نصوص أدبية

غيوم.. ثلاث قصائد

عدنان الظاهرالخريف

أشجارُ الأحزانٍ تُضاعفُ مرّاتٍ أشجاني

أيامَ خريفِ الغُربةِ قبلَ مجيءِ البردِ الشتويِّ القاسي

تبكي دمعاً لونَ العنبرِ في غاباتِ الكُحلِ

تبكي دمعاً أغلظَ من أمصالِ عسولِ النحلِ

تبكي الغابةُ والأشجارُ غريباتُ اللونِ على خلفيةِ أثوابِ العُرسِ

لا تعرفُ أصليَ أو فصليَ لكنْ

يجمعنا هذا الموسمُ إذ يتساقطُ من كُلٍّ منّا

شيءٌ … ما :

تتساقطُ فوقيَ أوراقٌ صُفْرٌ شاحبةُ اللونِ

فتُغطيني من قِمّةِ رأسيَ حتّى أخمصِ أقدامي

كتُرابٍ في كفِّ مُودّعةٍ زارتْ قبري يومَ الدفنِ

جاءتْ بثيابِ حِدادِ اللونِ الليلي

جاءتْ والعَبرةُ تخنقني في صدري

أأقومُ كما قامتْ موتى أعرفها من قبلي

لأُودِّعَ هذا المخلوقَ فما زالتْ فيهِ بُقيا من أهلي

أمْ أمكثُ تحتَ أديمِ الأرضِ كحبّةِ قمحِ الهرمِ المصري

مُنتظراً أيامَ حلولِ الدفء الشمسي؟؟

(نُشِرت القصيدة في العدد 19 (عام 1991) من مجلة " الإغتراب الأدبي " التي كانت تصدر في بريطانيا).

***

غيوم

(لإنتفاضة شعبان 1991)

حينما تشحبُ الغيومُ أمامي

أُعلِّقُ نفسي على حائطٍ من دماءِ

صورةً شوّهتها الحروبُ مِراراً

وشجاراً على قامةٍ من نخيلِ

وقميصاً ترتديهِ الدروبُ

على جَسدٍ في الفراتِ قتيلِ

أُعلّقها رايةً من سوادِ

وسيفاً تكسَّرَ في فورةِ المُستحيلِ.

الغيومُ التي أمطرتني مِراراً

والغيومُ التي مزّقتني مِراراً

ليس فيها شميمُ بُقيا تُرابي

وليس الكلامُ الذي بلّغتني كلامي

فلا الطريقُ طريقُ

ولا مرامُ الجواري مرامي

ولا الدروبُ التي صيّرتني تُراباً دروبي

غيرً أنَّ الغيومَ تبقى غيومي

والنجومَ التي أُطفِئتْ في الظلامِ تبقى نجومي.

كحِّليني يا رموشَ المنافي بهابطِ ظلّي

وأطِلّي على شُرفةٍ في مضاربِ عزلي

فإنَّ الغيومَ التي بارَحَتْ أَسقُفاً في الديارِ

مُثقَلاتٍ بمحّنةٍ من حَصارِ

والوجوهَ التي تركتنا على أَسطُحِ الذكرياتِ عرايا

أصبحتْ جُثّةً من رمادِ

والزمانَ الذي لم يُطِقْ وِقفةً في طريقي

تقلّبَ قبلَ الرحيلِ مِراراً …

خانني في العشاءِ الأخيرِ

فلا المساءُ مساءٌ ببابي

ولا الصليبُ صليبي.

***

من أين؟

من أينَ تؤاتيكَ السلوى

من أينْ؟

وبأيِّ متاعبِ ماضيكَ ستمخرُ أمواجَ اللُجّةِ في بحرِ العينْ

ألأمرٍ أَحرَقتَ سفائنَ عودتهمْ في طُرفةِ عينْ

وتكبَّرتَ كثيراً

فتجاهلتَ التقبيلَ سوى فوق الخدينْ

ولماذا رمّمتَ جسورَ مودَّتهِمْ

أَفَلمْ تُدرِكْ عُمْقَ الأزمةِ ما بين الإثنينْ؟؟

من أينَ ستأتيكَ البلوى بالسلوى، من أينْ

وبأيِّ رَباطةِ جأشٍ

تقرأُ ما خطَّ بَنانُ محبّتِهم يوماً

هل فاتكَ أنْ تقرأَ نجمَ الفُرقةِ مدسوساً ما بينَ السطرينْ

أمْ أنَّ مصيبتكَ الكبرى

أنّكَ تمشي كالأعمى فوقَ الجمرةِ حافي القدمينْ؟؟

مِن أينَ ومِن أينْ

يأتيكَ النومُ شِتاءً والبينُ وَشيكٌ جدّاً

بلْ أدنى من قابِ القوسينْ

إمضِ وَحدكَ في المنفى

عُريانَ الصدرِ حزيناً والبردُ مساميرُ الشفتينْ

تَصرَخُ لا نَهْرٌ يُصغي

لا بابلُ لا ما بين النهرينْ

فإلى أينَ الموجُ العاتي

يأخذُ أمثالكَ طُوفاناً من خَشَبٍ

أَبخَسَ حتّى من فلسينْ .

من أينَ ستأتيكَ السلوى

من أين؟؟

***

د. عدنان الظاهر

كاردف (ويلز / بريطانيا)  1989

 

في نصوص اليوم