا

جئتِ من أعلى الأعالي

يوم عيدْ

يومَ ميلادي السعيدِْ

والذي قد ناهز التسعين هل يبدو سعيدْ

يوم عيدِ؟

بعدما سدوا على الموجِ الخليج

أم سيبقى حائرًا في ما جناه حمق بعض البشرِ

ناسبا أخطاءه للقدرْ؟

**

يا إنانا

منذ سبع وثمانين سنهْ

عَبَـرتْ كسْلى وئيداتِ الخطى ساعاتـُها مثل السَّنـَهْ

وهي حينا مسرعاتٌ تنقضي أعوامها مثل السِّنـَهْ

سِنـَةٌ في مقلةٍ وسْـنـَى على الأحلام دومًا مُدْمِنـَهْ

وهي حينا ساهراتْ

تحرس الأجفانَ من أشباح نوم لم يَـزر مقلتـَهُ

وهي طول الليل تبقـَى ساهداتٌ

وبنوم هادئٍ في عتمة الليل تراها حالماتْ

وهي حينا قبل نومي نائماتْ

قبل أن أكمِل بيت الشعر أبقى في سُباتْ

فأرى آخِــرَ بيتٍ في قصيدي

واهيَ الأطناب والأوتادِ يبدو في الفيافي

كقصيدٍ لعبيد الشعر مهتز القوافي

مثل بيتِ الشـَّعَـر ِ.

**

يا إنانا

إن هذا الشـِّعْرَ قد أذهلـني

وبما فيه من الألغاز قد حيرني

وعن الفهم الحقيقي له أبعدني

وبدا لي فيه طيفٌ منكِ عذبٌ طالما أسهرني

منذ أن أبصرتُ في عينيكِ ما أرجعني

لشباب العمْر في درب التصابي

ولأيامي العِذابِ

نزلت كالغيث في يوم ٍخريفيٍّ وريف

هبطتْ من برجها العاجي إلى الأرض يمامهْ

أخذت تمشي الهُويْنى كالحمامهْ

وبدت لي تحت ذاك الشعَر ِالبُنـِّي عينٌ لك وسْـنـَى

فيك قد أبصرتُ ما يَبهرني

فارقتْ كفي عصايْ

يوم لاحت فيه إنانا التي

بسنا فتنتها تـَبْهَرُني

وإنانا منذ أن 

أقبلتْ من عالم الغيب إلى الأرض التي

ضيعت، منذ بدت لي، مهجتي

وأتت في الحُلـْم تسعى

مثل أفعَــى

ذات لينْ

وحنانا وحنينْ

حشوُها سُـمٌّ دفينْ

مؤذن بالخطر .ِ

**

وإنانا

لم يرقها في دنا الناس سوانا

مذ قرأنا الشعر غضَّــا

ورأينا الحبَّ فرضَــا

وزرعناها     

ودادا

وسقيناها

حنانـَا

وشدتْ، في قفص الصدر، العنادلْ

وبدت دقات قلبي في الحنايا تتواصل

وتـُغنى بكلام لم يدرْ يوما ببال البشر.

**

وإنانا

قد أتتْ يصحبُها

ساحر الشعر الربيعيُّ الغناءْ

ومضى يُطربُها

فأتتْ للعالم الأرضي تسعَى، بعد ما

في الأعالي تركت منزلها

وهي مذ أنزلـَها

فارقتْ فردوسَها

وأتت للأرض كي تـُؤنِسَها

ولكيْ تسقي الندامَى

والسهارى

وترى الناس سكارَى

كلما ذاقوا المُداما

ملأتْ أكـْؤُسَها

ومضتْ تسكبُ راح الروح كي تــؤنسََها

وإذا أعصاب قلبي، في يديها، قد غدتْ كالوتر ِ.

**

وإنانا

تركتْ فردوسها

وسقتني يوم عيدي كأسَها

***

أ.د: نورالدين صمود

 

 

في نصوص اليوم